ويظهر أن الأخلاط تتألف من أشياء كانت من قبل منفصلة ويمكن أن تكون أيضا من جديد؛ وعلى ذلك الأشياء المختلطة لا تبقى بالفعل كما يمكث ويبقى الجسم والبياض الذي يشخصه، وليست هي كذلك تكون فاسدة، سيان أحد الاثنين على حياله والاثنان جميعا معا ما دامت قوتهما محفوظة دائما.
5
ولكن لندع هذا إلى ناحية ولننتقل إلى المسألة الآتية التي تنحصر في معرفة ما إذا كان الاختلاط هو شيئا يمكن حواسنا أن تدركه، مثال ذلك حينما الأشياء المختلطة تكون مقسومة إلى أجزاء من الصغر بمكان، وتكون موضوعة على قرب بعضها عند بعض حتى لا يعود أحدها متميزا من الآخر بوجه محسوس، فهل يوجد فيها حينئذ اختلاط أو لا يوجد؟ ولكن أليس ممكنا أيضا أن في الخلط الأشياء كيفما اتفقت تكون موضوعة أجزاء أجزاء بعضها بجانب الأخرى؟ لأن هذا يسمى أيضا اختلاطا، وعلى هذا النحو يقال إن التبن مختلط بالحب حينما يكون موضوعا بجانب كل حبة تبنة.
6
إذا كان الجسم هو قابلا للتجزئة، وإذا كان جسم متى كان مختلطا بجسم آخر يجب أن يكون مجانسا له، فقد يلزم أن كل جزء اتفق من الخليط ينضم إلى جزء آخر اتفق. ولكن بما أن الجسم لا يمكن ألبتة أن يكون مقسوما إلى أجزائه الصغرى، وبما أن الانضمام ليس هو ألبتة الاختلاط، بل هو شيء آخر تماما، فبالبين لا يمكن أن يقال بعد إن الأشياء اختلطت متى حفظت ذواتها على ما كانت في جزيئات صغيرة. حينئذ يكون الضم، ولكن لا يكون لا خلط ولا مزج، وحد جزء من الخليط لا يمكن بعد أن يكون هو الحد الذي قد يعطى للخليط بتمامه.
أما نحن فنقول إنه لكي يوجد اختلاط حقيقي يلزم أن الشيء الخليط يكون مركبا من أجزاء متجانسة، وكما أن جزءا من الماء هو ماء كذلك أيضا يجب أن يكون أي جزء اتفق من الخليط. ولكن إذا لم يكن الاختلاط إلا انضمام جزيئات إلى جزيئات فليس يوجد ولا واحد من الأحداث التي أتينا على تحليلها، وإنما يكون فقط في نظر الأعين أن الشيئين يظهر أنهما مختلطان. وكذلك الشيء عينه يظهر مخلوطا للرائي فلان الذي ليس له نظر نفاذ، في حين أن «لينسيه» يجد أن ليس هناك اختلاط.
7
إن التجربة لا تفسر الاختلاط، كما لا يفسره اجتماع جزء اتفق بجزء آخر ما دامت التجزئة لا يستطاع حصولها بهذه الطريقة.
وحينئذ إما ألا يكون اختلاط ممكنا، وإما أنه يلزم اتخاذ نحو آخر من النظر لكي يبسط كيف يمكن أن تقع هذه الظاهرة. ولنذكر بديا أن من بين الأشياء - كما قلنا - بعضها فاعلة والأخرى قابلة لفعل تلك، بعضها له تأثير مكافئ وهي تلك التي مادتها واحدة بما هي مستطيعة أن تفعل بعضها في الأخرى أو تنفعل بعضها بالأخرى على السواء، وأخرى تفعل مع بقائها غير قابلة للانفعال، وتلك هي التي مادتها ليست واحدة، وهذه ليس فيها اختلاط ممكن. من هذا يرى كيف أن الطب لا يختلط بالأجسام ليفعل الصحة ولماذا الصحة لا تختلط به أيضا.
8
Page inconnue