Géographie politique et géopolitique
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Genres
وبرغم ذلك كله فإن أفكار سيادة أوروبا القارية لم تتزعزع.
وقد رفض الجغرافي بطليموس فكرة أن هناك محيطا كاملا من البحار حول الجزيرة الأرضية، وجعل الأرض تمتد شمالا وجنوبا وشرقا في أراض مجهولة، وكان الجغرافيون القدماء عامة يتخذون مظهرا طبيعيا واحدا على أنه حد لإقليم من الأقاليم، فقد قسم هيرودوت آسيا إلى أشباه جزر
actae
واستخدم الخلجان حدودا، وفضل سترابو أن يستخدم الفواصل الأرضية حدودا كبرزخ السويس بين آسيا وليبيا، وطوروس بين آسيا وأوروبا.
لكن الجغرافي الروماني بليني
«الكبير» رسم صورة جيوبوليتيكية فريدة للإمبراطورية الرومانية، متخذا طرق الحركة البرية والبحرية لتحديد الإمبراطورية، وأوضح أن روما تمد نفوذها الإقليمي في اتجاهات مختلفة حول البحر المتوسط في صورة اتفاق متكامل مع امتداد الطرق الرومانية، وفي بعض الأحيان تنتهي هذه الطرق إلى عائق نهري مثل نهر الراين أو الدانوب أو الفرات والنيل، وعلى هذا النحو تصبح نهايات نظام الطرق الرومانية إطارا يحدد الدولة من أطرافها القصوى، بينما هناك إطار آخر داخلي متمثل في طرق الملاحة في البحر المتوسط التي سيطرت عليها روما تمام السيطرة طوال مجدها .
وفي العهد الإسلامي نجد الجغرافيين العرب يهتمون أساسا بالجغرافيا الوصفية والإقليمية والفلكية ورسم الخرائط، ولكن في إطار الجغرافيا الإقليمية لكل دولة أو إقليم على حدة كانت تبرز المعالجات المختلفة القدر لموضوعات الجغرافيا السياسية. وعلى وجه العموم فإن النظرة الجيوبوليتيكية العربية والإسلامية كانت تقسم العالم المسكون - وهو النصف الشمالي من الأرض - إلى قسمين رئيسيين هما أوروبا في الشمال وأفريقيا وآسيا في الجنوب، وهم في الحقيقة لم يميزوا بين أفريقيا وآسيا، بل اعتبروها كتلة قارية واحدة. ويفصل بين هذين القسمين البحر المتوسط والأسود، ويقتربان في منطقتي جبل طارق وبحر مرمرة، وقد قوى هذا التقسيم انقسام حضاري مماثل: عالم إسلامي عربي الطابع في معظمه يقوم في جنوب وشرق هذا البحر، وعالم مسيحي أوروبي في شمال هذا البحر، والاستثناء الوحيد كان الخلافة الإسلامية في إسبانيا.
وعلى هذا النحو كانت الأفكار الجيوبوليتيكية العربية عامة موجهة نحو السيطرة القارية السياسية، والسيطرة التجارية - البحرية والبرية إلى المحيط الهندي وشرق آسيا ووسطها وأفريقيا الزنجية - على الهوامش، وبهذا نستطيع أن نقول إن ثمة اختلافا بين الإمبراطورية الإسلامية في أوجها والإمبراطورية الرومانية في أوجها، ولكن هذا الاختلاف يرتبط بموقع القلب والتوجيه القاري، فروما كانت ترتكز على القارة الأوروبية والبحر المتوسط، بينما كانت مدينة بغداد ترتكز على العالم الأفروآسيوي والمحيط الهندي، وبذلك كانت القاعدة الإسلامية كبيرة وامتداداتها الأرضية شاملة لمسطح أرضي وبحري واسع بالمقارنة بروما. وفيما عدا هذا الاختلاف فإن الطرق البرية والبحرية الإسلامية كانت عصب الامتداد الإمبراطوري في كل اتجاه، وكانت الكتلة الأرضية الوسطى هي الحلقة التي تكون الإطار الداخلي للإمبراطورية الإسلامية، وحدود هذه الكتلة كانت جبال طوروس وهضبة أرمينيا وجبال القوقاز وبحر الخزر - قزوين - في الشمال، وساحل البحر المتوسط الشرقي والجنوبي حتى برقة في الجنوب، ثم الإطار الصحراوي الذي يحف ببرقة ومصر، والبحر الأحمر والقرن الأفريقي والبحر العربي حتى بلوخستان في الغرب والجنوب، بينما كانت أطراف السند وخوراسان وما بين النهرين تكون الحدود الشرقية لهذا القلب الداخلي، وإلى جانب ذلك كانت هناك حدود أخرى تمثل الحلقة الخارجية للعالم الإسلامي تمتد غربا إلى إسبانيا وشمال غرب أفريقيا، وجنوبا حتى موريتانيا وسواحل أفريقيا الشرقية، وشرقا إلى الهند وتركستان حتى حدود الإستبس.
وأخيرا نجد النظرة الجيوبوليتيكية القارية الموجهة نحو الحضارات العليا في الشرق الأوسط والبحر المتوسط والعالم الإسلامي قد تغيرت جذريا على إثر الكشوف الجغرافية، وتحول مركز القوى إلى أقاليم الهامش الأوروبي الغربي (البرتغال وإسبانيا - هولندا - فرنسا - بريطانيا)، وذلك بعد أن اتضحت سهولة ومرونة الطريق البحري بعيدا عن التصارعات العسكرية والسياسية للدول القارية الإسلامية، وبعيدا عن متاعب النقل البري، على هذا نمت السيطرة البحرية وتسلطت على الأفكار الجيوبوليتيكية بعد نجاحها في تكوين الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية الواسعة منذ القرن 16م. (2) الفكر الجيوبوليتيكي الحديث
لقد جاءت محاولات الجيوبوليتيكا الحديثة تسير مع تطور العلوم الجغرافية، وقد كان الفيلسوف الألماني «إيمانويل كانت» أول من عالج من المحدثين هذا الموضوع السياسي العالمي، فأعرب عن اعتقاده بأن وجود «الدولة العالمية» أمر مؤسس على طبيعة الأشياء، وقد أيد هذا الاعتقاد بالأدلة التالية: (1) أن الطبيعة قد حبت الإنسان بإمكانية السكن والعيش في كل أجزاء العالم. (2) أن الطبيعة قد بعثرت الإنسان نتيجة استمرار الحروب مما أدى إلى سكن الناس في معظم الجهات القابلة للسكن. (3) وأن العاملين السابقين معا قد أجبرا الإنسان على أن ينهي حروبه دائما بعقد الصلح وإقامة السلام. ولقد رأى «كانت» أن الدولة الأوروبية دائمة الحروب فيما بينها بسبب رغبة هذه الدول في إخضاع بعضها البعض، ومن ثم فإن إيجاد اتحاد أوروبي من الدول المستقلة الحرة يمكن أن يؤدي إلى إحلال السلام في العالم «نتيجة لأن أوروبا في عصر «كانت» كانت تسيطر على أقدار العالم السياسية.»
Page inconnue