Géographie politique et géopolitique
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Genres
في أفغانستان وباكستان الحالية بما في ذلك معظم كشمير، مجموعة من الممرات الجبلية التي كونت طرقا رئيسية عبرتها عشرات المرات هجرات الشعوب وجيوش الفاتحين والغزاة، تربط بين السهول الغنية في الهند وبين وديان وواحات وسط آسيا، وتؤدي في النهاية إلى نطاق الشعوب المتحركة أبدا من التركمان والمغول، ومن ثم فإن المؤثرات التركمانية والمغولية والهندية قد تبادلت التأثير على المنطقة كلها من الهند إلى وسط آسيا بما في ذلك مناطق العبور في جبال أفغانستان وكشمير وشمال باكستان، وذلك منذ أقدم العصور، ويبدأ تاريخ أفغانستان الحديث بأحمد شاه الذي أسس عام 1747 إمبراطورية الدوراني، التي شملت أفغانستان الحالية وكشمير والبنجاب وامتدت إلى بلوتشستان على ساحل البحر.
وفي القرن 19 تنازع النفوذ الإنجليزي، الذي اتخذ قاعدته في الهند، مع النفوذ الروسي الذي استقر في وسط آسيا، على أفغانستان، بوصفها منطقة الصدام الأساسية بين النفوذين الروسي والإنجليزي حول الهند والمياه الدافئة، وفي الواقع فإن أفغانستان، بحدودها السياسية الراهنة، لم تكن وحدها مسرح المعارك بين نفوذ بريطانيا وروسيا، بل شمل الصراع كل المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى شمال باكستان - الحالية - وجنوبها، وجنوب إيران وشرقها، فهذه كلها منطقة طبيعية واحدة يتداخل فيها الأفغان والتركمان والبالوتش من وسط آسيا السوفيتية إلى سواحل مكران وبالوتشيستان على البحر العربي. ويبدأ تاريخ المنطقة الحديث من القرن الثامن عشر باستقلال أفغانستان وطرد الفرس، لكن الحرب ظلت بينهما سجالا حتى نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد كانت بعض الحروب الأفغانية الإيرانية بتحريض روسيا وبريطانيا - كما مر بنا - كحلقة من الصراع الأوروبي حول المنطقة كلها، وقد نجحت بريطانيا بعد حربين (1839-1842، 1879-1881) في فرض حمايتها على أفغانستان، وفي 1907 خرج النفوذ البريطاني بعد الاتفاق مع الروس حول مناطق النفوذ الروسية البريطانية في أفغانستان وإيران - وهو ما يؤكد أن المنطقة ككل كانت مثار الصراع بينهما - وبذلك أصبحت أفغانستان دولة حاجزة بين الهند البريطانية وتركستان الروسية، وزيادة في الفصل بين المنطقتين، أضيف إلى أفغانستان لسان أرضي طويل يعرف باسم إقليم «واخان»، يفصل بين كشمير البريطانية وتاجيكستان الروسية، ويمتد شرقا حتى يتلاحم مع حدود الصين في التبت وتركستان، (ثبتت هذه الحدود مع السوفيت عام 1948، ومع الصين في عام 1964). (2-2) القوى الأوروبية المؤثرة على الشرق الأوسط
أشرنا من قبل إلى أن القوى الأوروبية التي لعبت أدوارا محددة وواضحة على مسرح الشرق الأوسط كمنطقة مركزية في علاقات الشرق والغرب، كانت تنطلق من مواقع وأماكن مختلفة، مما أدى بها إلى اتخاذ استراتيجيات وخطوط ضغط وتحرك متباينة، وفيما يلي سنحاول - في إيجاز - أن نلقي ضوءا على مصير هذه الاستراتيجيات المختلفة خلال القرن الحالي.
ألمانيا
تمثل ألمانيا قوة أوروبية برية ذات بعد مكاني واضح عن الشرق الأوسط وقد كانت هي آخر القوى الأوروبية التي دخلت ميدان الصراع على المكان الجغرافي المميز للشرق الأوسط، ولا شك في أن تأخرها الزمني في الدخول إلى المنطقة كان - جنبا إلى جنب مع بعدها المكاني - السبب الرئيسي في فشل استراتيجياتها طوال النصف الأول من هذا القرن، كما أن دخولها صراع الشرق الأوسط القومي بعد 1950 مؤيدة لليهود، كان بدوره خطأ آخر فادحا في استراتيجياتها وتكنيكاتها السياسية في المنطقة، وتسعى الآن (1974) لتعديل موقفها المتحيز السابق في العالم العربي.
حاولت ألمانيا تعويض بعدها المكاني عن الشرق الأوسط ثلاث مرات منذ التسعينيات من القرن الماضي، وذلك بإنشاء معبر أرضي إلى الشرقي الأوسط، فهي بتزعمها حلف القوى المركزية (ألمانيا - إمبراطورية النمسا والمجر - الدولة العثمانية)، وبوصفها الحليف الأقوى عسكريا وتنظيميا بالقياس إلى ضعف وتدهور النمسا وتركيا، كانت تريد أن تمد قوتها في صورة إسفين أرضي قوي من وسط أوروبا إلى الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر، ووظيفة هذا الإسفين عزل روسيا عن حليفتيها بريطانيا وفرنسا، وتهديد الوجود البريطاني في أعماقه الإمبراطوري في الهند بالاستيلاء على ممرات العبور الرئيسية: قناة السويس والخليج العربي، لكن هذا الجسر البري الذي أقامته ألمانيا تعرض للتفكك والانهيار في منطقة البلقان المعادية للنمسا وتركيا معا نتيجة لنمو الروح القومية خلال القرن التاسع عشر، وتحالف اليونان مع بريطانيا وفرنسا، ومشاعر التحالف بين سلاف الصرب - يوجسلافيا - والروس، وقد كانت هزيمة الأتراك شرقي قناة السويس واحتلال الإنجليز للبصرة، والثورة العربية الشاملة ضد الحكم العثماني، والنفوذ الإنجليزي في جنوب إيران، عوامل متعددة لفشل المحاولة الألمانية الأولى في صراعها مع القوى العالمية لاحتلال الشرق الأوسط أو اتخاذه قاعدة للتأثير على مجرى صراعها من أجل السيادة العالمية ضد بريطانيا وفرنسا.
وقبيل الحرب العالمة الثانية اتبعت ألمانيا استراتيجية الحرب الأولى نفسها، ولكن بصورة موسعة، فقد بنت جسرين إلى الشرق الأوسط كان أولهما تحالفها مع إيطاليا ومن ثم ليبيا في اتجاه ضغوط برية قوية عبر البحر المتوسط إلى مصر وقناة السويس، والثاني كان عبارة عن سلسلة من الارتباطات الاقتصادية والتحالف مع المجر وبلغاريا ونوع من التحالف مع الجمهورية التركية، ثم زيادة واضحة في النفوذ الاقتصادي - ومن ثم السياسي - في كل من إيران وأفغانستان، وعلى هذا فإن التهديد الألماني في جولته الثانية من الصراع على السيادة العالمية قد تناول الشرق الأوسط مرة أخرى، كقاعدة ضد بريطانيا في المحيط الهندي (قناة السويس، وميول بعض الساسة العراقيين لألمانيا)، وضد الهند البريطانية (إيران وأفغانستان)، وتطويق الاتحاد السوفيتي من الجنوب، وفي خلال الحرب بدا كأن الصراع يميل إلى الكفة الألمانية: سوريا تحت حكومة فيشي الفرنسية الخاضعة للألمان، انقلاب رشيد الكيلاني في العراق لصالح ألمانيا، بوادر مماثلة لذلك في مصر ، القوات الألمانية الإيطالية في العلمين وعلى مشارف الدلتا، القوات الألمانية في شمال القوقاز باتجاه الشرق الأوسط في أطرافه الشمالية، ولكن ذلك الرجحان لكفة ألمانيا سرعان ما تبخر؛ لأنه قائم على مجرد الآلة الحربية الألمانية، وبعض المشاعر الودية التي يكنها سكان الشرق الأوسط تجاه ألمانيا تطبيقا للمثل الشائع «عدو عدوك صديقك»، فلم تكن هناك في الواقع أرض صلبة يقف عليها الألمان في الشرق الأوسط، وبسقوط انقلاب الكيلاني سريعا، وإنهاء حكم فيشي في سوريا ولبنان، وتنحية شاه إيران وتقسيم الدولة إلى منطقتي نفوذ عسكري بريطاني وسوفيتي، وهزيمة الجيوش الألمانية في العلمين وستالينجراد؛ تحول المد الألماني إلى جزر سريع، وتلاشى دون أن يترك أثرا في الشرق الأوسط، حتى في تركيا التي التزمت الحياد بعد أن كانت ميالة لألمانيا في مراحل الحرب الأولى للدرجة التي أقفلت معها المضايق في وجه الأسطول السوفيتي.
وأخيرا فقد ابتعد الدور الأخير الذي لعبته ألمانيا في الشرق الأوسط كثيرا عن الاستراتيجية السابقة، وأخذ صورة المساعدات الاقتصادية في بعض دول الشرق الأوسط، وخاصة في إيران، لكن أخطر أشكال الدور الألماني المعاصر هو الدور المؤيد لإسرائيل، وبافتراض أن ألمانيا - بعد نكبتها - أجبرت على دفع تعويضات خرافية لليهود، وأجبرت على أن تصبح واجهة التمويل المادي والعسكري لإسرائيل، فإن ذلك لم يكن يستدعي استمرارها - عن اقتناع - في تأييد إسرائيل ضد المصالح القومية للمجموعة الكبرى من دول الشرق الأوسط، ولسنا بصدد تفسير هذا الاقتناع الألماني وتحليل مسبباته وضغوطه الخارجية - من جانب أمريكا وبريطانيا وفرنسا - ولكن خلاصة القول أن ألمانيا الغربية قد فشلت مرة أخرى في أن تلعب دورا هاما كقوة ثالثة بين القوى الإمبريالية والاشتراكية على مسرح الشرق الأوسط، ولعل مسعاها الأخير نحو موقف موضوعي في الصراع العربي الإسرائيلي يبدأ مرحلة ألمانية جديدة في المنطقة.
فرنسا
بالرغم من أن فرنسا هي التي فتحت آفاق الشرق الأوسط كمنطقة صراع دولية منذ آخر القرن الثامن عشر، وبالرغم من جهودها النشطة في علاقات وصراعات دول الشرق الأوسط بين روسيا القيصرية وبريطانيا - سواء كان ذلك بتأييدها مصر في عهد محمد علي وإسماعيل، أو تأييدها مسيحيي الدولة العثمانية، أو محاولتها التسلل إلى إيران في أوائل القرن 18 - فإن نتائج هذه السياسة لم تجلب لها سوى القليل من المكاسب في الشرق الأوسط، تمثل في حصولها على جيب صغير - سوريا ولبنان - لفترة قصيرة - فترة ما بين الحربين العالميتين.
Page inconnue