حتى انثنى وعلى أجفانه بلل
ود الإباء لها لو كان أعماها
بكى فؤاد لسلمى والبلاد معا
وأنفس رضيت في الذل مثواها
فحمل الموج من أشجانه حمما
وشد يضرب أولاها بأخراها
وقال واليأس يمشي في جوارحه:
ديار سلمى على رغم هجرناها
إننا ندرك لماذا بكى فؤاد من أجل سلمى، وندرك ذلك بطريقة إيحائية. معنى أن ينفصل محب عن إنسانة تحبه، معناه بالنسبة إلى هذه الإنسانة شعور بالضياع، في مثل هذه المواقف يحتاج الشعر إلى التركيز، ولا يحتاج إلى التفصيل؛ ولكن الذي يجب أن يفصل هو لماذا بكى من أجل البلاد، ماذا حدث لهذه البلاد حتى يرغم على هجرها وهجر حبه؟ خضوع وذل؟ ما هي حقيقة هذا الذل وهذا الخضوع؛ والصراع الذي دار في داخل البطل كمرحلة رئيسية من مراحل التجربة، كتوتر انفعالي متبادل بينه وبين من يحب؟ كل ما عرفناه بعد ذلك أن «خمسا من السنوات السود قد صبت بلاياها على رأس لبنان»، وأن حب سلمى ما يزال حيا يقتات على الذكريات؛ وهكذا نجد أنفسنا أمام لوحة قصصية يغلب فيها جانب التسجيل على جانب التحليل؛ لأن عملية المراقبة تتم من الخارج. وتستمر جولتنا في معرض الصور حتى نقف مرة ثالثة أمام هذه اللوحة لعمر بن أبي ربيعة، اللوحة الأولى جمعت بين هند وأمها، واللوحة الثانية جمعت بين سلمى وفؤاد، واللوحة الثالثة جمعت بين عمر ونعم؛ هذه الازدواجية الصانعة لنوع من المقابلة بين طرفين، قيمتها في الشعر الوصفي أنها تنقذ اللوحة المرسومة من التسطح، وتجعلها لوحة ذات أبعاد؛ منها بعد الحركة، وبعد التجسيم، وبعد الخلفية المجالية. ولا بد من الإشارة إلى أن الحركة في لوحة «عمر ونعم»؛ تختلف في نوعيتها عنها في اللوحتين السابقتين؛ الحركة هناك ناتجة عن تدرج الأحداث وانبثاق المواقف، سواء أكان ذلك في منطقة الرؤية التحليلية أو منطقة الواقع المحس، ولكن الحركة هنا ناتجة عن تحويل المجرى التعبيري نفسه من منعطف موضوعي إلى آخر، أشبه بحركة الكاميرا المنتقلة من زاوية إلى زاوية.
أخاك يا شعر فهذا عمر
Page inconnue