L'Église de la Grande Antioche (Première partie): 34-634 AD
كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى (الجزء الأول): ٣٤–٦٣٤م
Genres
مقدمة
الباب الأول: ظهور النصرانية وانتشارها
1 - كنيسة أوروشليم أم الكنائس
2 - حيث دعي المؤمنون مسيحيين أولا
3 - البدع والفرق والهرطقة في القرن الأول
4 - النظم والعقائد في القرن الأول
5 - أغناطيوس ثيوفوروس
6 - الدفاع الأول عن العقيدة
7 - مشكلة عيد الفصح
8 - الكنيسة والدولة
Page inconnue
9 - الاضطهادات الكبرى
10 - وهن وضعف وارتداد وانشقاق
11 - قانون الإيمان الأنطاكي قبل نيقية
12 - لوقيانوس المعلم الأنطاكي
13 - المقاومة الوثنية
14 - روابط الكنيسة ونظمها في القرن الثالث
15 - الاضطهاد العظيم
16 - ليكينيوس وقسطنطين
الباب الثاني: انتصار النصرانية وانقسامها
17 - آريوس والآريوسية
Page inconnue
18 - ملاتيوس الشريف
19 - يوحنا الذهبي الفم
20 - الرهبان في القرنين الثالث والرابع
21 - كنيسة أنطاكية في الربع الأول من القرن الخامس
22 - نسطوريوس والمجمع المسكوني الثالث
23 - أوطيخة والمجمع المسكوني الرابع
24 - النزاع الخريستولوجي
25 - يوستينوس ويوستنيانوس
26 - تنصر العرب
27 - القوانين والنظم والطقوس والأعمال الخيرية في القرن السادس
Page inconnue
28 - فوقاس وهرقل
الفهارس
سلسلة البطاركة
مقدمة
الباب الأول: ظهور النصرانية وانتشارها
1 - كنيسة أوروشليم أم الكنائس
2 - حيث دعي المؤمنون مسيحيين أولا
3 - البدع والفرق والهرطقة في القرن الأول
4 - النظم والعقائد في القرن الأول
5 - أغناطيوس ثيوفوروس
Page inconnue
6 - الدفاع الأول عن العقيدة
7 - مشكلة عيد الفصح
8 - الكنيسة والدولة
9 - الاضطهادات الكبرى
10 - وهن وضعف وارتداد وانشقاق
11 - قانون الإيمان الأنطاكي قبل نيقية
12 - لوقيانوس المعلم الأنطاكي
13 - المقاومة الوثنية
14 - روابط الكنيسة ونظمها في القرن الثالث
15 - الاضطهاد العظيم
Page inconnue
16 - ليكينيوس وقسطنطين
الباب الثاني: انتصار النصرانية وانقسامها
17 - آريوس والآريوسية
18 - ملاتيوس الشريف
19 - يوحنا الذهبي الفم
20 - الرهبان في القرنين الثالث والرابع
21 - كنيسة أنطاكية في الربع الأول من القرن الخامس
22 - نسطوريوس والمجمع المسكوني الثالث
23 - أوطيخة والمجمع المسكوني الرابع
24 - النزاع الخريستولوجي
Page inconnue
25 - يوستينوس ويوستنيانوس
26 - تنصر العرب
27 - القوانين والنظم والطقوس والأعمال الخيرية في القرن السادس
28 - فوقاس وهرقل
الفهارس
سلسلة البطاركة
كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى (الجزء الأول)
كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى (الجزء الأول)
34-634م
تأليف
Page inconnue
أسد رستم
مقدمة
بسم الآب والابن والروح القدس
الإله الواحد
آمين
أومن بإله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، كل ما يرى وما لا يرى؛ وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر ، الذي به كان كل شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس، وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، وتألم وقبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب، وأيضا يأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، الذي لا فناء لملكه.
وبالروح القدس الرب المحيي، المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن، مسجود له وممجد، الناطق بالأنبياء.
وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي. آمين. ••• «وديننا لا يقتصر على ما يثبته العقل بدليل منه، ولو اقتصر على ذلك لما شعرنا بحاجة إليه، ولكنه لا يعلم ما يراه العقل محالا، ولو فعل لكان ضربا من الضلال والتضليل، وليس كل معقول قابلا للإثبات بحجج العقل؛ فحقائق الوجود أعمق من أن يسبر غورها عقل محدود، وحقائق الوحي كالشمس تبهر ولكنها تنير السبيل.»
وقد أقام العلماء حججا كثيرة على وجود الله، منها: حجة الحركة والقول إن الكون سلسلة أحداث، وإن كل حادث مفعول، وكل مفعول يفترض فاعلا، ومنها الاستناد إلى قضية الإمكان والوجوب، والقول إن في الموجودات حاجات وكمالات، وإن الله وحده كامل بذاته لا يتأتى له الكمال من غيره، وإنما هو كامل بحكم طبعه، والقول أيضا بتدبير الكون، وبأن الله عقل ما لا يعقل وقصد ما لا يقصد، وأنه قد طبع في كل طبع ما أراده إليه، وهيأ لكل طبع فعلا ملائما له محققا لغايته.
ولكن أهم من هذا كله وأشد أثرا في النفس دليل الخبرة الشخصية، فالرسل والأنبياء والقديسون والمؤمنون جميعهم خبروا الله يوما بعد يوم، ولمسوا عنايته لمسا، فعلموا أنه عالم بكل معلوم.
Page inconnue
ولكم دجا ليل الخطوب، وأظلمت سبل الخلاص، فصلوا مع داود: «إلى الرب صرخت في ضيقي، يا رب أنقذ نفسي، إني ولو سلكت في وادي ظل الموت لا أخشى سوءا؛ لأنك معي، عصاك وعكازك هما يعزيانني.» فأتاهم من ألطافه فرج لم يحتسبوه . وكم أثقلت الذنوب ظهورهم، وسودت العيوب صحفهم، فصرخوا مع باسيليوس الكبير: «يا رب، يا رب، يا من أنقذنا من كل سهم يطير في النهار، أنقذنا أيضا من كل عائق يسري في الدجى.» فستر عفوه وشمل لطفه، فكانت صلاتهم نورا لهم وبرهانا.
وندموا واستغفروا وتقدموا من جسد الرب ودمه الكريم للتطهير والتقديس والإنارة والحراسة، وللنمو في الفضيلة والكمال، فخرجوا شاكرين واثقين من شفاء النفس والجسد، وإنارة العين وسلامة القوى، ممتلئين حكمة، عاملين بالوصايا، عائشين بالبر والطهارة للسيد له المجد. •••
وميزة ديننا أن الكلمة صار جسدا، فكان إلها كاملا في إنسان كامل، فالشرقي كان قد أذعن لله، ولكنه لم يكن حرا طلقا، فجاء إذعانه سلبيا؛ وكان الغربي قد نشط وتحرر، وحاول جهد المستطاع أن يصل بالإنسان إلى درجة الكمال، ولكنه كان لا يزال يجهل الله، فجاء المسيح إلها كاملا في إنسان كامل، فأوجد للشرق ضالته، وأعطى الغرب ما طلب واستقصى، وأظهر الحقيقة وهو الحقيقة المتجسدة، فأبان للشرق الإله الكامل متحدا بالإنسان الكامل، وأكد للغرب أن الإنسان الكامل إنما هو مظهر من مظاهر الإله الكامل، ومن هنا سجود مجوس الشرق ل «الإله المولود»، ومن هنا أيضا قول ممثل الغرب بيلاطس البنطي: «ها هو ذا الرجل.»
ولم يبق بعد هذا أي مجال لثقافة شرقية وثقافة غربية، فالمولود الجديد أوجد ثقافة إنسانية شاملة ثقافة الشرق والغرب معا، وأوجب على الخلق أجمعين أن يجعلوا من أنفسهم بشرا أقوياء طلقاء كاملين قدر المستطاع؛ لينصرفوا إلى تطبيق مشيئة الله على أكمل وجه.
والكنيسة في العالم هي جماعة المقدسين في المسيح وبنعمة الروح القدس، المدعوين ليكونوا قديسين بشرا أحرارا كاملين قدر المستطاع، منصرفين إلى تطبيق مشيئة الله على أكمل وجه، والكنيسة فوق العالم هي سر الله المكنون، ولولا هذا لما عاشت في العالم.
والهرطقة على ممر العصور هي تفريق ما جمعه المسيح في شخصه، فالإبيونيون
Ebionites
لم يروا في المسيح إلا نبيا عظيما، خصه الله بشرط وافر من الحكمة، والمشبهون
Docetistes
لم يروا فيه إنسانا، فقالوا وما صلبوه ولكن شبه لهم ، والآريوسيون جعلوه مخلوقا وسطا بين الله والإنسان، والنساطرة قالوا إنه ولد إنسانا ثم حل فيه روح الله، وبالتالي فالعذراء أم يسوع لا والدة الإله، والمونوفيسيون قالوا بطبيعة واحدة إلهية لا بطبيعتين إلهية وبشرية، والمونوتيليون قالوا بمشيئة واحدة إلهية لا بمشيئتين إلهية وبشرية، ولم تكن حرب الأيقونات نزاعا سطحيا حول طقس معين من طقوس الكنيسة، وإنما كانت بحثا في سر التجسد نفسه، فمن حارب الأيقونات أنكر حرمة شكل الإله المنظور، وهدد سر التجسد بالانهيار، وإنكار الأسرار المقدسة عند الإنجيليين، ولا سيما سر الاستحالة، هو في حد ذاته خروج على اتحاد الإله الكامل بالإنسان الكامل. «ففي المسيح يحل كل ملء اللاهوت جسديا وفيه نحن نمتلئ» (كولوسي، 2: 9). •••
Page inconnue
وكنيستنا واحدة جامعة مقدسة رسولية؛ فإننا جميعنا قد اعتمدنا بروح واحد لجسد واحد، يهودا كنا أم يونانيين، عبيدا أم أحرارا، وسقينا جميعا من روح واحد، ونحن جسد واحد هو جسد المسيح وأعضاء كل بمقدار، ومكانة كنيستنا في تاريخ البشر أنها أذعنت لله وسعت لتطبيق مشيئته، وطلبت من المؤمنين إيمانا وعملا في آن واحد.
والكنيسة تتألف من عنصرين؛ إلهي وبشري، من الحقيقة الإلهية المعطاة لها ومن سعيها البشري لتنفيذ المشيئة، وقد يسهو البعض عن أن النعمة الإلهية لا تقسر الناس قسرا، وإنما تعمل فيهم عمل النور في الهواء، فتخترق نفوسهم لتعطيهم حرارة وإشعاعا، ونحن أعضاء هذه الكنيسة الجامعة بشر، وكبشر نستبق التطور أحيانا، فنلجأ إلى الإكراه والقسر، وإكليروسنا قد يستكن أو يتحرك، فبينما يستكن الإكليروس الشرقي في بعض الأحيان، يتحرك الغربي أحيانا إلى أن يمسي متهجما صلفا؛ وهكذا فإنه نشأ - على ممر العصور - شيء من الاختلاف في تطبيق العقائد الواحدة، ولم يخل حقل الرب في فرعيه الغربي والشرقي من الزوان من حب السيطرة والمجد الفارغ، ومن الطمع والحسد وسوء الظن والحقد، فكان انشقاق مؤلم مخيف.
ويتوجب على المؤمنين والحالة هذه، أن يصلوا بحرارة لأجل زوال هذا الشقاق، وأن يبتهلوا بقلب منكسر ونفس منسحقة لأجل التقارب والوحدة، وألا ينسوا قول الذهبي الفم: «إن الذي يشق كنيسة الله يعمل عملا أفظع من إنكار الإيمان؛ لأن الذي ينكر الإيمان يهلك نفسا واحدة، وأما الذي يشق الكنيسة فإنه يهلك نفوسا كثيرة.» وعلى كل مؤمن أن يلاحظ هؤلاء الذين يحدثون الشكوك والشقاق، وأن يعرض عنهم؛ لأنهم على حد قول بولس الرسول: «لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم.»
وإذا ما صلينا وابتهلنا لوحدة الصفوف، فإنما نفعل ذلك لأجل متابعة العمل في حقل الرب بعد جمود دام طويلا، وحقل الرب واسع جدا يشمل العالم بأسره، والعمل فيه لا يثمر إلا إذا اقترن بظروف صالحة معينة، وأهم هذه الظروف التجدد الداخلي الذي يتحلى بإنكار الذات، وإنكار الذات يبدأ باعتراف داخلي بالعيوب وعدم الوصول إلى الكمال، ويفرض تنازلا حقيقيا عما نسميه كرامة شخصية، وهو يتطلب استعدادا للتعاون مع الغير في سبيل مبدأ صحيح عام كلي المفعول؛ والمبادئ الأدبية الروحية كثيرة لا يخلو منها فؤاد، ولكن المقصود هنا هي تلك التي يعترف جمهور المؤمنين بصحتها، وتوجب الكنيسة الجامعة تطبيقها، وإذا كان الشرقيون منا قد أخطئوا في مجرد التمادي في التأمل والتعبد والمحافظة على قدسية الإيمان والوقوف عند هذا القدر، فالغربيون منا أخطئوا أيضا في التشديد على نواح معينة من العمل وإعطائها المرتبة الأولى؛ وهكذا فإنه يحق للأرثوذكسي الشرقي أن يفاخر بشدة حرصه على استقامة الإيمان، ولكنه ينسى في بعض الأحيان قول الرسول بولس: «ولو كانت لي النبوة، وكنت أعلم جميع الأسرار والعلم كله، ولو كان لي الإيمان كله حتى لأنقل الجبال، ولم تكن في المحبة؛ فلست بشيء!» ويحق للكاثوليكي أن يفاخر بدوره بأعماله الكثيرة، ولكنه ينسى في بعض الأحيان قول هذا الرسول نفسه: «ولو بذلت جميع أموالي إحسانا، ولو أسلمت جسدي لأحرق، ولم تكن في المحبة؛ فلا أنتفع شيئا!» والواقع أن عيب الكاثوليكيين والأرثوذكسيين كان ولا يزال منذ الانشقاق إغفال المحبة. «والمحبة تتأنى وترفق ولا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ ولا تأتي قباحة، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد ولا تظن السوء، ولا تفرح بالظلم بل بالحق، تتغاضى عن كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء ، وتصبر على كل شيء!» •••
وقد أزمن الداء وتعسر برؤه، ولكنه ليس من النوع الذي لا ينجع فيه دواء، ورأينا أن نبتعد عن سياسة القسر والإكراه، فلا نستغل ظرفا سياسيا، ولا نستعين بسلطة زمنية مسيطرة، فقد جربنا هذا النوع من العلاج مرارا وتكرارا؛ فأخفقنا وتباعدنا.
وعلينا أيضا أن نقلع عن التشويق إلى طقس معين، أرثوذكسيا كان أم كاثوليكيا؛ فكنيسة المسيح غربية وشرقية في آن واحد، ويجب أن تظل هكذا؛ لأن السيد المخلص إله كامل في إنسان كامل، ولأن هذه الصفة الشاملة التي تضم الشرق والغرب صفة لازمة للكنيسة على ممر العصور، وكفانا نحن الاثنين - إلى أن يتم اتحادنا - أن هيرارخيتينا رسوليتان، وأن دستور إيماننا إلهي بشري واحد لا غش فيه، وأننا نمارس أسرارا إلهية مقدسة واحدة، تنشئ فينا بنعمة الله عندما نصبح مستعدين، ظرفا روحيا طاهرا يتطلب الاتحاد.
وإذا ما تمت هذه المهادنة بيسوع وله وتابعنا الصلاة المخلصة الحارة، «من أجل ثبات كنائس الله المقدسة واتحاد الجميع»، زال من نفوسنا مركب الشقاق والانشقاق، وحل محله مركب المحبة، وعندئذ نجلس معا ونتبادل الرأي بإلهام الروح القدس إلى ما فيه مشيئة الله وخير البشر. •••
وكنيستنا الأنطاكية يونانية سريانية عربية؛ فقد كانت يونانية برجالها في المدن، وبفكرها ولغتها وطقوسها، وكانت سريانية وعربية بشعبها في القرى والأرياف، ولا يخفى أن الأرياف السورية اللبنانية الفلسطينية الأردنية استعربت قبل الفتح الإسلامي بتسعمائة سنة، وأن السريانية تقلصت تدريجيا، فانحصرت في القرى والمدن، ثم في التلال النائية في لبنان والقلمون مثلا، وأخبار العرب والعروبة ثابتة في المراجع الهلينية، وفي سفر الأعمال، وفي أخبار القديسين ولا سيما أفثيميوس العظيم (377-473) وسمعان العمودي (390-460).
ولا نرى مبررا للضجة التي يثيرها بعض إخواننا من رجال الكنائس السريانية، كلما وجدوا مخطوطة من مخطوطات كنائسنا الأرثوذكسية مكتوبة باللغة السريانية؛ فمجرد العثور على هذه المخطوطات لا يجيز الاستنتاج أن كنيسة أنطاكية كانت سريانية بلغتها وطقوسها ثم تهلنت؛ فالواقع الذي لا مفر من الاعتراف به هو أن هذه الكنيسة التي نتشرف بالانتماء إليها جمعت في جميع عصورها يونانيين وسريانيين وعربا، وأن لغتها الرسمية وطقوسها وقوانينها وثقافتها كانت يونانية قبل أن تكون سريانية أو عربية.
وقد يفيد أن نذكر إخواننا السريانيين أن مثل اجتهادهم هذا لا يصح إلا في أحوال منطقية معينة؛ فلا بد من كلية معترف بصحتها، كأن نقول مثلا إن اللغة التي كتب بها كتاب كنسي هي وحدها لغة الكنيسة التي استعملت هذا الكتاب. ولا بد من جزئية صحيحة أيضا، كأن يقال إن هذا السواعي الأرثوذكسي كتب بهذه اللغة؛ فتلزم النتيجة بطبيعة الحال، فكل ما صدق على حد صدق على كل ما يصدق عليه ذلك الحد إيجابا وسلبا، وأنى لنا أن تكون هذه الكلية صحيحة! وكنيستنا الأرثوذكسية كانت ولا تزال تعمل بوصية الرسول، فتجعل الصلاة بلغة يفهمها الشعب، وقد رأينا بأم عيننا كتابا طقسيا أرثوذكسيا يعود إلى السنة 1680 مكتوبا باللغة الثلاث معا: اليونانية والعربية والسريانية، وإذا جاز استنتاج إخواننا، فماذا نقول عن اللغة الكرجية في كنائس فلسطين؟ فالرقوق الكنسية الكرجية والكتب القديمة الكرجية كثيرة في ديري المصلبة والقديس سابا. •••
Page inconnue
وندرس ماضي كنيستنا لفهم حاضرها وإعداد العدة لمستقبلها، ولا سبيل لفهم الحاضر فهما تاما كاملا شاملا إلا بالطريقة العلمية المثلى، والطريقة العلمية المثلى تستوجب جمع جميع مخلفات الآباء، بالإضافة إلى الأناجيل الطاهرة والرسائل المقدسة وفهمها فهما دقيقا كاملا؛ وفهم هذه المخلفات فهما علميا كاملا يوجب التذرع بما يسميه المؤرخون العلوم الموصلة، والعلوم الموصلة لتاريخ كنيستنا تشمل إجادة اللغات التي كتبت بها الأناجيل والرسائل ومخلفات الآباء، وهي بترتيب أهميتها: اليونانية واللاتينية والسريانية والعربية، ولما كان لا بد من الاطلاع على أبحاث المؤرخين الزملاء، وجب علينا أن نجيد الألمانية والإفرنسية والروسية والإنكليزية وغيرها.
وقد جمعت مخلفات الآباء ونشرت بنصوصها الأصلية، ونقلت إلى اللاتينية وبعض اللغات الحديثة، وأكمل هذه المجموعات مجموعة الأب جاك بول مين الإفرنسي (1800-1875)؛ فإنه أصدر ما بين السنة 1844 والسنة 1855 أكثر من مائتي مجلد، شملت مخلفات الآباء اللاتينيين حتى السنة 1216،
1
ثم نشر ما بين السنة 1857 والسنة 1866 مائة وواحدا وستين مجلدا من مخلفات الآباء اليونانيين حتى السنة 1439.
2
ويعنى الآباء البنديكتيون في بلجيكة بجمع نصوص الآباء، ومقررات المجامع، وسير القديسين، والنقوش الكتابية المسيحية؛ لنشرها نشرا علميا في سلاسل ثلاث لاتينية ويونانية وشرقية،
3
وقد ظهر مجلد في برنامج هذا المشروع العظيم في السنة 1951،
4
وظهر بعده في السنة 1953 الجزء الأول من المجلد الأول، وتعاونت أكاديمية برلين مع أكاديمية فينة في نشر نصوص الآباء نشرا دقيقا كاملا، فنشرت برلين منذ السنة 1897 ثلاثة وأربعين مجلدا من النصوص اليونانية،
Page inconnue
5
ونشرت فينة ثلاثة وسبعين مجلدا من النصوص اللاتينية،
6
وكرس شابو وغويدي وهيبرنا وكراديفو وفورجي أوقاتهم لنشر النصوص التي جاءت باللغات الشرقية، فنشروا منذ السنة 1903 مائة وسبعة وأربعين مجلدا في سلاسل أربع سريانية وقبطية وعربية وحبشية،
7
ونشر غرافان ونو منذ السنة 1907 سبعة وعشرين مجلدا من النصوص الشرقية،
8
وهنالك مقررات المجامع المسكونية والمحلية، وقد نشرها دومينيكوس منسي ما بين السنة 1759 والسنة 1798 في فينة في واحد وثلاثين مجلدا،
9
وقام بعده العلامة الألماني شفارتز فبدأ في السنة 1914 بنشر أعمال المجامع المسكونية نشرا عمليا دقيقا،
Page inconnue
10
ولا بد من التنويه هنا بفضل المونسنيور دوشان لعنايته بالمناشير الباباوية، وفضل الأب غرومل لاهتمامه بمحفوظات البطريركية المسكونية.
11
وينتقل المؤرخ المدقق في المرحلة الثانية من عمله إلى نقد هذه المراجع الأولية؛ ليتثبت من أصالتها وعدم تزويرها أو الدس فيها، ويعين تاريخها ومكان تدوينها، ثم يتحرى نصوصها، فيجيء بلفظها الأصلي، ويتذرع بالعلوم الموصلة إلى فهم ظاهرها وباطنها، ثم يدقق في أخبار رواتها، فيتعرف إلى أحوالهم ويتوصل إلى تقدير عدالتهم وضبطهم، فيتمكن من المفاضلة بينهم، ويعين درجات متانة رواياتهم، فيجعلهم ثلاثة: راو لا تقبل روايته، وآخر ضعيف الرواية مجهول المكانة، وثالث هو أولاهم في انتباهه، ولكنه على هذا يظل موضوعا للنظر والاختبار، ولا يصل المؤرخ في هذا النقد كله إلى نتيجة إيجابية يمكنه الاعتماد عليها للتثبت من حقيقة الماضي، ولا يقطع في شيء سوى أمر واحد هو إسقاط رواية من لا يعتمد عليه.
وأفضل ما يرجع إليه في نقد المراجع لتاريخ الكنيسة في القرون الأولى مصنفات هرناك وبوخ ولابريول وبومشتارك وشابو،
12
ولا يستغنى في معالجة مراجع العصور الوسطى اليونانية عن مصنفي العلامة الألماني كارل كرومباخر،
13
وفي معالجة المراجع اليونانية الحديثة عن كتاب ثيودوري بابادوبولو.
14
Page inconnue
وتجيء المرحلة الثالثة في التأريخ، وهي دور إثبات الحقائق المفردة، فيتابع المؤرخ البحث والتنقيب للوصول إلى طمأنينة العقل وسلامة الاستنتاج؛ فيبتعد أولا عن الروايات التي انفرد بها راو واحد، فإذا كانت العلوم الطبيعية تتطلب المشاهدة والاستدلال القياسي والتحقيق بالمقابلة والتجربة؛ فتبتعد كل الابتعاد عن الإطلاق في النتيجة من مشاهدة واحدة، فالتأريخ أولى بذلك منها؛ لأنه بعيد عن المشاهدة، ضعيف الاستدلال بالقياس، عديم التجربة؛ فحري بنا أن نبتعد عن كل رواية تاريخية انفرد بها راو واحد، فإذا قضت الظروف بتدوينها، فعلينا أن نصرح بأنها فريدة في بابها، وقد تتعدد الروايات التاريخية في أمر واحد فتتوافق أو تتناقض، وحيث تتناقض يجب على المؤرخ أن يترفع عن اتخاذ موقف وسط بين الطرفين، فإذا ما وقع مثلا على أصل من الأصول فيه أن عدد الشهداء كان أربعمائة، وآخر فيه أنهم كانوا مائتين؛ فإنه من الخطأ الفاضح أن يوفق بين الطرفين، فيزعم أن العدد الحقيقي كان وسطا بين الطرفين أي ثلاثمائة، فإذا جعل أحدهم حاصل الرقمين 2 × 2 أربعة، وجعل الآخر الحاصل ستة، فهل يقال إن الحاصل الحقيقي لا هذا ولا ذاك، بل هو خمسة؟! وعلى المؤرخ أن يعيد النظر لعله يكشف الستار عن عيب في إحدى الروايتين لم يتنبه إليه أولا، أو لعله يجد ما يجعله يثق بالواحدة أكثر من الأخرى، فيسقط ما قلت ثقته فيه ويرجح القول الآخر.
وعليه أن يمتنع عن الحكم إذا عم الشك وبانت قلة الثقة؛ فليس هنالك ما يضطره لإبداء رأيه وإصدار حكمه، والعالم من يعلم أنه لا يعلم، والشك في الإيمان قبل اليقين، وشدة الانطباق بين الروايات المختلفة توجب الشك لا الثقة، وهنالك تآلف بين الحقائق التاريخية لا بد من الالتفات إليه، والاستعارة هنا من فن الموسيقى، فكما تتآلف الألحان فتؤلف مجموعا شائقا، كذلك الروايات التاريخية المختلفة، فإنها إذا ما عبرت عن الحقيقة الراهنة، تتآلف بعضها مع بعض، فتتناصر على البطل وتلمع لمعان الحق .
وقد تتوفر الحقائق المفردة في ناحية، وتعدم في الناحية الأخرى، فيجتهد المؤرخ في تلافي ما قد يقع من فراغ ويتذرع بالمنطق، فيعمل أحيانا بما نسميه الاجتهاد السلبي، وأحيانا أخرى بالاجتهاد الإيجابي؛ والاجتهاد السلبي هو ما عبر عنه المناطقة بقولهم: «السكوت حجة.» ومعناه أن يتمكن المؤرخ من القول بأن كذا وكذا حدث أو لم يحدث؛ لأن الأصول ساكتة خالية، وهو أمر خطر للغاية، فقد يكون السكوت حجة وقد لا يكون، ولا بد من التثبت من أمور ثلاثة قبل التذرع بمثل هذه الحجة، وهي أن يكون المؤرخ على يقين جازم من أمر اطلاعه على جميع الأصول، وألا يعتريه شك في أن ما لديه من هذه المراجع الأولية هو جميع ما دونه السلف في الموضوع الذي يبحث، وأنه لم يضع منها شيء، وثالثا أن يتأكد من استحالة سكوت الأصول عن الموضوع الذي يبحث؛ وهكذا فإن حجة السكوت لا تتم إلا إذا اقترن بالراوي حالتان لا تنفصلان: أولاهما أن تكون الوقائع التي يمكن أن يكون قد سكت عنها وقائع يهتم بها اهتماما شديدا، والثانية أن يكون الراوي قد صمم على تدوين جميع الأخبار التي أحاط علما بها.
وسيتضح في تضاعيف هذا الكتاب أن بعض علماء الأوساط البروتستانتية وبعض علماء الكنيسة الكاثوليكية الغربية، لم يتقيدوا في بعض أبحاثهم بقواعد علم المصطلح؛ فدونوا استنتاجات من هذا النوع لا يقرها المنطق.
وهنالك محاولات في بعض المصنفات الغربية للحط من قدر رجالات الكنائس الأرثوذكسية، وللمبالغة في الاختلافات التي نشأت بين بعض كنائسنا، وهي أمور لا تخفى على كل ذي بصر.
وبعد هذا القدر كله من التحذير نوصي وننصح بمطالعة المصنفات التالية، أولا الموسوعة والقواميس العامة: قاموس الدومين كابرول ولكلرك في الليتورجية والآثار المسيحية،
15
وقاموس بودريار وفوغت وروزيس في تاريخ الكنيسة وجغرافيتها،
16
وقاموس فاكان ومانغينو وأمان في اللاهوت الكاثوليكي،
Page inconnue
17
وقاموس آليس في الإيمان والدفاع عنه،
18
وموسوعة هوك الفنية البروتستانتية في اللاهوت والكنيسة،
19
ومصنف غونكل وزشرنك في الدين في الماضي والحاضر،
20
وموسوعة هايستنغس في الدين والفلسفة الأدبية،
21
ولا يخفى أن أهمية المقالات في الموسوعات والقواميس العامة تختلف باختلاف كتابها.
Page inconnue
ثانيا التواريخ العامة: ولا يستغني باحث في تاريخ الكنيسة عن الاطلاع على كتابي هرنك ولوفس في تاريخ العقيدة،
22
ويجب الرجوع من آن إلى آخر إلى مصنف تيكسيرون في الموضوع نفسه،
23
وأفضل خلاصة لموقفنا من مشاكل العقيدة كتاب فلاديمير لوسكي،
24
ورسالة المطران سيرافيم،
25
وكتاب الأنوار في الأسرار للمطران جراسيموس، وقد يفيد الرجوع إلى كتاب للعلامة مالتزيف للمقابلة والمقارنة بين العقيدة الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.
26
Page inconnue
ولا تزال مجلدات العلامة تيلمون الستة عشر على علاتها مرجعا مفيدا من حيث إحاطتها ووفرة وثائقها،
27
ولا بد من الاطلاع على عمل المونسنيور دوشان للمدة نفسها
28
وكتاب الأب بارغوار في تاريخ الكنيسة البيزنطية من السنة 527 حتى السنة 847،
29
ومصنف ماسبيرو في بطاركة الإسكندرية،
30
وكتاب ليبيديف العالم الروسي في انفصال الكنائس في القرون التاسع والعاشر والحادي عشر،
31
Page inconnue
ومؤلفي لويس براهيه في الكنيسة والشرق وفي الانشقاق،
32
وكتاب ذيميتراكوبولو في العالم اليوناني الأرثوذكسي،
33
ومصنف دوسيثيوس في بطريركية أوروشليم،
34
وكتاب ذيوميذس كيرياكوس في تاريخ الكنيسة الشرقية من السنة 1483 حتى السنة 1898،
35
وأفضل ما ظهر في الغرب في هذا الباب، باب التواريخ العامة، مجموعة فليش ومارتان في تاريخ الكنيسة، ومجموعة هيفيلي في تاريخ المجامع.
36
Page inconnue
وأفضل ما جاء في تاريخ كنيسة أنطاكية كتاب الطيب الذكر خريسوستوموس (بابا ذوبولوس) رئيس أساقفة أثينة وبلاد اليونان، فإنه بعد أن صنف في تاريخ كنيسة أوروشليم وكنيسة الإسكندرية وكنيسة القسطنطينية، أتحف الأرثوذكسيين بكتاب جليل في تاريخ كنيسة أنطاكية، وإننا ننتظر بفارغ الصبر المجلد الثالث والعشرين من مجموعة فليش ومارتن في تاريخ الكنائس «المنفصلة».
وهنالك مئات من الأبحاث في مواضيع خصوصية محدودة في اللغات الألمانية والإفرنسية والروسية والإنكليزية والإيطالية واليونانية، أشرنا إليها في محلاتها إشارات واضحة تامة تعاون على الرجوع إليها عند الحاجة.
وقد لقيت في شخص كل من حضرات الآباء: أغناطيوس (هزيم)، وجاورجيوس (خضر)، واسبيريدون (خوري) غيرة واندفاعا وتضحية، ولولا جهود السيد أندره جحا وغيرته الأرثوذكسية ونشاطه الذي لا يعرف الكلل، واهتمام غيره من شباب الحركة الأرثوذكسية المباركة، لما تم طبع هذا الكتاب في هذا الوقت القصير.
عن الشوير ورأس بيروت
في يوم تذكار القديس الأنطاكي
يوحنا الذهبي الفم
13 تشرين الثاني سنة 1958
أسد رستم
لقد بزغت النعمة من فمك فأنارت المسكونة،
فتشفع إلى الكلمة المسيح الإله في خلاص نفوسنا.
Page inconnue
الباب الأول
ظهور النصرانية وانتشارها
30-313
الفصل الأول
كنيسة أوروشليم أم الكنائس
منذ الصلب حتى حلول الروح القدس
وأسلم السيد الروح معلقا على الصليب يوم الجمعة، فيما يعادل في حسابنا السابع من نيسان من السنة 30 بعد الميلاد،
1
وأنزل يوسف الذي من الرامة جسد السيد، ولفه في كتان ووضعه في قبر منحوت لم يكن قد وضع فيه أحد، وكان قد أخذ السبت يلوح، وكانت النساء اللواتي أتين مع السيد من الجليل يتبعن، فأبصرن القبر وكيف وضع فيه جسده، فرجعن وأعددن حنوطا وأطيابا، وفي أول الأسبوع باكرا جدا أتين إلى القبر يحملن الحنوط، فوجدن الحجر مدحرجا، فدخلن فلم يجدن جسد الرب، فإذا برجلين بلباس براق يقولان لهن إنه ليس ها هنا لكنه قد قام، اذكرن كيف كلمكن وهو في الجليل إذ قال: ينبغي لابن البشر أن يسلم إلى أيدي أناس خطأة، ويصلب ويقوم في اليوم الثالث. فذكرن كلامه ورجعن من القبر، وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين، وهؤلاء اللواتي أخبرن الرسل هن: مريم المجدلية، وحنة، ومريم أم يعقوب، وأخر معهن، فقام بطرس وأسرع إلى القبر، وتطلع فرأى الأكفان موضوعة على حدة، فانصرف متعجبا، وكان اثنان في ذلك اليوم سائرين إلى عمواس، وكانا يتحادثان في هذا كله، فدنا السيد منهما وسار معهما واشترك في حديثهما، فقال: يا قليلي الفهم وبطيئي الإيمان، أما كان ينبغي للمسيح أن يتألم، ثم يدخل إلى مجده.
فلما اقتربوا من القرية دخل يسوع ليمكث معهما، ولما اتكأ أخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما، فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أوروشليم، فوجدا الأحد عشر والذين معهم مجتمعين، وهم يقولون: لقد قام الرب وتراءى لسمعان. فأخذا يخبران بما حدث، وبينما هم يتحدثون وقف يسوع في وسطهم، وقال: السلام لكم أنا هو لا تخافوا . وقال: ينبغي للمسيح أن يتألم، وأن يقوم في اليوم الثالث من بين الأموات، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا في جميع الأمم ابتداء من أوروشليم، وأنا أرسل إليكم موعد أبي، فامكثوا أنتم في المدينة إلى أن تلبسوا قوة من العلاء. ثم خرج بهم إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أوروشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون الله ويباركونه.
Page inconnue