Géographie politique et géopolitique
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Genres
وفي الوقت الحديث كان للطريق أهميته أيضا، فكولمبيا البريطانية لم توافق على دخول الاتحاد الكندي إلا بشرط ربطها بطريق إلى أوتاوا، وكاليفورنيا لم ينجح ضمها إلى الولايات المتحدة إلى بعد إنشاء سكة حديد «وسترن يونيون» - اسم الشركة والخط ذو دلالة على الهدف الاتحادي الغربي.
وفي آسيا أنشئت خطوط عابرة رئيسية؛ فسيبيريا والقوقاز وقزوين وأرال كان لها دور استراتيجي اقتصادي لتدعيم النفوذ الروسي وتكوين الاتحاد السوفيتي وتدعيم جمهورية روسيا الاشتراكية، وفي المستعمرات أيضا سعت الدول إلى تدعيم وحدة داخلية للمستعمرة بواسطة الطرق الحديدية التي خلقت مشاعر جديدة لدى السكان المختلفين بالانتماء إلى وحدة سياسية معينة فساعدت بدون شك على نشوء الدول الجديدة، وانفصالها عن بعضها رغم أنها تكون أجزاء من وحدات اقتصادية أوسع وأعم كما هو الحال في معظم دول أفريقيا الجديدة. (6-3) مهام التنظيم الداخلي للدولة
وإلى جانب ذلك تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة مقدار مجهودات الدولة الداخلية من ناحية فرض نوع معين من الوحدة على الأقاليم التي تضمها حدودها بحيث تصل إلى أقرب الصور من الوحدة الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، كذلك تهتم بدراسة مجهودات الدولة الخارجية، وهي العمل على ولاء سكان أقاليمها المختلفة لها، وتجعل هذا الولاء يطغى على ما قد يشعر به سكان هذه الأقاليم أحيانا من روح إقليمية ضيقة؛ إذ نادرا ما تقتصر الدولة - الوحدة السياسية - على إقليم يسوده التجانس؛ لذا يتطلب من الدولة بذل الجهود لإنشاء وتوطيد أسس الوحدة الوطنية بين أقاليمها المختلفة، وكثيرا ما تقابلها في ذلك مشاكل قد تكون مشاكل طبيعية كوجود جبال أو صحارى أو تباعد أطرافها أو مناطق خالية من السكان، أو مشاكل بشرية مثلا كتعدد النواحي الاجتماعية الثقافية والتاريخية واللغوية والدينية، وتعتبر المشاكل الاقتصادية أبسط من بقية المشاكل الطبيعية أو البشرية الأخرى.
وأهم المشاكل التي تقابل الدولة هي الوحدة السياسية، فالدولة ليست منطقة ذات حدود سياسية اتخذت لها اسما، واحتلت لها مركزا في مصاف الدول، واعترف بها المجتمع الدولي فحسب، ولكنها وحدة تنشأ وتتبلور بفضل توافر عدد من القوى التي تعمل على توثيق العلاقات بين جهاتها المختلفة، وفي مقدمة هذه القوى فكرة الدولة أو سبب قيامها، ومن هنا ذكر راتزل أنه يجب دراسة الفكرة الفريدة المتميزة التي تكمن وراء قيام أو بقاء أي منطقة من الأرض عامرة بالسكان في صورة دولة.
وعلى الجغرافي أن يتتبع مدى تغلغل هذه الفكرة، فقد تشيع في جزء أو عدة أجزاء من الدولة أو تشمل جميع أنحاء الدولة، فحين يشعر سكان منطقة معينة بأن لهم قيما مشتركة في نواح خاصة بهم، ويرون أنه للمحافظة على هذه القيم - بل ونشرها - يجب أن يتحدوا في شكل دولة متحدة ذات حدود سياسية تفصلها عن جيرانها، وتتحول الوحدة السياسية إلى دولة قوية، وقد تؤدي الرغبة في التخلص من الحكم الأجنبي إلى إنشاء دولة بظهور الروح القومية فيها، أو يحدث العكس بحيث إن ظهور الدولة يسبق وجود الروح القومية بين سكانها، والمثال على الحالة الأولى هو أيرلندا التي طالبت بإنشاء دولة خاصة بها، وتمثل الدول الأفريقية الجديدة في معظمها الحالة الثانية.
وقد تختفي الدولة ولكن تظل الروح القومية موجودة بعد اندثارها كما حدث في بولندا، والواقع أن الروح القومية أو الشعور بالوحدة قد لا يشكل كل أجزاء الدولة التي تعينها الحدود السياسية، وهكذا يمكن أن نتعرف على مقومات القومية في منطقة ما أو بمعنى آخر على الأسباب التي أدت إلى قيام الوحدة بين أجزاء الدولة، ثم ندرس مدى تغلغل هذه الروح القومية في أقاليم الدولة المختلفة فنميز بين حدود الدولة وحدود القومية أو الشعب الذي يحس بالروح القومية فيه. ويتصل بهذا الموضوع محاولة البعض تتبع منطقة المركز أو الوسط والدور الذي لعبته في الدولة لا في تكوينها وامتدادها فحسب، بل ظهور وتأصل الروح القومية في جهاتها المختلفة، ولكن ليس من الضروري وجود هذه المنطقة المركزية؛ فأحيانا تتقاسم هذه الوظيفة مراكز متعددة كما في الولايات المتحدة أو تكون مركزا ضعيفا كما في مدريد، ولا يغني ذلك عن ظهور روح الانفصال في المناطق التي تجتذبها هذه المناطق المركزية، ومن ثم نلاحظ أن بعض الدول وحكومتها المركزية تقدر مدى التفاوت في مصالح أجزاء الدولة المختلفة فتعمل على الاعتراف في دستورها بنظم خاصة لكل منطقة حتى تتيح للدولة البقاء والاستقرار، مثل إقليم كويبك في كندا.
هوامش
الفصل السادس
حياة الدول
(1) مقدمة
Page inconnue