يرى حينئذ أن التغير في شيء يتولد وفي الذي يستحيل وفي الذي ينمو هو يختلف لا بالشيء الذي يقبل التغير فحسب، بل أيضا بالطريقة التي يحصل بها التغير. ولكن أما من حيث الشيء ذاته الذي يلحقه تغير النمو وتغير الذبول: من جهة أن النمو والذبول يظهر أنهما لا ينطبقان إلا على عظم، كيف ينبغي إدراك أنه ينمو؟ هل يجب أن يفهم أنه يتكون في هذه الحالة جسم وعظم فعلي مما ليس هو جسما ولا عظما إلا بمجرد القوة، والذي هو بالفعل وبالكمال ليس له جسم ولا عظم حقيقي؟ غير أن هذا الإيضاح نفسه يمكن أن يحمل على معنى مزدوج، ويمكن أيضا أن يتساءل على أي الوجهين يجب أن يحصل النمو، هل هو يأتي من المادة التي تكون منعزلة ومنفصلة في ذاتها؟ أم هل يأتي من المادة التي تكون في جسم آخر؟ ولكن هذين الوجهين لفهم النمو أليسا هما مستحيلين على السواء؟ فإنه إذا كانت في الواقع مادة النمو منعزلة، فإما ألا تشغل أي جزء في الأين، وإما أن تكون كنقطة أو ألا تكون إلا من الخلو، وتكون جسما لا تدركه حواسنا؛ ففي أحد هذين الفرضين لا يمكن أن تكون موجودة، وفي الثاني يجب أن توجد ضرورة في أين؛ لأن ما ياتي منها يجب أن يكون في أين ما بحيث إن هذا الجسم يكون فيه أيضا إما بنفسه أو بالواسطة.
4
ولكن إذا فرض أن المادة هي في جسم، وأنها انفصلت عنه بحيث إنها لا تؤلف ألبتة جزءا من هذا الجسم لا بذاتها ولا بالعرض فينتج من هذا الفرض طائفة من المستحيلات البينة. وتوضيحه: مثلا إذا تكون هواء آت من الماء، فذلك ليس لأن الماء يتغير، بل لأن مادة الهواء تكون محوية في الماء الذي يكونه كما لو كانت في آنية ما لأنه لا شيء يمنع من أن تكون المواد غير متناهية في العدد بحيث يمكنها أيضا أن تكون بالفعل وبالحقيقة يلزم أن يضاف زيادة على هذا أنه ليس كذلك أن الهواء يظهر أنه يأتي من الماء كما لو أنه كان يخرج من جسم يبقى دائما على ما كان عليه.
5
يحسن حينئذ افتراض أن المادة هي غير قابلة للانفصال في جميع الأجسام، وهي واحدة ومتماثلة عدديا، ولو أنها ليست واحدة ولا متماثلة في نظر العقل.
وبالأسباب عينها لا ينبغي افتراض أن مادة الجسم ليست إلا نقطا أو خطوطا؛ لأن المادة هي بالضبط ما تكون النقط والخطوط نهايات لها، فهي لا يمكنها أبدا أن تقوم بدون خاصية ما ولا بدون صورة، وعلى ذلك حينئذ فإن شيئا يأتي دائما من شيء آخر مطلقا كما سبق بيانه في غير هذا الموضع. وهو يأتي من شيء موجود بالفعل وبالكمال، إما من جنسه أو من صورته، مثال ذلك النار هي تكون بالنار والرجل هو يكون بالرجل أعني بحقيقة، بكمال؛ لأن الصلب لا يمكن أن يأتي من مجرد كيف الصلب، والمادة هي المادة لجوهر جسماني؛ أعني مادة جسم خاص معين ما دام الجسم لا يمكن أبدا أن يكون شيئا مشتركا. وهي هي ذاتها، سواء في العظم أو في كيف العظم قابلة للانفصال في نظر العقل، ولكن غير قابلة للانفصال في الأين إلا أن يفترض أن الخواص يمكنها أن تنفصل عن الأجسام الحائزة لها.
6
بين حينئذ على حسب هذه المناقشة أن النمو في الأشياء ليس تغيرا يأتي من عظم بالقوة المحضة دون أن يكون له امتداد ما بالفعل وبالكمال؛ لأن الكيف المشترك حينئذ يكون قابلا للانفصال، وقد سبق فيما تقدم في غير هذا الموضع أن هذا كان شيئا محالا، وفوق ذلك فإن تغيرا من هذا القبيل ينطبق على الخصوص لا على النمو بل على الكون؛ لأن النمو ليس إلا ازديادا في عظم موجود من قبل كما أن الذبول ليس إلا انتقاصا له، فانظر لماذا يلزم أن يكون أولا للجسم الذي ينمو عظم ما. وبالنتيجة لا يمكن أن النمو الذي يمر إلى واقعية العظم يأتي من مادة مجردة من كل عظم؛ لأن هذا أولى به أن يكون كونا لا أن يكون نموا حقا.
7
فالأفضل حينئذ أن نأخذ بهذا البحث من جديد كما لو كنا في البداية تماما، وأن نبحث ثانيا عما يمكن أن تكون هي أسباب نمو الأشياء ونقصها بعد أن أثبتنا ماذا يعني بنما أو نقص. في شيء ينمو يظهر إذن أن جميع الأجزاء بلا استثناء تنمو، كما أنه في النقص جميع أجزاء الشيء يظهر أنها تصير أكثر فأكثر صغيرة. وفوق ذلك فإن النمو يظهر أنه يحصل بأن شيئا ينضم إلى الجسم والاضمحلال بأن شيئا يخرج منه. ولكن النمو لا يمكن أن يحصل بالضرورة إلا بشيء ما لا جسماني أو جسماني؛ فإذا كان باللاجسماني فالجزء المشترك يكون قابلا للانفصال، ومن المحال أن توجد مادة منفصلة عن كل عظم كما قيل آنفا. وإذا كان بشيء ما جسماني حصل النمو فينتج عنه أن هناك جسمين في حيز واحد بعينه؛ أي حيز الذي ينمو وحيز الذي يفعل النمو، وهو أيضا محال.
Page inconnue