ثانيا:
هناك فوارق كبيرة بين تكلفة النقل بالنسبة للوسائل المختلفة، والقاعدة العامة هي أن اتساع حجم الوسيلة وزيادة استيعابها للحمولات المنقولة تعمل على تخفيض أسعار النقل، ولما كانت وسائل النقل المائي عامة أكبر حجما فإنها بالضرورة أرخص كثيرا في أجور النقل، ويكفي أن تعرف أن النقل الجوي يكلف مائة ضعف أو أكثر بالمقارنة بالنقل المحيطي، وأن النقل الحديدي يكلف حوالي ربع تكلفة النقل البري، وهذا يفسر لنا الأهمية الضخمة للنقل البحري العالمي، ويوضح اعتماد التجارة العالمية على هذا النوع من النقل اعتمادا أساسيا، وبالمثل نرى أهمية النقل الحديدي بالمقارنة بالنقل البري، إلا في حالات خاصة. وكذلك تتضح أهمية النقل النهري الداخلي حتى بالمقارنة بالنقل الحديدي.
ثالثا:
إن الانخفاض المذهل في تكلفة النقل بالنسبة لسفن البحيرات العظمى الأمريكية يوضح لنا كيف أن وسائل النقل الخاصة بسلعة معينة يمكن أن تؤدي إلى هذا الاقتصاد الهائل في تكلفة النقل، فسفن البحيرات العظمى الأمريكية تتخصص في نقل خام الحديد من مناطق الإنتاج حول بحيرة سوبيريور إلى مناطق الصناعة الثقيلة حول بحيرة إيري. وكذلك هناك سفن خاصة تنقل الحبوب في البحيرات العظمى في الاتجاه نفسه؛ أي من مناطق الإنتاج في السهول الأمريكية الوسطى إلى مناطق الاستهلاك الضخمة داخل نطاق الصناعة والخدمات في شمال شرقي الولايات المتحدة وشرقي كندا، وفي مقابل ذلك تنقل السفن الفحم من موانئ بحيرة إيري إلى البحيرات الغربية. ولا شك أن تكلفة النقل في ناقلات البترول الخام والمكرر، وأنابيب نقل البترول والغاز الطبيعي، وأسلاك الكهرباء، وغيرها من وسائل النقل الخاصة، تؤدي بدورها إلى تكلفة نقل شديدة الانخفاض.
وإلى جانب هذه الحقائق النسبية التي توضح أثر التكلفة في نمو شكل أو أشكال من نمط التجارة الداخلية أو الدولية، فإن هناك عوامل أخرى غير أجور النقل، تتحكم أو تساعد على اختيار السلع لوسائل نقل معينة. وبعبارة أخرى فإن تكلفة النقل ليست كل شيء في عمليات النقل.
والتأمين هو من بين العناصر التي تلعب دورا هاما في رفع أو خفض تكلفة النقل؛ ذلك أن كل السلع المنقولة - بما في ذلك وسيلة النقل - مؤمن عليها من قبل شركات التأمين المختلفة، محلية كانت أو عالمية، وتمثل شركة اللويدز أكبر شركات التأمين في النقل البحري، ومما لا شك فيه أن ارتفاع قيمة التأمين أو انخفاضه يمكن أن يؤدي إلى تغير في جملة تكلفة النقل، وبذلك يلعب التأمين دورا منافسا بين شركات ووسائل النقل المختلفة.
ومن المعروف أن أجور النقل ترتفع كلما كانت مسافة النقل طويلة، لكن الملاحظ أن هذه الأجور لا ترتفع إلى ما لا نهاية، بل نجد نسبة تزايد الأجور تأخذ في الانخفاض بعد مسافة معينة، تحسب لكل وسيلة نقل في كل بيئة جغرافية واقتصادية وحضارية حسابا خاصا، ومعنى ذلك أن منحنى الأجور الخاصة بالنقل يأخذ في الانخفاض تدريجيا، ولا يزيد زيادة مطردة كلما طالت مسافات النقل، ولو كان الأمر غير ذلك لشكلت أجور النقل عبئا على التجارة لا تحتمله السلع التي تسوق في أماكن بعيدة عن مراكز إنتاجها.
ومع ذلك كله، فإنه يمكن التحكم في أسعار النقل بحيث لا تشكل إضافة خطيرة لسعر السلعة، وبذلك يصبح النقل أداة هامة من أدوات تخطيط الإنتاج السلعي وتوجيه حركته نحو السوق. ومن أهم طرق التحكم في أجور النقل تخطيطه في كل منطقة بحيث يصبح مرتبطا بوسيلة نقل معينة، أو إنشاء وسائل نقل خاصة بسلع معينة؛ مما يؤدي إلى خفض التكلفة كثيرا، وذلك برغم ما يتكلفه بناء الوسائل الخاصة في النقل من رأسمال تأسيسي، لكن العائد الاقتصادي في النهاية أكبر من النقل المشترك.
ومن الأمثلة القريبة للذهن أن الشحن بالقطارات أو السفن أو الطائرات المخصصة لركوب الناس أعلى أجورا من الشحن في قطارات البضائع أو السفن والطائرات المخصصة للشحن فقط. وكذلك الحال في نقل خام الحديد أو الحبوب أو الرمال في ناقلات مائية خاصة أرخص اقتصاديا من نقلها في سفن عادية، وبالمثل يصدق ذلك على نقل البترول في سفن خاصة، أو أنابيب، والأمثلة كثيرة: الغاز الطبيعي، والتيار الكهربائي من بين أمثلة أخرى كثيرة. (5) نظريات في مواقع الإنتاج والسوق وتكلفة النقل
نظرا للدور الذي يلعبه النقل في تسويق المنتجات أيا كانت، زراعية أو تعدينية أو صناعية، فإن كثيرا من الكتاب قد تكلموا عن نظريات خاصة بأثر النقل في التسويق، وبذلك تحديد مواقع الإنتاج الأولي والثنائي بالنسبة للأسواق. وفيما يلي عرض موجز لبعض هذه النظريات: (5-1) حلقات فون تونن
Page inconnue