لا شك في أن استخدام الحيوان في الحمل قد تلا الإنسان كوحدة حمل بآلاف السنين، ولقد ترتب على اكتشاف الإنسان لهذه الميزة عند الحيوان أثر كبير في النقل من حيث الحمولة والسرعة. ولا شك أيضا في أن استخدام الحيوان للنقل كان أسبق من فكرة استخدامه لجر الزحافات أو العربات.
وللحيوان في النقل مرونة مشابهة لمرونة الإنسان من حيث إنه لا يحتاج إلى طرق معينة للسير؛ ومن ثم يمكن أن ينتقل أفقيا في أي مكان تحدده له ظروفه المؤهلة له. في المناطق القطبية لا يمكن لغير الرنة والكلاب السير والحمل أو جر الزحافات وإن كان استخدامها في الحمل محدودا جدا لظروف تكوينها الجسدي، وفي الهضاب العالية لا يمكن إلا للياك في التبت واللاما في الأنديز السير والحمل دون الجر للوعورة البالغة في هذه الهضاب. والجمل العربي أكثر الحيوانات التي يمكن أن تستخدم للحمل في المناطق الصحراوية الأفريقية العربية ذات المسطحات المنبسطة والتضاريس السهلة نسبيا، بينما يسير بصعوبة في المناطق الصخرية مثل جبال تبستي وهضبة الحجاز وغيرهما من الهضاب في الصحراء الكبرى. أما الجمل البكتيري (ذو السنامين) فقد تأقلم على الصحاري الباردة والمناطق الوعرة الصخرية في وسط آسيا وهضاب إيران وأفغانستان وسنكيانج ومنغوليا، ويمكن للجمل أن يجر عربات، لكن ذلك يعتبر أمرا شاذا ونادرا، وخاصة في النطاق الأفريقي العربي الجاف.
أما الحصان والحمار والبغل فحيوانات حمل غير متخصصة بأقاليم محدودة، وإن كان الحمار لا يتوغل كثيرا في المناطق الباردة والحارة كما يحدث للحصان على وجه الخصوص. وهذه الحيوانات الثلاثة هي أكثر أنواع الحيوان قابلية للحمل والجر معا، وليس للحمار جهد كبير في النقل خارج الأراضي المنبسطة، بينما البغل أكثر هذه المجموعة قدرة على الحمل في المناطق الوعرة شديدة الانحدار، ويشاركه الحصان نسبيا في هذه الصفة، وهو إلى جانب ذلك يتفوق على الحمار والبغل بالسرعة العالية.
وأخيرا فإن الأبقار والجاموس تستخدم كحيوانات حمل - ونادرا كحيوانات جر - في المناطق المدارية الرطبة والمناطق الزراعية المدارية عامة. كما أن الأبقار تستخدم أيضا للحمل عند رعاة السفانا الأفريقية، وفي جنوب وجنوب شرق آسيا يستخدم الفيل المستأنس في حمل الأشخاص وجر أو دفع الأشياء الثقيلة كجذوع الأشجار المقطوعة. وقد أمكن أيضا استخدام أعداد قليلة من الفيل الأفريقي - لكن بدرجة أقل - في مثل هذا العمل في غابات الكنغو.
هذه التخصصات الإقليمية لحيوان الحمل والجر تجعل مرونته محدودة نسبيا بالقياس إلى مرونة الإنسان، لكنها ساعدت على نقل بضائع أكثر مما كان يستطيعه الإنسان.
ذلك أن مسطح الحمل عند الحيوان - بطبيعة تكوينه الجسدي ووقوفه على أربع - أكبر بكثير من مسطح الحمل عند الإنسان. فضلا عن ذلك فإن القوائم الأربع للحيوان تمكنه من حمل أوزان أكبر من قائمتي الإنسان، كما تعطي الحيوان ثباتا واستقرارا أكثر على الأرض.
وفي الوقت ذاته تتحدد سرعة الحيوان بظروف تكوينه الجسدي، كما تتحدد أيضا بوزن حمولته وطبيعة الأرض التي يسير عليها، وباستثناء الوعورة والانحدارات فإنه ليس لنوع الأرض والمناخ تأثير مماثل لما لهما على الإنسان، وذلك راجع إلى تخصص كل حيوان في إيكولوجية خاصة لا تتعداها استخداماته بواسطة الإنسان، وإلا فقد ميزاته كأداة للنقل؛ هذا إذا استطاع التأقلم خارج إيكولوجيته.
وقد أمكن للإنسان أن يزيد من قدرة الحيوان على الحمل بطريقة مماثلة لبعض مبتكراته في زيادة ما يحمله هو، وأكثر هذه الطرق شيوعا استخدام عصا تثبت على ظهر الحيوان بطرق مختلفة ويرتبط بطرفيها أنواع مختلفة من الأوعية المجدولة أو الشباك لتزيد الحمولة المنقولة.
وبرغم التطور الكبير في النقل، إلا أن استخدام الحيوان في الحمل ما زال شائعا في معظم أجزاء العالم، وخاصة العالم المتخلف، هذا بالإضافة إلى أن غالبية المناطق الزراعية حتى في البلاد المتقدمة لا تزال تستخدم الحيوان. كما أن الحيوان في معظم جهات العالم - باستثناء الرنة والكلاب والياك واللاما - يستخدم كحيوان ركوب بدرجات متفاوتة.
ولا شك في أن استخدام الحيوان في جر العربات بأشكالها المختلفة هو الدعامة الأساسية لبقاء الاعتماد عليه في عمليات النقل المحدودة المسافات في كل جهات العالم. ويرجع ذلك إلى أن وزن الحمولة التي يمكن أن يجرها تزيد عدة مرات عما يستطيع أن يحمله، كما يرجع أيضا إلى مرونة الحيوان والعربات التي يجرها في الانتقال داخل أراض لا تدخلها السيارات، وخاصة الحقول التي تضيق فيها الطرق ولا تسمح مواصفاتها الترابية أو الطينية بدخول سيارات النقل إلا بصعوبة ومخاطرة. (2-3) العربات كوحدة نقل
Page inconnue