فقه العبادات على المذهب الحنفي
فقه العبادات على المذهب الحنفي
Genres
شروط صحة التيمم:
يصح التيمم بشروط ثمانية هي:
أولًا: النية: وهي شرط في التيمم دون الوضوء، لأن الماء مطهِّر بطبعه فلا يحتاج إلى النية بخلاف التراب فهو ملوث بالأصل فلا يصير مطهِّرًا إلا بالنية.
والنية: عقد القلب على إيجاد الفعل جزمًا.
وقتها: عند ضرب يده على ما يتيمم به، أو عند مسح أعضائه بتراب أصابها.
شروط صحتها:
-١. الإسلام ليصير الفعل سببًا للثواب.
-٢. التمييز ليفهم ما يتكلم به.
-٣. العلم بما ينويه.
صيغتها:
-١. نية الطهارة من الحدث القائم.
-٢. نية استباحة الصلاة.
-٣. نية استباحة عبادة مقصودة لا تصح إلا بطهارة.
ولو قيد النية بأن نوى التيمم لقربة لا يُشترط لها الطهارة من الحدث الأصغر كدخول المسجد أو قراءة القرآن من الذاكرة، فلا تصح به الصلاة لأن نية الأدنى لا تكون نية للأعلى، بعكس ما لو نوى التيمم للصلاة فإنه يصح له بهذا التيمم كل الأعمال. ولو تيمم للدخول في الإسلام فلا تصح الصلاة بهذا التيمم، إلا عند الإمام أبي يوسف فتجوز.
ثانيًا: وجود عذر مبيح للتيمم:
-١ً - بُعْدُ الشخص ميلًا عن الماء، وهو ما يعادل ثلث فرسخٍ (١) . ويجب عليه قبل أن يتيمم أن يطلب الماء إن ظنّ قربه بمقدار (٤٠٠) خطوة، أو أن يطلبه من رفقته، كما يلزمه شراؤه بثمن مثله وبغبن يسير إن كان معه فاضلًا عن نفقته.
-٢ً - المرض، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: "رخص للمريض التيمم بالصعيد". وهناك حالات:
أ - ضرر الماء إنْ كان في استعماله حصول المرض، أو اشتداده، أو بطء في الشفاء، بتجربة أو إخبار طبيب مسلم عَدْل (٢) . لما روي عن ابن عباس ﵄ في قوله: ﴿وإن كنتم مرضى أو على سفر﴾ قال: "إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف أن يموت إن اغتسل، يتيمم" (٣) .
ب - عجزه عن التحرك لاستعمال الماء (كمن أجري له عمل جراحي) .
جـ - عجزه عن الفعل بنفسه كالمقعد أو المشلول، ففي هذه الحالة:
-١ - إن لم يجد من يوضئه جاز له التيمم إجماعًا، قال الحسن "في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله يتيمم" (٤) .
-٢ - وجد من يوضئه لكنه ليس من أهل طاعته جاز له التيمم.
-٣ - إن وجد من يطيعه فمختلف فيه (لا يجب على أحد الزوجين أو يوضئ صاحبه ولا أن يتعهده فيما يتعلق بالصلاة، ولا يعتبر أحدهما قادرًا بقدرة الآخر) .
د - مريض مرضًا لا يستطيع الوضوء ولا التيمم بنفسه أو بغيره:
-١ - لا يصلي حتى يقدر على أحدهما برأي الإمام.
-٢ - قال الإمام أبو يوسف يصلي تشّبهًا ويعيد.
-٣ً - إن كان نصف البدن أو أكثر جريحًا، وتعتبر الكثرة بعدد الأعضاء؛ فلو كانت الجراحة بالرأس والوجه واليدين جراحة ولو قليلة، يتيمم.
أما إذا كان أكثر البدن صحيحًا، غسل الصحيح ومسح الجريح بمرّ يده على الجسد، فإن لم يستطع فبخرقة، وإن ضرَّه المسح تركه، لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: "من كان له جرح معصوب عليه توضأ ومسح على العصائب ويغسل ما حول العصائب" (٥) .
وإن كانت الجراحة في بطنه ويضره استعمال الماء صار كغالب الجراحة حكمًا للضرورة. ولا يصح أن يجمع بين الغسل والتيمم.
-٤ً - بَرْد شديد غلب على الظن تلف بعض الأعضاء بسببه، وهذا غالبًا ما يكون خارج المصر، أي العمران، إذ أن تسخين الماء في البيت ممكن. وقد يكون في المصر لكن لا يجد ما يسخن به الماء. وذلك لما روي عن عمرو بن العاص ﵁ قال: "احتلمت في ليلة باردة، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي ﷺ، فقال: (يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا﴾ فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئًا) (٦) .
-٥ً - خوف عدو آدمي أو غيره على ماله أو نفسه، أو خوف فاسق عند الماء.
-٦ ً - عنده ماء قليل لكن خاف على نفسه أو ما معه من حيوانات العطش. لما روي عن علي ﵁ قال: "في الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش، قال: يتيمم ولا يغتسل" (٧) .
-٧ً - خوف فوت صلاة الجنازة أو عيد ولو جنبًا يتيمم لهما، لأنهما تفوتان بلا خَلَف.
لما روي عن ابن عمر ﵄ "أنه أتي بجنازة وهو على غير وضوء فيتمم ثم صلى عليها" (٨) .
ثالثًا: أن يكون التيمم بطاهر من جنس الأرض، كالتراب المُنْبِت والرمل والحجر والعقيق ولو لم يكن عليها غبار. وكل ما يحترق بالنار ليس من جنس الأرض، وكذا كل ما ينطبع ويلين بالنار ليس من جنس الأرض أيضًا كالذهب والفضة. قال تعالى: ﴿فتيمموا صعيدًا طيبًا﴾ (٩) والصعيد اسم لوجه الأرض ترابًا كان أو حجرًا وقال تعالى: ﴿صعيدًا زلقًا﴾ (١٠) أي حجرًا أملس.
رابعًا: استيعاب الوجه واليدين بالمسح. فيجب نزع الخاتم ولو واسعًا والسوار الضيق وتخليل الأصابع، لأن التيمم قائم مقام الوضوء فيشترط فيه ما يشترط في الوضوء.
خامسًا: أن يمسح الأعضاء بجميع اليد أو بأكثرها، فلا يجزئ المسح بأقل من ثلاث أصابع.
سادسًا: أن يكون التيمم بضربتين بباطن الكفين، لحديث عمار بن ياسر ﵄ (أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله ﷺ بالصعيد لصلاة الفجر فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا، فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم) (١١) . ويقوم مقام الضربتين إذا أصاب التراب جسده فمسحه بنية التيمم. وقوله: ضربتان خرج مخرج الغالب، والمهم هو مسح الوجه واليدين بالغبار بنية التيمم.
سابعًا: انقطاع ما ينافي الطهارة من حيض أو نفاس أو حدث.
ثامنًا: زوال ما يمنع المسح على البشرة كشمع أو شحم.
(١) ثلث الفرسخ يساوي (٤٠٠٠) خطوة (أي ما يعادل مسيرة نصف ساعة) وهو يساوي ١٨٤٧ متر. (٢) العدل: من لا كبيرة له، كما أنه لا يُصرّ على الصغائر. (٣) الدارقطني: ج ١ / ص ١٧٧. (٤) البخاري: ج ١ / كتاب التيمم باب ٢. (٥) البيهقي: ج ١ / ص ٢٨٨. (٦) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٢٦/٣٣٤. (٧) الدارقطني: ج ١ / ص ٢٠٢. (٨) الجوهر النقي (ذيل السنن الكبرى للبيهقي): ج ١ / ص ٢٣٠. (٩) المائدة: ٦. (١٠) الكهف: ٤٠. (١١) أبو داود: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٢٣/٣١٨.
1 / 58