والأخبار تدل على أن خالدا صارح أبا بكر بخطته هذه في ذي القصة فأقرها أبو بكر، وسبق أن قال لخالد: «اعلم أنك إذا قاتلت أسدا وغطفان فإن رجالا منهم معك ينتظرون النصر، وإذا ما رأوه حليفك كانوا معك على عدوك.»
ولكي يجعل العدو يقنع بأن المسلمين قاصدون بلاد طيء قبل بزاخة، يقول ابن الكلبي: إن أبا بكر أمر خالدا أن يصمد لطليحة وعيينة بن حصن وهما على بزاخة، وأظهر أنه ملاق خالدا بمن معه من نحو خيبر مكيدة، وقد أرعب مع خالد الناس، ولكنه أراد أن يبلغ ذلك العدو فيرعبه، ثم رجع أبو بكر إلى المدينة.
ثم هناك خبر آخر مفاده أن أبا بكر أمر خالدا أن يبدأ بطيء على الأكناف، ثم يكون وجهه إلى بزاخة، ثم يثلث بالبطاح (بني تميم)، وأظهر أنه خارج إلى خيبر منصب عليه منها حتى يلاقي خالدا بالأكناف؛ أكناف سلمى، فخرج خالد فازور عن بزاخة وجنح إلى أجأ، وأظهر أنه خارج إلى خيبر، ثم منصب على طيء.
فهذه الأخبار تريك الخطة بوضوح. إن بلاد طيء جبلية، وفيها سلسلتان وعرتان ممتدتان على موازاة خط الحركات بين المدينة وبلاد بني أسد، وسلسلة سلمى وجبل رمان في الجنوب وسلسلة أجأ في الشمال، والأكناف الواردة في الجنوب المذكورة هي أكناف هذه الجبال. أما أهل البلاد، فمنهم من تأهب لمعونة طليحة ومنهم من بقي في أرضه يتربص. وكان أعظم رئيس في القسم الأخير عدي بن حاتم مع قبائل طيء، ومن الأخبار ما يؤيد أن أبا بكر بعث عديا إلى طيء قبل حركة خالد ليدركهم.
والواضح أن خالدا بخطته هذه أراد أن يسهل خطة عدي بن حاتم، وأن إشاعة أبي بكر في الجيش مسيره نحو خيبر بقصد الحركة نحو بلاد طيء مما يجعل القسم المتحفز لمعونة طليحة من طيء يرجع إلى أرضه للدفاع عنها أو للبقاء على الحياد مع الباقين من طيء.
والحقيقة أنها خطة ناجحة تدل على بعد نظر خالد في قيادة الجيش، والخطة تجمع بين الناحية السياسية والناحية العسكرية، وكان عيينة بن حصن الفزاري رئيس بني فزارة، كما سبق، يسعى لإعادة الحلف الجاهلي بين بني أسد وغطفان وطيء محرضا جماعته على ذلك بقولته:
والله لئن نتبع نبيا مع الحلفيين أحب إلينا من أن نتبع نبيا من قريش.
وإذا ما تم هذا الحلف يكون أمام المسلمين قوة كبيرة يصعب التغلب عليها، وينحصر التدبير السياسي في إيفاد أحد رؤساء طيء البارزين لإقناع القبائل بأن يتركوا جانب طليحة ويميلوا إلى جانب المسلمين، ولتسهيل هذه المهمة والقيام بحركة إغفال بالتظاهر بالهجوم على بلاد طيء.
وكان التدبير العسكري يرمي إلى فصل طيء عن بني أسد وغطفان، والهجوم بعد ذلك على قواتهم في بزاخة.
فتناولت الخطة إذن الأمور التالية: (1)
Page inconnue