تجفو القبيلة كلها من عند آخِرها حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان، فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إنْ تكلَّما أو نطَقا قُمِعا، وقُهِرا، واضطهدا، وقيل لهما: أتطعنان علينا حتى يشرب الخمر في نادِيهم، ومجالسهم، وأسواقهم وتنحل الخمر غير اسمها حتى يلقى آخِر هذه الأمَّة أولها إلا حلَّت عليهم اللعنة، ويقولون: لا نأمن هذا الشراب، يشرب الرجل منهم ما بدَا له ثم يكفُّ عنه حتى تمرَّ المرأة فيقوم إليها بعضهم، فيرفع ذيلها فينكحها وهم ينظُرون كما يرفع ذنب النعجة، وكما أرفع ثوبي هذا، ورفع رسول الله ﷺ ثوبًا عليه من هذه السحوليَّة، فيقول القائل منهم: لو نَحَّيتمونا عن الطريق، فذاك فيهم كأبي بكرٍ وعمر، فمَن أدرك [ز١/ ٢/ب] ذلك الزمان وأمَر بالمعروف ونهى عن المنكر فله أجر خمسين ممَّن صحبني وآمَن بي وصدَّقني أبَدًا».
وحديث أبي أمامة هذا فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف (١)، لكنْ له شاهدٌ من حديث ابن مسعود وغيره (٢).
_________
(١) أخرجه الطيالسي (١/ ١٥٤ رقم ١١٣٤)، والحسن بن موسى الأشيب (١/ ٣٩ رقم ١٢)، وأحمد (٥/ ٢٦٨)، والحارث بن أبي أسامة في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (٢/ ٧٧٠ رقم ٧٧١)، والطبراني في "الكبير" (٨/ ١٩٦)، وأبو الفضل المقرئ في "أحاديث في ذم الكلام وأهله" (٤/ ٧٣ رقم ٦١٦)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ١٦٤)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (١/ ١٥٤) من طريق علي بن يزيد، عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبي أمامة ﵁ وأورده نور الدين الهيثمي فِي "المجمع" (٥/ ٦٩) وقال: فيه علي بن يزيد، وهو ضعيف، وأشار العراقي فِي "تخريج الإحياء" (٢/ ٢٦٩) على ضعفه.
(٢) حديث ابن مسعود أخرجه الطبراني فِي "الكبير" فقال: حدثنا أبو عُبَيدة عبدالوارث بن إبراهيم العسكري، حدثنا سيف بن مِسكين الأسواري، حدثنا مُبارَك بن فضالة، عن الحسن، عن عتي السعدي، قال عتي: خرجت في طلب العلم حتى قدمت الكوفة، فإذا بعبدالله بن مسعود بين ظهراني أهل الكوفة، فسألت عنه فأُرشِدت إليه، فإذا هو في المسجد الأعظم، فأتيته فقلت: أبا عبدالرحمن، إني جئت أضرب إليك أقتبس منك علمًا؛ لعلَّ الله أن ينفعنا به بعدك، فقال لي: ممَّن الرجل؟ فقلت: رجل من أهل البصرة، فقال: ممَّن؟ قلت: من هذا الحي من بني سعد، فقال لي: يا سعدي، لأحدثن فيكم بحديثٍ سمعته من رسول الله ﷺ سمعت رسول الله ﷺ وأتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله، ألا أدلك على قومٍ كثيرة أموالهم، كثيرة شوكتهم، تصيب منهم مالًا دثرًا، أو قال: كثيرًا، فقال: «مَن هم؟» فقال: هم هذا الحي من بني سعد من أهل الرمال، فقال رسول الله ﷺ: «فإنَّ بني سعد عند الله ذو حظٍّ عظيم، سَلْ يا سعدي»، فقلت: أبا عبدالرحمن، هل للساعة من علمٍ تُعرَف به الساعة؟ وكان متكئًا فاستوى جالسًا، فقال: يا سعدي، سألتني عمَّا سألت عنه رسول الله ﷺ قلت: يا رسول الله، هل للساعة من علمٍ تُعرَف به الساعة؟ فقال لي: «يا ابن مسعود، إنَّ للساعة أعلامًا، وإنَّ للساعة أشراطًا، ألاَ وإنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكون الولد غيظًا، وأن يكون المطر قيظًا، وأنْ تفيض الأشرار فيضًا، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يُصدَّق الكاذب، وأنْ يُكذَّب الصادق، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يُؤتَمن الخائن، وأنْ يُخوَّن الأمين، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تواصل الأطباق، وأنْ تقاطع الأرحام، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يسود كلَّ قبيلة منافقوها، وكلَّ سوق فجارها، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تزخرف المساجد، وأنْ تخرب القلوب، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكون المؤمن في القبيلة أذلَّ من النقد، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تكثف المساجد وأنْ تعلو المنابر، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يعمر خراب الدنيا، ويخرب عمرانها، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تظهر المعازف، وتُشرَب الخمور، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها شرب الخمور، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها الشرط والغمازون واللمازون، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكثر أولاد الزِّنا»، قلت: أبا عبدالرحمن، وهم مسلمون؟ قال: نعم، قلت: أبا عبدالرحمن، والقرآن بين ظهرانيهم؟ قال: نعم، قلت: أبا عبدالرحمن، وأنَّى ذاك؟ قال: يأتي على الناس زمان يطلق الرجل المرأة، ثم يجحد طلاقها فيقيم على فرجها، فهما زانيان ما أقامَا؛ أخرجه الطبراني فِي "الكبير" (١٠/ ٢٢٩)، و"الأوسط" (٥/ ١٢٧)، وأورده نور الدين الهيثمي فِي "المجمع" (٧/ ٣٢٣) وقال: فيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف، وأورد هذا الحديث ابن حجر فِي "لسان الميزان" فِي ترجمة سيف هذا، وقال عنه: شيخ بصرى يأتى بالمقلوبات ويأتي بالأشياء الموضوعة.
1 / 16