فمرت به زوجته في نسوة، فقالت لهن: أهذا بعلي فأعلم بذلك فقال، قال أبو الحسن: أخبرنا به عن أبي محلم له يعني السعدي:
تقول وصكت صدرها بيمينها: ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس
فقلت لها لا تعجبي وتبيني ... بلائي إذا التفت علي الفوارس
ألست أرد القرن يركب ردعه ... وفيه سنان ذو غرارين يابس
إذا هاب أقوام تجشمت هول ما ... يهاب حماياه الألد المداعس
لعمر أبيك الخير إني لخادم ... لضيفي، وإني إن ركبت لفارس
قوله:" المتقاعس" إنما هو الذي يخرج صدره ويدخل ظهره، ويقال: عزة قعساء، وإنما هذا مثل، أي لا تضع ظهرها إلى الأرض. وقوله: "بالرحى" من صلة الذي، والصلة تمام الوصول، فلو قدمها قبله لكان لحنًا خطًا فاحشًا، وكان كمن جعل آخر الاسم قبل أوله، ولكنه جعل "المتقاعس" اسمًا على وجهه، وجعل قوله: "بالرحى" تبيينًا بمنزلة"لك" التي تقع بعد "سقيًا"، وبمنزلة" بك" التي تقع بعد قولك: "مرحبًا" فإن قدمتها فذلك جيد بالغ، تقول: بك مرحبًا وأهلًا، وتقول: لك حمدًا، ولزيد سقيًا، فأما قول الله ﷿: ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ ١ وكذلك ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ ٢ فيكون تفسيره على وجهين: أحدهما أن يكون: إنني ناصح لكما، وأنا شاهد على ذلكم، ثم جعل" من الشاهدين" و" لمن الناصحين" تفسيرًا لشاهد وناصح، ويكون على ما فسرناه يراد به التبيين، فلا يدخل في الصلة، أو يكون على مذهب المازني.
قال أبو العباس: وهو الذي أختار، على أن الألف واللام للتعريف لا على معنى الذي، ألا ترى أنك تقول: نعم الفائم زيد، ولا يجوز: نعم الذي قام زيد، وإنما هو بمنزلة قولك: نعم الرجل زيد، وهذا الذي شرحناه متصل في هذا الباب كله مطرد على القياس.
_________
١ الأنبياء ٥٦.
٢ الأعراف ٢١.
1 / 34