دنياه وأخراه ويكفيه أنه يغضب لنفسه ولمن يعز عليه أكثر مما يغضب لله جل جلاله المحسن إليه ويكفيه أنه ما هو راض بتدبير مالكه جل جلاله بالكلية وأنه يعارضه بخاطره وقلبه وعقله معارضة المماثل أو الشريك أو العبد السئ العبودية وإذا تأخرت عنك إجابة الدعاء وبلوغ الرجاء فابك على نفسك بكاء من يعرف أن الذنب له وأنه يستحق لأكثر من ذلك الجفا فكم رأينا والله يا ولدي عند هذه المقامات من فتوح السعادات والعنايات ما أغنانا عن سؤال العباد وعن كثير من الاجتهاد.
الفصل الخامس والأربعون: واعلم يا ولدي محمد حفظك الله جل جلاله عن الخذلان وصانك بخلع الاحسان والأمان أن أهل الكهف كانوا مماليك لا يفقهون وسحرة فرعون كانوا سكارى بالكفر ما يعتقد ناظرهم أنهم كانوا يفيقون فتداركهم الله جل جلاله برحمة من رحماته الجميلة فأمسوا عارفين به مخلصين من أهل المقامات الجليلة وقد عرف كل خبير أن امرأة فرعون ومريم بنت عمران وأم موسى عليه السلام نساء ذوات ضعف عن الكشف توليهن الله جل جلاله بيد اللطف والعطف حتى فارقت زوجة فرعون ملك زوجها ودولته وحقرته وهونت عقوبته وبلغت مريم إلى كرامات وسعادات حتى أن النبي المعظم في وقتها زكريا يدخل عليها في المحراب فيجد عندها طعاما يأتيها من سلطان يوم الحساب بغير حساب ويفهم من صورة الحال أن زكريا ما كان يأتيه مثل ذلك الطعام لأنه عليه السلام قال أنى لك هذا على سبيل التعجب والاستفهام وهو أقرب منها إلى صفات الكمال وهذه أم موسى يوحي
Page 28