إلى أن يقول:
وليس في عقبة الحيسية صخور حرشاء تقف عثرة في سبيل الإبل، وربما كانت أسهل عقبات طويق مسلكا؛ لذا فضلت على غيرها باتخاذها طريقا للحج، وهو الطريق الذي سلكناه لما غادرنا الرياض من حيث ينحدر هذا الطريق من الضرمة. (31) الحركة من البطاح إلى اليمامة
وبعد أن اجتمعت قوات المسلمين في البطاح، واطلع خالد على موقف الحنفيين قرر التقدم نحو مسيلمة، وكان قبل ذلك قد رتب جيشه، فكانت نواته على ما نعلم الأنصار والمهاجرين والقبائل الضاربة بين المدينة ومكة. فقسم الجيش إلى فرق؛ فرقة من الأنصار، وفرقة من المهاجرين، وألفت كل قبيلة فرقة، وناط بأبي حذيفة وزيد بن الخطاب قيادة المهاجرين، وبثابت بن قيس وبر بن مالك قيادة الأنصار، أما القبائل فكانت بقيادة رؤسائها ويروي أبو بشر الدولابي في كتاب التاريخ أن معركة عقرباء وقعت في شهر ربيع الأول للسنة الثانية عشرة الهجرية، وأول هذا الشهر يقابل أوائل شهر أيار سنة 633 ميلادية، وتبلغ المسافة بين البطاح وعقرباء زهاء 350 كيلومترا؛ أي سير عشرة أيام بجيش كبير على أقل تقدير.
فيظهر من ذلك أن خالدا ترك البطاح في نهاية شهر نيسان أو في أوائل شهر أيار، فكانت خطة خالد ترمي إلى الزحف توا إلى اليمامة على أن يهجم على جيش مسيلمة أينما لقيه، وكان يعلم أن مسيلمة متأهب للمقاتلة على حدود بلاده؛ لذلك قدم أمامه مقدمة من بني طيء بقيادة عدي بن حاتم، وعين لها فرات بن حياد دليلا وسلك طريق الوشم نحو الشقرة، وأرسل إلى الأمام مكنف بن زيد الخيل وأخاه ليتجسسا الأخبار، ولم يشأ أن يترك خط الانسحاب معرضا للخطر؛ لذلك أقام سليطا مع قوة في البطاح ليكون ردءا له من القبائل، وتزعم الرواية أن أبا بكر أمد خالدا بسليط ليكون ردءا له لئلا يأتيه أحد من ظهره.
أما مسيلمة فلما علم بمسير خالد نحوه تقدم بجيشه من اليمامة نحو الشمال، وعسكر في عقرباء بجميع قواته منتظرا ورود جيش المسلمين متأهبا للمقاومة الشديدة، وكانت أخبار انتصار المسلمين على أهل الردة قد سبقت جيش المسلمين؛ فألقت الرعب في قلوب الحنفيين، وتقدم جيش المسلمين على الطريق المذكور، وكانت المقدمة تسبقه وتستطلع الأحوال.
فوصلت المقدمة مساء إلى القرب من ثنية اليمامة، ولقيت مفرزة من بني حنيفة نياما في أسفل العقبة فباغتتهم وأسرتهم، وكانت هذه المفرزة مؤلفة من ستين رجلا بقيادة مجاعة بن مرارة أحد رؤساء بني حنيفة.
والروايات جميعا متفقة على أن مجاعة خرج من اليمامة على رأس سرية يطلب بثأر له في بني عامر وبني تميم؛ لأن بني عامر منعوه من أن يتزوج خولة بنت جعفر، وبعد أن باغت بني عامر عاد بخولة ووقف في أسفل القبة مع رجاله ليبيت ليلته هناك، وإذا المسلمون يباغتونه ويقودونه مع رجاله أسرى إلى خالد.
والذي يلوح لنا أن مجاعة كان يراقب مجيء جيش المسلمين من الثنية؛ أي عقبة الحيسية، ويظهر أن قوة المسلمين باغتته دون أن يستطيع التملص منها، فلما وقف أمام خالد زعم أنه خرج للثأر.
وتزعم الروايات أن خالدا قتل رجال مجاعة لتأكده من كفرهم واستبقى مجاعة ليستفيد منه في حركاته على مسيلمة، فيا ترى هل تواطأ مجاعة مع خالد على مسيلمة، أو أنه تأكد نصر المسلمين، فأراد أن يسوغ موقفه أمامهم فعرض الخدمة على خالد؟ أو أنه خرج برجاله ليلتحق بجيش المسلمين فيدلهم على عورات أعدائهم؟ ذلك لا نعلمه العلم الأكيد، والمحقق أن مجاعة كان محجورا عليه في معسكر خالد وقام بالوساطة بين خالد وبني حنيفة ليعقد الصلح بعد انكسار جيشهم في عقرباء، فأفاد الفريقين بتلك الوساطة.
ولا بد أن خالدا استجوب مجاعة فاستقى منه جميع الأخبار الموثوق بها عن مسيلمة وجيشه، فعلم منه أن مسيلمة ينتظر وروده في عقرباء. (32) المعركة
Page inconnue