الأوطان، أخي سفرٍ (^١) على أنه مقيم بين الأطلال، وعابرِ سبيلٍ لم يَثْنِ عزمَه طِيبُ الثمار وبَرْدُ الظلال، قد تعلقتْ همتُه بالمطلب الأعلى، فلم يَقنَعْ بالدُّون، وباع أنفاسَه (^٢) الدنيا (^٣) بتلك الأنفاس العُلى لا كبيع الخاسر المغبون، رُفِعَ له عَلَمُ السعادة فشَمَّر إليه، واستبان له طريقُ الوصول إلى المطلب الأعلى [١٦ أ] فقام واستقام عليه، أجاب مناديَ الإيمان إذ نادى به (^٤) حيَّ على الفلاح، وبذل نفسَه في مرضاة محبوبه بذْلَ المحبِّ بالرضا والسماح (^٥)، وعلم (^٦) أنه لا بدَّ له من لقائه فواصل إليه السُّرَى والسيرَ بالغدوِّ والرواح، فحَمِدَ عند الوصول مَسْراه (^٧)، وإنما يَحْمَدُ القوم السُّرَى عند الصباح (^٨).
فأمّا مَن اتخذ إلهه هواه، وأضلَّه الله على علمٍ، وختمَ على سمعِه (^٩) وبصرِه فأصمَّه وأعماه، وأعرض عن الناصح بعد ما بذل له
(^١) ك: "في سفر".
(^٢) ك: "اقامة".
(^٣) ع: "الدنا".
(^٤) "به" ليست في ع، ك.
(^٥) ع: "والسماع".
(^٦) في الأصل: "وعلمه".
(^٧) ك: "سراه".
(^٨) إشارة إلى المثل السائر: "عند الصباح يحمد القوم السُّرى". انظر: "مجمع الأمثال" (٢/ ٣) و"المستقصى" (٢/ ١٦٨) و"جمهرة الأمثال" (٢/ ٤٢) وغيرها.
(^٩) بعدها في ك: "وقلبه".