مضت فترة صمت مشحونة بالقلق من ناحية، والتساؤل والدهشة من الناحية الأخرى. - إحساس عجيب لا يمكن تعريفه بصفة أخرى، ولكنه جد خطير.
ضحك الطبيب، مسه مداعبا وهو يقول: أتمنى أن يكون مرضك معديا. - لا تأخذ الأمر ببساطة، إنه جد خطير كما قلت لك، وإليك قصته.
وقص عليه قصته مع السعادة منذ استيقاظه صباحا، حتى اضطر إلى زيارته. - ألم تتناول مخدرا أو شرابا أو عقارا من العقاقير المهدئة؟ - لا شيء من ذلك مطلقا. - هل صادفك توفيق في مجال هام مثل العمل .. الحب .. المال؟ - لا شيء من ذلك مطلقا، ولدي من أسباب الكدر أضعاف ما لدي من أسباب السرور. - لعلك لو صبرت قليلا. - صبرت النهار كله، وأشفقت من قضاء الليل هائما.
كشف عليه بدقة وعناية وشمول، وقال له وهو يهز منكبيه في حيرة: إنك مثال جيد للصحة والعافية. - وإذن؟ - يمكن أن أنصحك بتناول منوم، ولكن من الأفضل أن تستشير أخصائي أعصاب.
وتكرر الكشف في عيادة أخصائي الأعصاب بنفس الدقة والعناية والشمول، وقال له الطبيب: أعصابك سليمة، وبحال تحسد عليها!
فسأله برجاء: أليس لديك تفسير مقنع لحالي؟
فهز رأسه نفيا، وقال: استشر طبيب غدد!
وتكرر الكشف لثالث مرة في عيادة أخصائي الغدد بنفس الدقة والعناية والشمول، وقال له الطبيب : أهنئك على سلامة غددك!
ضحك، اعتذر عن ضحكه وهو يضحك، وكان الضحك وسيلة للإعراب عن قلقه ويأسه.
غادر العيادة وهو يشعر بأنه وحيد، وحيد بين يدي سعادته الطاغية، بلا معين ولا مرشد ولا صديق، وإذا به يتذكر لافتة الطبيب التي يراها أحيانا من نافذة حجرته بالجريدة. أجل، إنه لا يثق في الأخصائيين النفسيين رغم اطلاعه على مضمون التحليل النفسي. فضلا عن ذلك، فهو يعلم بأن حبالهم طويلة، وأنهم يلزمون مرضاهم بنوع من المعاشرة الطويلة. وضحك وهو يتذكر طريقة العلاج بالتداعي الحر، وما تكشف عنه في النهاية من عقد. كان يضحك وقدماه تحملانه إلى العيادة النفسية، وتخيل الدكتور وهو يستمع إلى شكاته العجيبة من السعادة، هو الرجل الذي اعتاد الإصغاء إلى الشاكين من الهستيريا والفصام والقلق ... إلخ. - الحق يا دكتور أنني جئتك لأنني سعيد!
Page inconnue