ولو أنهم فوجئوا بنابليون يحاصرهم في مؤتمرهم ويهددهم لساعته في أرواحهم أو عروشهم لما ضحكوا كما ضحكوا وهم آمنون في تلك الساعة.
إلا أن هذا لا ينفي أن المفاجأة مضحكة، وأن السامع البعيد يضحك منها وإن لم يضحك منها الساسة والأمراء المحاصرون لاشتغال شعورهم بالخطر القريب؛ ولهذا يبقى عنصر المفاجأة قائما في تفسير أسباب الضحك. ويختلف الأمر بحسب الضاحكين في الشعور بالخطر ساعة المفاجأة، فمن كان قريبا شغله الخوف عن الضحك، ومن كان بعيدا لم يشغله عنه خوف عاجل يغطي على شعوره في تلك الساعة.
ويتساوى في هذا الشعور بالضحك والشعور بالجمال والشعور باللذة، فلو كان المعروض على مؤتمر الساسة فتنة من فتن الزهرة ربة الجمال وحاصرهم العدو المهدد لحياتهم؛ لشغلهم الخطر عن الشعور بذلك الجمال الفتان، ولو كانت مائدة طعام جمعت ما لذ وطاب بين أيديهم ثم حوصروا ذلك الحصار لشغلهم الخطر كذلك عن طلب الطعام اللذيذ وعن طلب القوت.
فلا يلزم إذن أن نقول إن الشيء المضحك هو الشيء المشوه الذي لم يبلغ درجة الإيلام؛ لأن بلوغ درجة الإيلام يعطل كل شعور ولا يعطل الشعور بالمضحكات دون سواها.
وصحيح - بعد هذا - أن نجمل التفسيرات جميعا فنقول إن الضحك ينجم عن مفاجأة تتحول بالفكر وبالشعور عن مجراه، وإن الاختلاف بين السخرية والاستهزاء والدعابة والفكاهة لا يلجئنا إلى البحث عن اختلاف في أنواع الضحك؛ لأنه هو في لبابه اختلاف بين الضاحكين.
الفصل الرابع
الضحك في الكتب الدينية
في القرآن الكريم
لا يتقابل شعوران من طرفي التعظيم والاستخفاف كما يتقابل الشعور بالمقدس والشعور بالمضحك في النفس البشرية.
ولا يوجد لنا مرجع نعتمد عليه في هذه المقابلة الواقعية أولى بالرجوع إليه من الكتب المقدسة، ولا سيما الكتب التي تسوق العبرة من القصص والأمثال وتروي الأخبار عن الضحك والضاحكين من مختلف الطبائع والأمزجة وفي مختلف المناسبات.
Page inconnue