وسكت مضيقا عينيه في تأثر حتى شدني إلى مجال انفعاله. - مثلت أمام مكتبه حافيا رث الجلباب مهدم الأعصاب، ورائي شخص أو أكثر، وغير مسموح لي بالتلفت يمنة أو يسرة، فضلا عن النظر فيما ورائي، فلم أر من المكان شيئا، وتركز بصري الكليل في شخصه، وتحللت البقية الباقية من آدميتي في رهبة شاملة.
وارتسم الامتعاض في قسماته مليا ثم واصل: ورغم كل شيء انطبع منظره في أعماقي بقامته الربعة، ووجهه الضخم المستطيل، وحاجبيه الغزيرين الناميين إلى أعلى، وعينيه الواسعتين الغائرتين، وجبهته العريضة البارزة، وفكيه القويين وسحنته الخالية من أي تعبير، ورغم كل شيء أيضا خلقت بقوة اليأس أسطورة أمل في ذاته فقلت: أحمد الله على أنني أجد نفسي أخيرا أمام الرجل المسئول.
فأسكتتني لكمة جاءتني من وراء، فتأوهت عاليا، أما هو فقال: لا تتكلم إلا إذا طولبت بجواب.
وسألني عن اسمي وسني وعملي فأجبت وعند ذاك سأل: متى انضممت إلى الإخوان؟
فذهلت لغرابة السؤال، وأدركت لأول مرة نوعية التهمة الموجهة لي وقلت بصدق: ما انضممت إلى الإخوان في يوم من الأيام. - ما معنى هذه اللحية إذن؟ - لقد نبتت في السجن. - أيعني هذا أنك عوملت معاملة غير طيبة؟
فأجبته في شبه استغاثة: كانت معاملة مرعبة يا سيدي وبلا أدنى مبرر. - ما شاء الله!
أدركت أنني أخطأت ولكن بعد فوات الفرصة أما الرجل فرجع يسأل: متى انضممت إلى الإخوان؟
فشرعت في الإجابة قائلا: ما انضممت ...
ولكن الكلام انقطع. غصت في الأرض بطريقة مذهلة ثم ارتفعت الأرض متحدية ضعفي بما يشبه السحر، وسرعان ما ذاب خالد صفوان في الظلام. أخبرني حلمي حمادة فيما بعد أن ماردا يقف ورائي صفعني بقوة فأغمي علي، إذن قد أغمي علي، ثم وجدتني في الظلام الذي أخذت منه على الأسفلت.
قلت برثاء: يا له من عذاب! - وقد انتهى فجأة وعلى غير انتظار، في حجرة خالد صفوان أيضا، ساقوني إليه فبادرني قائلا: ثبت أن اسمك دون في السجل لأنك تبرعت بقرش لبناء جامع ودون أن تكون لك صلة بهم.
Page inconnue