أليس هذا التضليل الثقافي هو سمة العولمة والرأسمالية الأمريكية؟ تحت اسم الهوية المصرية تسلب منا قوتنا العربية، وتحت اسم معاهدة السلام يسلب منا السلام والقوة الضرورية للسلام، وتصبح إسرائيل هي القوة العسكرية النووية الوحيدة في المنطقة، وهي تهدد ياسر عرفات اليوم أن تضربه عسكريا إن أعلن الدولة الفلسطينية في 13 سبتمبر القادم، وقد انكمشت جميع البلاد العربية خوفا وعجزا عن المقاومة، حتى مصر التي أعلن وزير خارجيتها عن ضرورة عقد قمة عربية لمساندة عرفات، سرعان ما راحت الفكرة واندثرت بحكم الواقع العربي الممزق منذ كامب ديفيد الأولى.
الغريب أن المفكرين والكتاب في بلادنا ينظرون إلى ياسر عرفات ينتظرون ما يفعل، كأنما هو وحده المسئول وهم جميعا متفرجون، يتسلون بالفرجة في سهراتهم، بعضهم يقول له: انتحر يا أخي وأعلن الدولة الفلسطينية في 13 سبتمبر ولا يهمك الترسانة النووية الإسرائيلية، وبعضهم يقول له: اعقل يا أخي واذهب إلى كامب ديفيد الثالثة والرابعة ولا يهمك حاجة ما دمت تعيش، ويكفيك كلام الثوريين من منازلهم والذين أيدوا السادات وهرولوا إلى إسرائيل.
المعركة الآن تقلصت وأصبحت حول القدس الشرقية فقط، تم نسيان ما هو أهم عودة ثلاثة ملايين ونصف من اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، والمستوطنات التي تبنيها إسرائيل يوما وراء يوم و...
وأصبحت قضية القدس كأنما هي قضية دينية فقط، وليست عودة أرض محتلة إلى أصحابها بصرف النظر عما فيها من آثار دينية إسلامية أو مسيحية أو غيرها، لقد وقع الجميع في هذا الفخ، تحويل الصراع حول الأرض المسلوبة إلى صراع ديني، وهو شكل الصراع الذي تريده إسرائيل وأمريكا؛ لأنه يؤكد على فكرة الهوية الأصلية أو الهوية الدينية، وإعادة الناس إلى الوراء ليعيشوا الوهم بأن القيم القديمة أفضل من القيم الجديدة، وإن كانت أكثر تخلفا وعنصرية وتفرقة بين الناس على أساس الدين والجنس و... و... و...
لقد اشتعل حريق الفتنة الدينية حول إعادة القدس إلى أصحابها الفلسطينيين (وليس المسلمين أو المسيحيين) وقرار الأمم المتحدة 242 ينص على إعادة القدس الشرقية بما فيها من مساجد وكنائس إلى الفلسطينيين؛ لأنها أرض فلسطينية، والأرض لا دين لها، وإذا أصبح للأرض هوية دينية فماذا يحدث في العالم؟ هل تحتل السعودية أرض الهند أو باكستان لأن فوق أرضها مساجد إسلامية؟
وهل يحتل الفاتيكان بعض أرض مصر لأن فوقها كنائس؟ وهكذا نرى الفخ الذي وقع فيه ياسر عرفات والبلاد العربية في دعوتها لعودة القدس، ومن هنا أصبح من حق الفاتيكان أن يكون لهم حق الإشراف على القدس وليس الفلسطينيين، أرادت أمريكا وإسرائيل تحويل الأنظار من الحق المشروع وطنيا ودوليا، وبقرار واضح من الأمم المتحدة إلى مجرد مساجد وكنائس يمكن التنازع عليها بين أصحاب الأديان المختلفة. (5) الخديعة والهزيمة
هكذا ندرك الخديعة الفكرية التي يلجأ إليها الإسرائيليون والأمريكيون، ولأن أغلب المفكرين في بلادنا لا يفكرون ولا يبدعون الأفكار من الواقع الذي نعيشه، بل ينقلون دائما عن المفكرين في أمريكا وأوروبا، وأخيرا أصبح المفكرون الإسرائيليون المرجع لبعض المثقفين في بلادنا.
وفي رأيي أن هذه هي الهزيمة الأساسية التي أصابتنا، الهزيمة الفكرية، أو التبعية الفكرية، وهي سمة غالبة في بلادنا تصيب المفكرين من اليسار الاشتراكي واليمين الرأسمالي على حد سواء، وقد أصبح فريد جيمسون وغيره من الماركسيين الأمريكيين مرجعا لأغلب الماركسيين العرب والمصريين، بعد ماركس ولينين وتروتسكي وجرامش وألتوسير وغيرهم.
دائما أتساءل: لماذا لا يكون عندنا مفكرون وفلاسفة مبدعون لا ينقلون أفكار الغير؟ أهي انعدام الثقة في النفس؟ أهو الخوف من التفكير الحر المستقل؟ حين وقفت في جامعة ديوك وعارضت فريد جيمسون لم يندهش إلا زملائي العرب، وقال أحدهم مستنكرا: كيف أعارض فيلسوفا كبيرا مثل فريد جيمسون، وقلت له: وهل فريد جيمسون عنده عقل وأنا ليس عندي عقل؟
حدث الشيء نفسه في محاضرة لجاك ديريدا في جامعة ديوك ، وأدركت أن المثقفين العرب والمصريين ينظرون بقدسية لهؤلاء المفكرين في الغرب، ويشعرون أنهم أقل قدرة منهم على الإبداع الفكري.
Page inconnue