وإذا بي آتي إليك أمس وأنا حريصة ألا أشعرك بالمعركة التي دارت في نفسي، وحريصة على أن أستمر في القيام بدوري ولكن في الاتجاه الصحيح، وحريصة على أن أكبت كل إحساس ذاتي، وأحاول أن أراك من جديد وأفكر فيما تقوله من جديد وأتعلم منك الألف باء، وحريصة على ألا أقول غير الحق، ومع هذا سامحني يا حمزة فيومها غلبتني الرواسب الكامنة في نفسي وكذبت عليك، وقلت: إني نقلت الحقيبة عند محاسن وأنها رائعة؛ فالحقيبة كانت وما تزال تحت فراشي.
كنت آتية وفي ضميري كل ما أملكه من إرادة لأحاول أن أصلح نفسي وأتعلم منك، ثم أفاجأ بك تقول ما قلت وتعترف لي أنك أنت الآخر ضعفت مثلي وأحسست ناحيتي، إلخ. ولك أن تتصور مبلغ خيبة الأمل التي أصبت بها، ومبلغ الضياع الذي وجدت نفسي أعانيه، وقلت لك ما قلت وقلت لي ما قلت، وخرجت من عندك وأنا لا أدري ماذا أفعل، وخطر لي كما أسلفت أن أنتحر وقد انهار كل شيء أمامي، قبلها بيوم انهارت نفسي ويومها انهرت أنت، فماذا كان باقيا لي؟
وكنت أظن أنني سأظل ثلاثة أيام بلياليها أفكر فيما حدث، ولكن ما إن وضعت نفسي على الفراش حتى نمت.
واستيقظت في منتصف الليل وجلست أفكر، فيك، لماذا نخدع أنفسنا أحيانا ونتبرأ من عواطفنا وكأنها قذرات وتهم؟
ظللت في الفراش ساعات كثيرة أفكر في أحسن الوسائل لذبحك وتأنيبك ولفت نظرك، كانت دوامة تدور في رأسي، فلسبب ما كنت لا أتوقع أن تحبني، أو إذا أحببتني لا تصارحني بهذا الحب، وكأن البطل الذي في خيالي يجب أن يفعل هكذا، ولسبب ما حين يحاول أحد الطرفين أن يعترف للآخر يمثل المعترف إليه دورا سلبيا أو حتى يأخذ موقف المدافع عن نفسه، ولسبب ما نحرم على أنفسنا أن تنال ما تشتهي بكافة الحيل والعقبات.
ولا تدهش حين أقول لك: إني فكرت في قطع صلتي بك نهائيا على اعتبار أنك «خنت ثقتي فيك وأنك اتخذت القضية التي تدافع عنها وسيلة لتحقيق مآربك الخاصة!» وأنه أولى بك «أن تترك الكفاح للناس الذين وهبوا أنفسهم للقضية.» أقطع صلتي بك وأحاول أن أجد طريقة لخدمة الشعب الذي آمنت به وأجد قائدا آخر «لا يفكر في ذاته ويهب عواطفه للناس أجمعين».
ثم قلت : إن هذا ليس بعقاب كاف، بل يجب أن أكتب خطاب توبيخ حافل بأقذع الشتائم وأرسله لك على عنوان بدير ويكون هذا آخر شيء أفكر فيه ناحيتك.
ونمت، وصحوت في الصباح وأنا على عزم الليل، وطلبت من الناظرة إجازة عارضة يوما لأتفرغ للتفكير في الانتقام، وهداني العقل إلى أن أكتب لك الخطاب، ولكن بدلا من أن يكون هناك احتمال لتسرب محتوياته لبدير أذهب بنفسي وأدق الباب وأقابلك بمنتهى التجهم وأعطيك الخطاب من على الباب وأنزل فورا. وطوال تفكيري كانت الصور في ذهني تتغير، ولكن دائما كانت «فهماني ازاي» ترن في أذني وتتردد وكأنها تهزأ بكل ما أفكر فيه، وجعلتني لازمتك أفكر فيما قلت لي كلمة كلمة، وأزنها جميعا وأحاول حقيقة أن أفهمك، وسألت نفسي سؤالا لأكيل الضربة الأخيرة لأوهامي وانتقاماتي ما ذنبك؟ وهل حرام أن تحبني؟
وهل هذا مستحيل؟ وهل هناك تعارض بين أن تحب وبين أن تكافح من أجل كل ما أنت مؤمن به؟
وأيضا لن تتصور مبلغ فرحتي للسؤال الذي ألجم أوهامي، كدت أصرخ وأهلل لتلك الفتوى، ولكني لم أجد وقتا فقد ردتني إليك «فاهماني ازاي؟» التي كانت لا تزال تنبح في أذني وتجعلني أتصورك بعد ما قلته لك، وأيقنت أني لا بد آلمتك أشد الألم، أنت يا أعز إنسان.
Page inconnue