وضع يستطرف، أو اختراع إليه يستشرف، واثر يدل على طور المتسول، وطريقة المتعرف المسترسل، يظهر منه مصرف عنايته، وشرح كنايته، وبيان دعايته، ومرعى رعايته، ويتبين ما وراء صحيفته من عنوانه، ويخبر بذلك عن تفصيل ديوانه، وينوب مكتوبه عن لسانه، فيما ينتحل من احسانه، فجمعت في هذا الكتاب جملة وافرة، وكتيبة ظافرة، مما لقيناه ببلدنا الذي طوينا جديد العمر في ظله، وطاردنا قنائص الآمال في حرمه وحله، ما بين من تلقينا أفادته، أو أكرمنا وفادته، وبين من علمناه وخرجنا، ورشحناه ودرجناه، ومن اصطفيناه ورعيناه، فما أضعناه، بعد أن وصفنا كل واحد منهم وحليناه، وبما تولاه الله تعالى توليناه، إذ لا يلزمنا أن ننحل الكمال لمن لم يكمله مكمل الذوات، ومخول الادوات، فننتحل الكذب لغير ضرورة مبيحة، ونتحمل المشقة لا لتجارة ربيحة، والمقصود إنما هو إلمام بتعريف، وجلب أدب ظريف، وخبر طريف، بل التماس إنعام ممن يقف عليه وتشريف، وان ينظر النقص بعين كماله، ويعذر المهدي في تقصيره واسهاله، فالله تعالى لا يكلف العبد من أعماله فوق احتماله.
وسميت هذا الوضع بالكتيبة الكامنة فيمن لقيناه [٣ب] بالأندلس من شعراء المائة الثامنة، يستدل به من يباشره، على نبل من كنا نعاشره، ويقف من يدارسه، على فضل من كنا نمارسه، وان كان جالب مثل هذا إلى البلاد المشرقية اعز الله اهلها، وامن حزنها وسهلها، جالب نغبة إلى غدير، وحبابة إلى كاس مدير، فالعذر إلى الوسع مصروف، ولا تجود (١) يد إلا بما تجد بمثل معروف، ولو كانت
_________
(١) ج ك: ولا تجد.
1 / 29