76

Juha le rieur

جحا الضاحك المضحك

Genres

ويزاد على هذه الإحالات جميعا أن طبيعة الفكاهة تختلف بين تحصيل الحاصل والقياس مع الفارق والمحاولة والمحال، مما يجوز أن يتفق عرضا في نادرة أو قليل من النوادر، ولكنه لا يتفق في العشرات والمئات.

ونحن قد نقرأ عن جحا في كتاب واحد فنفهم أنه شخص موجود أو قابل للوجود؛ لأنه متناسق الأخبار مطبوع في تفكيره وتعبيره على غرار واحد، ثم نقرأ عنه في كتاب آخر فنرى صاحب الكتاب مضطرا إلى تسويغ نوادره المتناقضة بإسنادها إلى المختلقين والمنتحلين، أو بافتراء المفترين على «جحا» للنكاية والتشهير.

يقول الميداني صاحب كتاب الأمثال: «هو رجل من فزارة كان يكنى أبا الغصن، ومن حمقه أن عيسى بن موسى الهاشمي مر به وهو يحفر بظهر الكوفة موضعا، فقال له: ما لك يا أبا الغصن؟ قال: إني قد دفنت بهذه الصحراء دراهم ولست أهتدي إلى مكانها. فقال عيسى: كان ينبغي أن تجعل عليها علامة. قال: قد فعلت. قال: ماذا؟ قال: سحابة في السماء كانت تظلها ولست أرى العلامة.

ومن حمقه أيضا أنه خرج من منزله يوما بغلس فعثر في دهليز منزله بقتيل، فضجر به وجره إلى بئر منزله فألقاه فيها، غير أن أباه أخرجه وغيبه وخنق كبشا حتى قتله وألقاه في البئر. ثم إن أهل القتيل طافوا في سكة الكوفة يبحثون عنه فتلقاهم جحا فقال: في دارنا رجل مقتول، فانظروا أهو صاحبكم؟ فعدلوا إلى منزله وأنزلوه في البئر، فلما رأى الكبش ناداهم وقال: يا هؤلاء! هل كان لصاحبكم قرن؟ فضحكوا ومروا.

ومن حمقه أن أبا مسلم صاحب الدولة لما ورد الكوفة قال لمن حوله: أيكم يعرف جحا فيدعوه إلي؟ فقال يقطين: أنا ... ودعاه، فلما دخل لم يكن في المجلس غير أبي مسلم ويقطين، فقال: يا يقطين، أيكما أبو مسلم؟»

ثم يقول الميداني بعد ذلك: «وجحا اسم لا ينصرف لأنه معدول من جاح مثل عمر من عامر. يقال جحا يجحو جحوا إذا رمى، ويقال: حيا الله جحولك؛ أي وجهك.» •••

وجحا هنا، كما وصفه الميداني، شخصية مفهومة متناسقة، لعل الخبر الذي جاء عن أبيه في خلال الكلام عنه يفسر بالوراثة ما فيه من خلة الحماقة؛ لأن جحا لم يصنع شيئا يزيل الشبهة في أمر القتيل بنقله من الدهليز إلى البئر، وأباه لم يصنع شيئا يزيل الشبهة بوضع الكبش في مكانه، وكان لكل منهما مندوحة عما صنع لولا الحماقة في الأب وفتاه.

أو لعل الخبر عن اشتهار اسم جحا حتى سمع به أبو مسلم يفسر لنا وضع الروايات عنه بين الفرس أو اعتباره بينهم علما على البلاهة والفكاهة يسندون إليه ما شابه نوادره من الفكاهات الفارسية، فليس في خبر جحا هنا غرابة بما نسب إليه أو نسب إلى غيره، ولك أن تقبل هذا الخبر دون أن تحتاج بعده إلى توفيق أو تأويل.

ولكنك تقرأ عن جحا في غير كتاب الأمثال فلا ترى كتابا واحدا يستغني عن شيء من التوفيق والتأويل، لغرابة الأخبار التي ترامت عنه وتلقفها الرواة فحاروا كيف يضعونها في موضعها بين أخبارهم ومن تروى عنهم تلك الأخبار.

ومن الإطالة على غير طائل في غرضنا من هذه الرسالة أن نحيط بكل ما وصف به جحا في كتب الأدب العربي، فإن المحصل منه كله أنه تناقض لا يستقر على قرار، ولكننا نجتزئ بما كتبه ابن الجوزي إذ يقول في أخبار الحمقى والمغفلين إنه - أي جحا - «روي عنه ما يدل على فطنة وذكاء، إلا أن الغالب عليه التغفيل، وقد قيل إن بعض من كان يعاديه وضع له حكايات. وعن مكي بن إبراهيم: رأيت جحا رجلا كيسا ظريفا، وهذا الذي يقال عنه مكذوب عليه، وكان له جيران يمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه.»

Page inconnue