وقال يحيى بن معاذ: الزاهد غريب الدنيا، والعارف غريب الآخرة.
يشير إلى أن الزهد غريب بين أهل الدنيا، والعارف غريب بين أهل الآخرة، لا يعرفه العباد ولا الزهاد، وإنما يعرفه من هو مثله وهمته كهمته.
وربما اجتمعت للعارف هذه الغربات كلها أو كثير منها أو بعضها فلا يسأل عن غربته، فالعارفون ظاهرون لأهل الدنيا والآخرة.
قال يحيى بن معاذ: العابد مشهور والعارف مستور، وربما خفي حال العارف على نفسه لخفاء حالته وإساءة الظن بنفسه.
وفي حديث سعد عن النبي ﷺ: «إن الله يحب العبد الخفي التقي» .
وفي حديث معاذ عن النبي ﷺ: «إن الله يحب من عباده الأخفياء الأتقياء، الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم» .
وعن علي بن أبي طالب ﵁: طوبى لكل عبد لم يعرف الناس ولم تعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصابيح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة.
وقال ابن مسعود ﵁: كونوا جدد القلوب، خلقان الثياب، مصابيح الظلام، تخفون على أهل الأرض وتعرفون في أهل السماء.
فهؤلاء أخص أهل الغربة، وهم الفرارون بدينهم من الفتن، وهم النزاع من القبائل الذين يُحشرون مع عيسى ﵇، وهم بين أهل
1 / 329