La grande catastrophe de la Palestine
كارثة فلسطين العظمى
Genres
إن السبب الرئيسي لفشل العرب في مؤتمر السلام، وما تبعه من النكبات التي حلت بهم، كان إهمالهم الدعاية لأنفسهم خلافا لما عمل البولونيون والتشيكوسلوفاكيون واليوغوسلافيون وغيرهم. (16) اهتمام الرأي العام الإنكليزي
وعندما زار فلسطين اللورد نورثكليف صاحب جريدة التايمس، قال لجمع من أبنائها الذين زاروه: «إنكم تبكون هنا ولا يسمعكم أحد في بلاد الإنكليز؛ إذ لا دعاية لكم فيها، وقد يهتم الرأي العام الإنجليزي بنتائج لعبة فوتبول أكثر من اهتمامه بقضية فلسطين.»
ولقد برهن الرأي العام العالمي الحر في الماضي في مواقف متعددة على نصرة الضعيف والمجاهرة بالحق. فما أراه يتردد عن إنصاف الأمم الفتية الناشئة ومعاونتها إذا تمكنت تلك الأمة من إسماعه صوتها وإفهامه حقيقة حالها، وإن إيماننا لوطيد بأن الرأي العام الحر في العالم عامة لا يتخلف لحظة عن معاضدتنا في نهضتنا إذا وفقنا إلى إفهامه الحقيقة ناصعة غير مشوهة.
ومما يجب علينا الأخذ به الآن الدعاية للقضية الفلسطينية بإظهار حق العرب الواضح فيها للشعوب العربية نفسها من جهة، وللأمم الأخرى على اختلاف مواقفها من هذه القضية من جهة أخرى، وذلك لما أصبح للرأي العام العالمي من أهمية كبرى وخطر جسيم في كل قضية من قضايا العالم. (17) عامل الدعاية الخارجية
إن الدعاية اليهودية في العالم قد احتلت الدرجة الأولى بين غيرها من الدعايات، فالإعلانات في الصحف تسعون بالمائة منها في أيدي اليهود يشترون بها صحف العالم، والسينما تسعون بالمائة من أموال شركاتها أموال يهودية ... مدراؤها ورجال الفن فيها كلهم يهود، والإذاعات في جميع الدول تسعون بالمائة منها تتأثر بالدعاية اليهودية، وأكثر من نصفها تدار بموظفين يهود ... ولهم طرق شيطانية إذا قدر الله وسمح لي الوقت سأضع عنها كتابا خاصا لأظهر للعالم كل الطرق التي اتبعها اليهود في دعايتهم التي بني أكثرها على الكذب والخداع، وكيف يعملون لإطفاء الدعايات الموجهة ضدهم.
وأخيرا، لا بد لنا من الدعاية الخارجية؛ فالصهيونية تجند قواها لتأليب الرأي العام العالمي علينا، وقد أصابت في ذلك الكثير من النجاح، ولقد قمنا بمحاولات بدائية ساذجة في هذا السبيل منيت بالإخفاق الشديد، ولم تعد علينا بشيء مما بذلناه في سبيلها من الجهد والمال، والسبب في ذلك أن أقوالنا كانت أكثر بكثير من أفعالنا؛ لأننا كنا نتكلم كثيرا ولا نفعل شيئا يذكر، أو أن ما نفعله يكذب كل ما نقوله، فلم يعد أحد يصدقنا، وصرنا إذا قلنا الحقيقة حملها المستمعون محمل التهويش والكذب، وهم بذلك معذورون، فلا بد للدعاية الناجحة من أساس هو العمل الذي لا سبيل إلى نكرانه، فاليهود مثلا كانوا يتخذون كل عمل صغير نجحوا في إقامته سببا لبث الدعاية لأعمال وهمية ليس في طوقهم تنفيذها، وكذلك نحن إن قمنا بشيء من الإصلاح الداخلي الذي ألمحت إليه، لفتنا أنظار العالم الخارجي إلينا، وإذ ذاك نستطيع أن نكسب الرأي العام العالمي لجانبنا، إذا عرفنا كيف نستغل هذا الميل بإقامة المكاتب في أمهات العواصم الأوروبية، وإنشاء وسائل الدعاية الحديثة من صحف ونشرات وأحاديث، فلن يساعد العالم الخارجي إنسانا لا يساعد نفسه. وإذا عرف العرب أن أكثر الشركات السينمائية في العالم بأيدي اليهود، وعرفوا قيمة السينما في الدعاية، أصبح من الواجب عليهم اتخاذ هذه الأداة الخطيرة المهمة وأمثالها سبيلا لإيصال دعوتهم الحقة إلى أذهان الشعوب.
ليس تنفيذ هذه الخطة بالأمر الهين اليسير، فهو يستلزم منا أفرادا وجماعات كل الجهود، ولكن هذه الجهود تهون إذا ما قيست بعظم الغاية التي نسعى إليها، فمن كان همه المحافظة على تراث الآباء والأجداد والإبقاء على أمجاد بلاده، استهان بكل تضحية في هذا السبيل، ومن ورد البحر استقل السواقيا. (18) معركة الحياة والموت
لذلك مما يجب الأخذ به هو أن نعنى عناية خاصة بعنصر الدعاية الواسعة، وذلك يكون بتأسيس دوائر خاصة للقضية الفلسطينية، يقوم عليها شبان قوميون مثقفون مخلصون، يعملون لهذه القضية في الشرق والغرب.
وإني لأعجب من ممالأتنا للحكومات التي أعانت الصهيونية منذ أمد طويل، والتي كانت من أقوى العوامل في تثبيت أقدام الصهيونية في الأراضي المقدسة، وكان لها الفضل الأكبر بتنشئة ربيبتها، فيجب أن نفهم ذلك. الشعب العربي أولا، ثم العالم أجمع ثانيا، ولا شك في أن الأحرار الحقيقيين في الأمم سيكونون ظهيرين لنا إذا عرفنا كيف ننظم دعايتنا ونوصلها إليهم، ونفهمهم قضيتنا على صحتها، ثم تتلوها المرحلة الثانية الحاسمة التي سيكون هدفها القضاء النهائي على الصهيونية في مهدها، واستخلاص ما استولت عليه من البلاد. إن هذا الداء كالسرطان أو أشد وبالا منه، فالواجب يدعونا أولا لحصر الداء في العضو المصاب، وأن لا يسمح له بالانتشار في بقية أنحاء الجسم، ثم نعمد إلى ذلك العضو بالعلاج اللازم حتى نشفيه. ولا تقل المرحلة الأولى عن الثانية أهمية وصعوبة في التنفيذ، فالعدو الذي نقاتله قد أوتي من العلم والدهاء الشيء الكثير، وهو يعرف أنها معركة الحياة والموت معا؛ لذلك فسيلجأ بكل ما أوتي من الخبث والدهاء إلى تحقيق أهدافه بمختلف الطرق وشتى الوسائل، وسيفتن في ابتكار الخطط والأساليب ليأتينا من مأمننا وينفث بين صفوفنا سمومه، فعلينا أن نقابل مكره بمكر أدهى، ودهاءه بدهاء أشد، وأن نجند في سبيل هذه الغاية كل إمكانياتنا وجهودنا، ولن نكون في هذا السبيل مسرفين، فعلى نجاحنا في هذه المرحلة يتوقف نجاحنا النهائي، وعلى نجاحنا النهائي يعتمد بقاؤنا سادة في أوطاننا أحرارا في بلادنا. (19) بعض طرق اليهود في مقاومة الدعاية
قال الأستاذ أحمد أمين بك، رئيس لجنة النشر والتأليف والترجمة، إنه لما ذهب إلى لندن مع أعضاء الوفود العربية في مؤتمر فلسطين، رأى في إحدى المكتبات مؤلفا بعنوان «فلسطين اليوم» لمؤلفه «المستر نيفل ميل باربر» مدير القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، فاشترى نسخة منه، وراقه عطف المؤلف على العرب. وفي اليوم التالي صحب معالي السنهوري باشا إلى هذه المكتبة لابتياع نسخة أخرى للسنهوري باشا، فوجد أن النسخ قد نفدت، فمضيا إلى مكتبة ثانية فثالثة فرابعة، فلم يجدا فيها نسخة واحدة، مع أنه لم يمض على صدور الكتاب أكثر من ثلاثة أيام فقط، وأخيرا اتضح لهما أن الصهيونيين في إنكلترا ابتاعوا جميع النسخ الموجودة.
Page inconnue