وفي الفعل أيضا الحد الأول ليس متأثرا ولا قابلا، ولكن يلزم أن الحد الأخير - ليمكنه أن يفعل - ينفعل أيضا هو ذاته بفعل ما بادئ بدء. كل الأشياء التي ليست من مادة واحدة بعينها تفعل دون أن تقبل هي أعيانها، وأن تظل غير قابلة . مثال ذلك صناعة الطب؛ فإنها مع فعلها الصحة لا تقبل أي فعل من قبل الجسم الذي تشفيه. ولكن الغذاء من فعله الصحة يقبل ويلقى هو نفسه أيضا تأثرا ما؛ لأنه إما أن يسخن أو يبرد أو يعاني انفعالا آخر كيفما اتفق في حين أنه يفعل؛ ذلك لأنه من جهة الطب هو ها هنا - بنحو ما - كالمبدأ، في حين أن الغذاء - بنحو آخر - هو الحد الأخير الذي يمس العضو الذي يفعل فيه. على ذلك حينئذ كل الأشياء الفاعلة التي ليس لها صورتها في المادة تبقى غير قابلة، وكل التي لها صورتها في المادة يمكن أن تقبل فعلا ما، ونقول أيضا إن المادة هي واحدة على السواء بعينها بالنسبة لأي واحد ما من الحدين المتقابلين، ونعتبرها أنها بالنسبة لهما جنسهما المشترك. ولكن ما يمكنه أن يصير ساخنا يجب ضرورة أن يسخن حينما الشيء الذي يسخن يكون حاضرا وقريبا منه.
فانظر لماذا أن بين الأشياء التي تفعل بعضها - كما قلت آنفا - هو غير قابل والآخر على ضد ذلك يمكن أن يقبل، وكيف أن الأمر واحد بعينه بالنسبة للفواعل كما هو بالنسبة للحركة، فإن هناك في الواقع المحرك الأولي هو غير متحرك، وهنا بين الفواعل إنما الفاعل الأول هو غير القابل وبمعزل عن كل انفعال.
11
ولكن إذا كان الفاعل علة كما هي حال المحرك سواء بسواء، فمن أين يجيء أن مبدأ الحركة - أي الغاية التي من أجلها يحدث كل الباقي - لا يحدث هو نفسه فعلا؟ مثال ذلك الصحة ليست فاعلا ولا يمكن تسميتها كذلك بالمجاز المحض، ومذ يوجد الفاعل ينتج منه أن القابل الذي يقبل الفعل يصير شيئا ما، ولكن متى تكون الكيفيات حاصلة تماما وحاضرة فليس للفاعل أن يصير؛ فإنه قد كان كل ما يجب أن يكونه. إن صورة الأشياء وغاياتها يمكن أن يقال إنها كيفيات وعادات في حين أن المادة إنما هي التي بما هي مادة قابلة تماما. على هذا حينئذ النار لها حرارتها في المادة، وإذا كانت الحرارة شيئا ما قابلا للانفصال عن مادة النار فلا يمكنها أن تقبل شيئا ولا أن تتأثر. ولكنه محال من غير شك أن الحرارة تكون منفصلة عن النار التي تسخن، وإذا كان ثم أشياء منفصلة بهذه المثابة فإن ما قلناه آنفا لا يكون صادقا إلا بالنسبة لتلك.
12
وعلى الجملة نقف عند حد الاعتبارات المتقدمة في إيضاح ماهية فعل وانفعل؛ لنبين بأي الأشياء يتعلق أحدهما والآخر وبأي طريقة يكون الفعل والانفعال وكيف يكونان.
13
هوامش
الباب الثامن
لنعرض مرة أخرى كيف أن ظاهرتي الفعل والانفعال ممكنتان. من الفلاسفة من يرى أنه حينما يعاني شيء أثرا ما على جهة الانفعال، فذلك أن الفاعل الذي يفعل الأثر نهائيا وبطريق الأصلية ينفذ في ذلك الشيء بواسطة مسام أو قنوات، يقولون إننا كذلك نرى وإننا نسمع وإننا ندرك جميع الإدراكات الأخرى للحواس. وفوق ذلك إذا أمكن أن ترى الأشياء من خلال الهواء والماء والأجسام الشفافة فذلك بأن هذه الأجسام لها مسام غير مدركة بالبصر لسبب صغرها، ولكنها مع ذلك شديدة الانضمام مرصوفة بنظام وترتيب، وكلما تكون الأجسام أكثر شفافية كان لها من هذه المسام عدد أكثر.
Page inconnue