وقبل أن نأخذ في تلخيص آراء أفلاطون وأرسطو لا ننسى من السابقين لهما في تاريخ الفلسفة اليونانية اسمين متناقضين كان كلاهما مادة من مواد الضحك وشاهدا من الشواهد التي يسوقها المعنيون بتعريفاته وتقسيماته، وهما الفيلسوف هيرقليطس المولود في القرن السادس قبل الميلاد، والفيلسوف ديمقريطس المولود في القرن الذي يليه.
فالأول كان يلقب بالفيلسوف الباكي؛ لأنه كما زعموا كان دائم البكاء لا ترقأ له عين ولا يبتسم له ثغر، ولا يزال ناعيا على قومه سوء ما صنعوا وما يصنعون في أمورهم العامة والخاصة.
والثاني كان يلقب بالفيلسوف الضاحك؛ لأنه كما زعموا كان دائم الضحك لا يكف عن الابتسام أو القهقهة ولا يكرثه خطب من الخطوب جل أو هان.
وقد قال جوفنان الشاعر اللاتيني الساخر إن العجب لهيرقليطس أعظم من العجب لزميله، فإن دوام الضحك - صحيحا أو متكلفا - لا يشق على أحد يريده، وأما العجب كله فمن ذلك الفيلسوف الذي يجد في عينيه معينا لا ينضب من الدموع، ويحزن جدا أو يتكلف الحزن تمثيلا ولهوا حيثما وجد مع الناس.
والقصة كلها «مزدحمة» بشواهد الضحك ومعارض البحث في حقائقه وأكاذيبه.
فمن من الرجلين يا ترى أدعى إلى الضحك عند الناظرين إليه؟
أنضحك من دائم البكاء أم نضحك من دائم الابتسام والقهقهة؟
يخيل إلى الأكثرين أن الرجل الذي لا ينقطع بكاؤه أدعى إلى الضحك من الرجل الذي لا ينقطع ضحكه وابتسامه، وأنهما - بعد - موضوع صالح جدا للدعابة والسخرية.
وأول ما يرد على الذهن من أسباب ذلك أن الضحك الدائم والبكاء الدائم كلاهما غير معقول.
وهنا نذكر أن الإنسان حيوان ناطق وحيوان ضاحك، وأنه استأثر بالنطق وبالضحك؛ لأنهما مقياسان مشتركان للعقل وللمعقول ... وهنا نذكر أيضا أن النكتة وسيلة لإظهار الخلل المنطقي وأن كل الفرق بينهما أن النكتة تفاجئنا بإظهار الخلل وأن الدليل المنطقي يسترسل في إظهاره بغير مفاجأة.
Page inconnue