Parole sur Riyad Pacha
كلمة على رياض باشا: وصفحة من تاريخ مصر الحديث تتضمن خلاصة حياته
Genres
ولكن كيف وصل إلى هذه السيادة؟ - بالجد والإقدام، وبالترفع عن الدنايا ظاهرا وباطنا، وبالإخلاص في خدمة الأمة والوطن.
ولو أننا أردنا أن نتعرف السبب في تلك الجلالة التي كانت له في النفوس، وفي ذلك السلطان الذي امتلك به القلوب، لرأينا الأمر بسيطا وطبيعيا، ولعلمنا أنه في مقدور كل إنسان - إذا صدق في الإرادة وصدق في العمل - أن يجاري هذا الذي رحل. وكل من سار على الدرب وصل.
فذلك السر مما يستوجب الإذاعة، في هذه الساعة؛ فقد دخل الرجل في القبر وبقيت أعماله نبراسا لطلاب البراعة بين الجماعة.
ذلك أن رياضا تدرج في سلم الوظائف والأعمال، من أدناها إلى أقصاها، فكان عليما بكل الشئون، ضليعا مضطلعا بجميع الأمور.
دخل الفتى رياض أفندي في خدمة الحكومة المصرية بوظيفة مبيض في مجلس العموم بديوان المالية في 11 صفر سنة 1264 بماهية قدرها 145 قرشا صحيحا، ولاحت عليه مخايل النجابة وملامح الاستعداد، فارتفعت ماهيته بعد ستة شهور إلى 193 قرشا صحيحا و13 بارة. وكانت هذه الزيادة في نظير تكليفه بعمل آخر وهو قيد الخلاصات. ثم صدر الأمر بإلغاء ذلك المجلس فخرج فتانا من الخدمة في 10 ربيع الأول سنة 1265، ولكنه بعد شهرين ونصف توصل للدخول في المعية السنية للتبييض والقيد بماهيته المذكورة، فلم يأت الثاني من ربيع الأول سنة 1266 حتى انفصل من الخدمة وعاد إلى الفراغ، ولكن يوما واحدا؛ لأنه انتظم في اليوم الثالث في سلك عساكر الموسيقى برتبة الملازم، فقام بهذه الخدمة الجديدة خير قيام جعله أهلا لنيل رتبة اليوزباشي بعد شهرين اثنين، ثم ارتقى إلى رتبة الصاغ قول، ثم إلى رتبة البكباشي في بحر سنتين، كل ذلك في خدمة الموسيقى العسكرية.
فلما كانت سنة 1268 انتظم في سلك رجال المعية السنية، برتبة القائممقام وبصفة ياور بمعية عباس الأول، وهنالك ارتقى (5 صفر سنة 1269) إلى رتبة الميرالاي وبوظيفة مهردار لوالي مصر المشار إليه، وكان ذلك كله في مدة لا تزيد عن أربع سنوات وسبعة شهور.
ومن ذلك العهد دخل الفتى رياض بك في الزمرة التي كانت تعرف في تلك الأيام باسم «الذوات الكرام»، وبلغت ماهيته 3480 قرشا صحيحا.
رأى فيه عباس الأول ما يؤهله لخدمة الأهالي، فأسند إليه مديرية الجيزة وأطفيح (11 صفر سنة 1270)، وبعد سنتين تدرج به في سلم الصعود بالصعيد، فانتقل مأمورا لإدارة الفيوم بمديرية بني سويف، ثم مديرا لقنا بماهية قدرها خمسون جنيها في الشهر، وعاد بعد ذلك إلى العاصمة حيث أسندت إليه وكالة المرور والسكة بمصلحة السكة الحديد، ثم تحرك منها سنة 1274 بصفة مأمور لإدارة نصف أول روضة البحرين، أعني الدلتا الحقيقية المحصورة بين فرعي النيل شرقا وغربا والبحر الأبيض المتوسط شمالا، وهي اليوم عبارة عن مديريتي المنوفية والغربية، والنصف الأول المذكور كان في اصطلاح ذلك الوقت عبارة عما نسميه الآن بمديرية المنوفية، ثم صدرت الإدارة السنية بجعله وكيلا لهذه المديرية، وبلغت ماهيته 75 جنيها، فبقي في هذه الوظيفة لغاية 4 جمادى الثانية سنة 1277، وحينئذ قلب له الدهر ظهر المجن، وتبدلت تلك المنن بالمحن، فبدأ رياض يعرف أن الأيام دول، وأن صفوها لا بد له من الكدر؛ فقد صدرت في ذلك اليوم إدارة سنية أكتفي بنقل صورتها بالحرف بغير تعليق عليها ولا شرح، لأنها كمرآة لأسلوب الإنشاء وروح النظام في ذلك العصر. وهذا نصها:
بحسب ما عاينا بأثناء المرور في هذه المرة من مدير روضة البحرين ووكيلها وناظر قلم دعاويها من الإهمال في رؤية المصالح والدعاوى وتشهيل اللوازم وخلافه مما يغاير إرادتنا ويوجب تغيير خاطرنا، فقد رفعت ذلك المدير الذي هو شاكر باشا وعينت قاسم باشا بدله، وعيناك وكيلا بدل رياض بك، وعينا مصطفى فرهاد بك ناظر قلم دعاوى، فيلزم بوصول أمرنا هذا إليكم تتوجهوا لمحل مأموريتكم وتبادروا في رؤية المصالح والأمور المختصة بوظيفتكم وأنتم وفرهاد بك تبذلوا جهدكم في أداء ما يتوجب عليكم وتتركوا التصدي لما لا يعنيكم ، لأن الفضول مما يمنع القبول، والحذر ثم الحذر، من سوء السلوك فمن بغيره اعتبر، وينصف وتبصر، فقد أخذ في أسباب نجاته، وتشبث بعلو درجاته.
حاشية، أما إذا رأيتم أن المسئولية والجزاء الذي كان ترتب على ما وقع منكم قبلا من الأمر المغاير لطبعنا قليلا وعدتم لمثل ذلك فالرأي لكم فيه فلزم التحشية لتأكيد الإيقاظ والتنبيه.
Page inconnue