50

Révélation des Secrets

كشف الأسرار شرح أصول البزدوي

Maison d'édition

شركة الصحافة العثمانية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

مطبعة سنده ١٣٠٨ هـ - ١٨٩٠ م

Lieu d'édition

إسطنبول

فَإِذَا ازْدَادَ قُوَّةً وَأُحْكِمَ الْمُرَادُ بِهِ عَنْ احْتِمَالِ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ سُمِّيَ مُحْكَمًا مِنْ أَحْكَامِ الْبِنَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧] وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٥] وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي تُقَابِلُ هَذِهِ الْوُجُوهَ فَالْخَفِيُّ اسْمٌ لِكُلِّ ــ [كشف الأسرار] عَلَى ذَلِكَ الْمُفَسَّرِ فَكَانَ مُتْعَةً لَا نِكَاحًا وَذَكَرَ غَيْرُهُ نَظِيرَ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ ﵇ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» مَعَ قَوْلِهِ ﷺ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَسُوقٌ فِي مَفْهُومِهِ فَكَانَ نَصًّا وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إذَا اللَّامُ يُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ وَالثَّانِي لَا يَحْتَمِلُهُ فَيَكُونُ مُفَسَّرًا فَيُرَجَّحُ وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ هَذَا نَظِيرُ تَعَارُضِ الظَّاهِرِ مَعَ النَّصِّ أَوْ الْمُفَسَّرِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِازْدِيَادِ الْوُضُوحِ لَا لِلسَّوْقِ، إلَّا أَنَّهُ أَيْ الْمُفَسَّرَ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا هَذَا الْمِثَالُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْإِخْبَارَاتِ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَنَعْنِي بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي حِينَئِذٍ إلَى الْكَذِبِ أَوْ الْغَلَطِ، وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَأَمَّا اللَّفْظُ فَيَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ النَّسْخُ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مُحْكَمًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَذَا النَّظْمِ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ نَسْخِ اللَّفْظِ وَكَذَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِثْنَاءَ، فَإِنَّ إبْلِيسَ اُسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ﴾ [الحجر: ٣٠] لَكِنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ يَنْقَطِعُ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ مُتَرَاخِيًا فَأَمَّا احْتِمَالُ النَّسْخِ فَبَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا مُتَرَاخِيًا [تَعْرِيف المحكم] فَإِذَا ازْدَادَ، أَيْ الْمُفَسَّرُ، قُوَّةً وَأُحْكِمَ الْمُرَادُ بِهِ، الْبَاءُ يَتَعَلَّقُ بِالْإِرَادَةِ وَضُمِّنَ " أُحْكِمَ " مَعْنَى امْتَنَعَ أَوْ أُمِنَ أَيْ امْتَنَعَ الْمَعْنَى الَّذِي أُرِيدَ بِالْمُفَسَّرِ عَنْ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ هَهُنَا، سُمِّيَ مُحْكَمًا فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْكَلَامِ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ فِي إفَادَةِ مَعْنَاهُ وَكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ لِيُسَمَّى مُحْكَمًا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ، وَقَالَ هُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَقِيلَ مَا فِي الْعَقْلِ بَيَانُهُ، وَقِيلَ هُوَ النَّاسِخُ وَقِيلَ هُوَ مَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَيُفْهَمُ مُرَادُهُ، وَقِيلَ هُوَ مَا ظَهَرَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَالْمُتَشَابِهُ عَلَى أَضْدَادِهَا، وَقِيلَ هُوَ مَا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، وَقِيلَ مَا فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ يُقَالُ بِنَاءٌ مُحْكَمٌ أَيْ مَأْمُونُ الِانْتِقَاضِ وَأَحْكَمْت الصَّنْعَةَ أَيْ أَمِنْت نَقْضَهَا وَتَبْدِيلَهَا، وَقِيلَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَحْكَمْت فُلَانًا عَنْ كَذَا أَيْ مَنَعْته، قَالَ الشَّاعِرُ: أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ... إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا وَمِنْهُ حَكَمَةُ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْعِثَارِ وَالْفَسَادِ فَالْمُحْكَمُ مُمْتَنِعٌ مِنْ احْتِمَالِ التَّأْوِيلِ، وَمِنْ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ النَّسْخُ وَالتَّبْدِيلُ؛ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمُحْكَمَاتِ أُمَّ الْكِتَابِ أَيْ الْأَصْلَ الَّذِي يَكُونُ الْمَرْجِعُ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لِلْوَلَدِ وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا لِلْحَجِّ وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ وَالْمَرْجِعُ مَا لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ التَّأْوِيلِ وَلَا احْتِمَالُ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ﵀. ثُمَّ انْقِطَاعُ احْتِمَالِ النَّسْخِ قَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي ذَاتِهِ بِأَنْ لَا يَحْتَمِلَ التَّبَدُّلَ عَقْلًا كَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ ﷻ وَحُدُوثُ الْعَالَمِ، وَيُسَمَّى هَذَا مُحْكَمًا لِعَيْنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى هَذَا مُحْكَمًا لِغَيْرِهِ [تَعْرِيف الخفي] قَوْلُهُ (تُقَابِلُ هَذِهِ الْوُجُوهِ) إنَّمَا اخْتَارَ لَفْظَ الْمُقَابَلَةِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّضَادِّ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لِيُمْكِنَهُ بَيَانُ تَحْقِيقِ

1 / 51