La République de Platon

Hanna Khabbaz d. 1374 AH
114

La République de Platon

جمهورية أفلاطون

Genres

فماذا بقي إذا من الاعتبارات التي تحملنا على إيثار العدالة على شر صور التعدي، ما دام الحال معنا أننا إذا قرنا تعدينا بخشوع زائف، فزنا برضاء الآلهة والناس في هذه الحياة وفي الأخرى؟ استنادا إلى شهادة أكثر الثقاة عددا وأعلاهم كعبا. باعتبار كل ما تقدم يا سقراط، علام يحترم العدالة رجل هو على شيء من المزايا، كالمواهب السامية أو الثروة أو الشخصية البارزة أو شرف المحتد، عوض أن يستخف بها حين تتلى محامدها على سمعه؟ فلو أن إنسانا تمكن من كشف زيف ما قلناه، مقتنعا اقتناعا تاما بأفضلية العدالة، لاغتفر الكثير من الخطيئات ولم ينقم على الجناة، لعلمه أن لا أحد بار باختياره إلا الذين فيهم روح إلهية تحملهم على نبذ الفجور، أو الذين في نفوسهم من تأثير العلوم والفنون ما يصرفها عنه، إلا أنهم يطرحون التعدي لجبنهم، أو لهرمهم، أو لعلة أخرى تجعلهم عاجزين عن اقترافه. والدليل على صحة ذلك أنه متى امتلك أحد هؤلاء العاجزين قوة تمكنه من التعدي، كان أول من تهافت عليه بكليته، والعامل في كل ذلك هو ما أوردناه أنا وأخي في مستهل هذا الخطاب يا سقراط، قائلين مع الاحترام اللازم إنكم، أنتم المدعين نصرة العدالة، ابتداء من أبطال القديم الذين انتهت أخبارهم، إلى أبناء هذه العصور؛ قد جعلتم - بلا استثناء أحد منكم - امتداح العدالة وذم التعدي وسيلة توسلتم بها لنيل الشهرة والمجد والنعم الناشئة عنهما، ولكن ماهية كل منهما بما فيه من قوة خاصة كامنة في نفس صاحبها، خافية عن أعين الآلهة والناس، هذه الماهية لم توف حقها من البحث نظما أو نثرا، فترينا أن التعدي أقتل سم يتسرب إلى الجسم، وأن العدالة أعظم بركة، فلو كانت هذه لهجتكم بادئ ذي بدء، وحاولتم أن تقنعونا بها منذ حداثتنا، لما كانت ثمة حاجة لمراقبة أحدنا الآخر خشية تعديه، بل كان كل رقيبا لنفسه، لئلا يصمها بالعار بارتكابه التعدي.

فهذا يا سقراط، وربما أكثر من هذا، يمكن أن يقوله ثراسيماخس وغيره، وأجرؤ على القول، في العدالة والتعدي، فيقلبون على ما أرى - جهلا منهم - التأثير الطبيعي لكل منهما، أما أنا فأعترف لك - لأني لست أريد أن أخفي عنك شيئا - أني شديد الرغبة في أن أسمعك تدافع عن الوجهة المناقضة؛ ولذلك تكلمت بأقصى ما في من قوة.

فلا تحصر دفاعك في أن العدالة أسمى من التعدي، بل أرنا تأثير كل منهما في نفس صاحبه، بحيث يكون أحدهما خيرا والآخر شرا، واحذف شهرة كل منهما على النحو الذي رغب فيه إليك غلوكون؛ لأنك إذا تمنعت عن حذف شهرة كل منهما وإحلال ضدها محلها، قلنا إنك تمدح ظاهر العدالة لا حقيقتها، وإنك تقدح في ظاهر التعدي لا في حقيقته، وإنك إنما تنصح المرء بارتكاب التعدي مستترا، وإنك توافق ثراسيماخس في أن العدالة هي لخير الغير؛ لأنها مصلحة الأقوى، وأن التعدي هو منفعة المرء الذاتية، لكنه ضد مصلحة الضعيف؛ لأنك سلمت أن العدالة في مرتبة أسمى الخيرات، وأن امتلاكها بركة ثمينة لذاتها ولنتائجها، كالبصر والسمع والعقل والصحة، وغير هذه البركات التي هي خير بالذات لا بالاسم فقط، فخص بمدحك هذه الوجهة من العدالة، أريد بها فائدتها التي تسبغها على صاحبها، بإزاء الضرر الذي يحله التعدي في نفس صاحبه، ودع مدح الشهرة والمكافأة لغيرك ؛ لأني أتسامح مع الغير في مدحهم العدالة وذم التعدي، وهو منهم عبارة عن إطراء الظاهرات والنتائج المقارنة لها أو ذمها. أما معك فلا أتسامح هذا التسامح، إلا إذا كنت تطلبه؛ لأنك أفنيت الحياة في فحص هذه المسائل، فلا تكتف بأنك تبرهن لنا على أن العدالة أفضل من التعدي، بل أرنا تأثيرهما الخاص في نفس صاحبهما، الذي به يكون أحدهما بركة والآخر شرا، سواء عرف أمره عند الله والناس أو لم يعرف.

قال سقراط: فاحترمت مواهب غلوكون وأديمنتس كليهما، وعندها صارحتهما أن بيانهما سحرني، وقلت لهما: بحق قال فيكما من أعجب بغلوكون، يا ابني الرجل الوارد ذكره في أول بيت من إلياذته، على إثر فوزكما في معركة ميغارا:

إن أبناء أريسطو

أقدس الأبناء أصلا

ولدي شهم كريم

بلغ النجم وأعلى

فأراه أصاب كبد الحقيقة بهذا النعت يا صديقي؛ لأن في عقليكما أثرا إلهيا واضحا، إذ لم تسلما بأن التعدي خير من العدالة، وأنتما قادران أن توردا فيه ما ذكرتماه الآن، وإني لواثق بأنكما لن تسلما ذلك التسليم؛ لاستدلالي بما تبينته من مجموع سجاياكما، ولو اقتصر الأمر على خطابيكما لكانت لي فيكما غير هذه الثقة. على أني كلما زدت ثقة بكما زدت حيرة في كيف أتصرف بهذا الموضوع؛ لأني مع كوني لا أدري كيف أساعدكما بناء على عدم جدارتي الظاهر في رفضكما ما قلته لثراسيماخس، وأنا أزعم أني أثبت أفضلية العدالة على التعدي، أقول مع حيرتي هذه: لا أجرؤ على التنكب عن النجدة؛ لأني أخشى أن أرتكب إثما عظيما إذا أنا سمعت العدالة تمتهن، فانحلت عزيمتي وتخليت عنها وفي نسمة، فأرى من الحزم أن أنصرها بما لي من حول. (فألحف علي غلوكون وكل من حضر أن أنصر العدالة بكل ما في وسعي، ولا أسمح بانصرام الحديث، بل أبحث بالتدقيق في طبيعة كل من العدالة والتعدي، وما هو التعليم الحق النافع في كل منهما، فأبديت حينذاك شعوري، وهو أني لا أرى البحث الذي نخوض عبابه أمرا زهيدا، بل أراه يحتاج إلى ثاقب النظر . ولما كنت غير حصيف استحسنت صيغة خاصة للبحث تمكننا من إيضاحه، وهذا بيانها):

س :

Page inconnue