لأعداء الله تعالى دار يكفر فيها بالله تعالى وهذا لا يشك فيه عاقل البتة. وفي عمدة الاعتقاد للإمام النسفي رحمه الله تعالى: وكل مؤمن بعد موته مؤمن حقيقة كما في حال نومه وكذا الرسل والأنبياء عليهم السلام بعد وفاتهم رسل وأنبياء حقيقة لأن المتصف بالنبوة والإيمان الروح وهو لا يتغير بالموت انتهى.
وربما نقول: مراده بالمؤمن الكامل وهو الولي، والإيمان وهو الإيمان الكامل وهو الولاية وهي باقية بعد الموت لأن المتصف بها الروح والروح لا يتغير بالموت. أو المراد مطلق المؤمن ومطلق الإيمان فيكون المؤمن الكامل والإيمان الكامل مفهوما بالطريق الأولى بحسب ما ذكرنا لا سيما وقد قال تعالى في حق أهل الجنة: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) ونحن نتكلم على إشارة هذه الآية ولا نمتع؟؟؟ عبارتها كما هو دأب أهل الله تعالى فنقول فيما نحن بصدده العارفون بربهم لهم موتتان موتة في نفوسهم وموتة في أبدانهم. والمعتبر عندهم النفوس دون الأبدان لأن الأبدان مساكن النفوس والعبرة بالساكن لا بالدار والسر في السكان لا في الديار. فإذا جاهدوا أنفسهم المجاهدة الشرعية باطنا وظاهرا وسلكوا طريق الاستقامة ماتت نفوسهم فتحققوا بالحق لما ذاقوا الموت وبقيت أرواحهم مدبرة لأجسامهم في الدنيا بغير واسطة النفوس فكانوا ملائكة في صورة البشر، لأن الملائكة أرواح مجردة وهم بعد موت نفوسهم أرواح مجردة أيضا، كما كان ينزل جبريل عليه السلام إلى صورة دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه ويأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعند ذلك إذا انقطعت علاقة أرواحهم من تدبير أبدانهم كانوا بمنزلة جبريل عليه السلام إذا عاد إلى عالم تجرده وفارق الصورة البشرية. ولا يسمى هذا موتا حقيقيا في حقهم بل يسمى انتقالا من عالم إلى عالم آخر وتقلبا في الأطوار. ولهذا قال تعالى عنهم (لا يذوقون الموت إلا الموتة الأولى). وهذه إشارة الآية الكريمة التي لا تنحصر معانيها وعباراتها ولا تنفد حكمها وأسرارها وإشاراتها. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتوهم عاقل أن الله تعالى يقطع تكريمه عن هذا الولي الذي كملت ولايته بموته الطبيعي والتحاقه بعالم المجردات حتى صار مع الملائكة في فضاء الأزل والملكوت كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم عند موته: " اللهم الرفيق الأعلى ".
Page 7