ونظرت فوزية إلى السماء والقمر، وما حولها من معالم صماء بكماء، وقد أفرخ بعض روعها وقالت: دي ليلة تاريخية يا حمزة، حنبقى نفتكرها سوا. - معلش يا فوزية، كل حاجة بتبقى صعبة لما الواحد بيكون فيها، وبعدين لما بتفوت وتصبح ذكريات بتبقى جميلة. - تعرف إنك ساعات بتقول حكم. - وانتي ساعات بتمدحيني من غير داعي.
وسكتت فوزية وكان سكوتها إجابة، ثم قالت: أنا يا حمزة باستغرب جدا على أبو دومة ده ومراته، تصور واحدة حلوة بتقرأ وتكتب زي دي تجوز ليه واحد زيه. - وليه ما تجوزوش؟ - لأن كان ممكن تجوز أحسن منه. - أحسن ازاي يعني؟ - أصغر منه بكتير ومركزه أحسن. - شفتي بقى إن ساعات حكم الناس البساط بيبقى أحسن من حكمنا، شفتي بقى إنها ما بصتش لحاجات من دي، لازم فيه حاجة عجبتها فيه، لازم، الست دي باين عليها معدنها سليم جدا، دي لازم في يوم من الأيام يبقى لها دور.
فضحكت فوزية وسألته: ازاي بقى؟
فأجاب حمزة: انتي بتسأليني أنا؟ البركة فيكي.
وجاءهما من الداخل صوت أبو دومة يدعوهما إلى الدخول.
وتأمل حمزة الفراش الفاخر والنظافة التي أصبحت عليها الحجرة، ونظر إلى الرجل يشكره فوجد وكأن كل ما كان في الحجرة وفوق كومة الفرش من غبار وتراب قد انتقل إلى وجهه ورأسه وملابسه، ولم يترك حتى رموش عينيه ولا نهايات شاربه المشوشة، فعلق بها وأضفى عليها رماديته، وكذلك كانت أم محمود والأسطى حودة الصغير حتى بدت سحناتها في ضوء الشموع تستثير الضحك.
وقال أبو دومة وهو يمسح التراب الذي دخل حلقه وسود لسانه معلقا على فخامة المكان: أصل كان الله يرحمه نظاجة قوي، هو اللي باني الملك دا كله قبل ما ينتهي أجله، عليه رحمة الله، هه، كويس كده يا سي حمزة؟ عجبتك الحتة؟ أهو عندك إبريق المية وبكره الصبح إن عشنا إن شاء الله أم محمود تجيبلك دور كمان، وأهو الأسطى حودة بعد ما يخلص الشغل يبقى تحت إيدك، احنا لينا بركة إلا أنت، دانا والله الدنيا ما هي سايعاني.
وقال حمزة في نفسه إن الوقت قد حان، فانتحى به ركنا من الحجرة وأخرج من جيبه الجنيه وقد طبقه في يده حتى لا يراه أحد وقال: احنا متشكرين جدا يا عم أبو دومة.
قالها وهو يمد يده ليسلم عليه، ومد الرجل يده، وما إن أحس بملمس الورقة حتى نفض ذراعه كله بسرعة وارتسم على وجهه غضب وقال وقد رغرغت عيناه بالدموع: الله! إيه ده يا سي حمزة؟ انت بتشتمني؟ هو انا راجل واطي؟ أنا فقير، فقير، إنما برضه عندي مروءة، واللا اكمني يعني فقير؟ دا انت ضيفي يا سي حمزة، وانت راجل متعلم وتفهم، دا الحمد لله يا أخي ربك ساترها، لا لا لا، يا سي حمزة، إنت والله كأنك قلعت الجزمة وضربتني، دا انت كإنك تفيت في وشي، روح يا شيخ الله يسامحك.
15
Page inconnue