Géographie politique et géopolitique
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Genres
إن جبال الألب لم تكن حدودا للإمبراطورية الرومانية إلا في أوقات محدودة وسرعان ما نفذ الرومان عبر ممرات الألب إلى بافاريا والنمسا، ولقد صعد عدد ملحوظ من السكان الحاملين لنوع من القومية الإيطالية جبال الألب ويعيشون فوقها في منطقة جنوب سويسرا - الرومانش - بينما هبط النمساويون في التيرول صوب السفوح المشمسة الجبلية المطلة على سهل لمبارديا الإيطالي.
وفي الواقع نجد أن هناك اختلافات كثيرة حول مسارات الحدود المتوازية مع الجبال، هل ترتفع الحدود إلى خطوط تقسيم المياه ؛ أي إلى أعالي الجبال؟ أم يمكن أن تسير الحدود بموازاة السفوح؟ وما هي المشاكل الاستراتيجية والاقتصادية المترتبة على كل منهما؟ وقد يبدو من الطبيعي أن تسير الحدود مع خطوط تقسيم المياه بحيث تضمن لكل دولة حرية التصرف في منابع أنهارها، خاصة وأن مناطق المنابع مؤهلة لتكوين مصادر عظيمة للطاقة الكهرومائية ، لكن الأمور لا تسير دائما على هذا المنوال، فالجبال ليست أراضي خالية من السكان في معظم الأحيان، ولهذا لا يمكن التصرف فيها بدون مراعاة لانتماءات السكان اللغوية والحضارية.
لكن الأمور السياسية لا تسير وفق الظروف الجغرافية الطبيعية والبشرية، بل حسب قوة الدولة في زحزحة ادعاءاتها على الأراضي، أو حسب الاتفاقات التي يمكن أن تصل إليها الدول، وإذا عدنا إلى جبال البرانس مرة أخرى نجد أنها في حقيقة الأمر لا تكون حدودا فاصلة بين فرنسا وإسبانيا، فالرعاة الذين يسكنون الجبال غالبا ما يتنقلون بقطعانهم على السفوح الشمالية والجنوبية حسب المواسم المواتية، ولهذا ظلت مشكلة حدود البرانس معلقة بين فرنسا وإسبانيا منذ عام 1659 برغم أن الاتجاه كان نحو تثبيتها على قمم الجبال - خط تقسيم المياه - وفي أواخر القرن 19 اتفقت الدولتان على ما كان سائدا منذ القرن 13؛ وهو السماح للرعاة بالتنقل على السفوح المختلفة، وبذلك فإن البرانس ليست حدا فاصلا، إنما هي منطقة اتصال حدية: تخوم. (2-2) الغابات والمستنقعات ونشأة الدول الحاجزة
تكون الغابات والمستنقعات أشكالا مختلفة من العقبات والعوائق الطبيعية ضد سهولة الاتصال عبرها، ولا شك أن المستنقعات - خاصة إذا كانت تمتد في مساحات كبيرة - تشكل عقبة كئودا أمام تقدم الجيوش الزاحفة، وبذلك فإنها تحتاج إلى تكتيك حربي خاص بها، لكن أسهل منه الالتفاف حولها إن أمكن، وبذلك فإن الحدود التي تجتاز المستنقعات إنما كانت في الماضي حدودا دفاعية جيدة، مثال ذلك حدود روسيا القيصرية في منطقة مستنقعات البريبت بينها وبين بولندا، وكذلك مستنقعات بحيرة كيوجا وما جاورها التي كونت حماية طبيعية لمملكة بوجندا القديمة من الناحية الشمالية، وهناك عشرات الأمثلة على دور المستنقعات في إقامة حدود دفاعية قوية بالنسبة لكثير من المجتمعات البدائية، وإمارات ودول العصور القديمة والوسطى، فلقد نمت القومية الهولندية وسط عشرات المجاري والمستنقعات في دلتا الراين، كما أن مستنقعات شمال الدلتا المصرية قدمت حماية طيبة للدلتا الغنية من جهة الشمال بحيث إن مصر لم يجر غزوها من الشمال إلا في حالة واحدة: الحملة الصليبية على المنصورة ودمياط التي فشلت أيضا نتيجة الدفاع المملوكي والاستعانة بمياه الفيضان معا.
وما من شك في أن تكنيك الحروب الحديثة قد وجد حلا لمعارك المستنقعات متمثلا في دبابات وسيارات من نوع خاص، وقوارب عسكرية مؤهلة للحركة في المستنقعات أيضا، لكن ذلك لا يعني أنها فقدت قيمتها تماما، ولا أدل على ذلك من أن مستنقعات دلتا الميكونج في فيتنام الجنوبية ظلت مسرحا لنشاطات الفيتكونج العسكرية طوال عشر سنوات من الحرب ضد التكنيك العسكري الأمريكي البري والجوي، المتنوع والمستفيد دائما من خبرة المعارك، ذلك أن حرب العصابات تشكل نوعا جديدا من الحروب التي تستفيد دائما من العقبات الطبيعية، خاصة الجبال والغابات والمستنقعات.
والغابات هي الأخرى عقبة طبيعية ضد حدود الاتصال، ومما يزيد هذه العقبة قوة أن الغابات في النطاق المعتدل البارد تنمو في المناطق الجبلية الوعرة القليلة الاستخدام والسكن، وبذلك تتضافر عدة قوى طبيعية على جعل مناطق الغابات حدود انفصال واضحة، ولهذا نجد الكثير من المناطق الغابية تشكل إمارات صغيرة خاضعة بصورة من الصور لحكم ذاتي يستمد قوته أحيانا من قوى أخرى مجاورة، تغذيه وتساعده على البقاء كنوع من الدول الحاجزة، وفي أحيان أخرى كانت الدولة تنشئ إقطاعا لأمراء في مناطق الحدود الغابية، ومن ثم نشأت مصطلحات قديمة بهذا المعنى مثل «مارك
Mark-March » وقد نشأت عنها ألقاب نبالة قديمة مثل المركيز (صاحب المارك) ومارك جراف (بالألمانية أيضا صاحب المارك).
فالمارك كان جزءا من إقليم الحدود ينظم دائما على أساس شبه عسكري من أجل المحافظة على الحدود، وقد نظم شارلمان وأوتو عددا من هذه التنظيمات العسكرية على الحدود لمنع الزحف السلافي إلى وسط أوروبا، وقد تطورت هذه «الماركات» فيما بعد لتصبح دولا ذات قومية خاصة توسعت في المستقبل وكونت إمبراطوريات وممالك في وسط أوروبا، ومن أهم هذه «الماركات» مارك براندنبرج الذي كان نواة الإمبراطورية البروسية والقومية الألمانية، ومن الماركات الأخرى بوهيميا، مورافيا (في تشيكوسلوفاكيا حاليا)، وصوربيا (الصرب قاعدة الوحدة اليوجسلافية فيما بعد)، ومارك بريتاني (في غرب فرنسا)، ومارك إسبانيا في جنوب فرنسا. وبذلك طوق شارلمان مملكته بإمارات حاجزة لحمايتها من الشرق والجنوب الشرقي والغرب.
ولقد تطورت فكرة «المارك» إلى فكرة المحميات في العصر الاستعماري، والمحمية هي دولة ذاتية الحكم تستند في بقائها إلى قوة الاستعمار المجاورة، وتقوم بوظيفة منع الاحتكاك المباشر مع القوى الأخرى، ومن أشهر الأمثلة على المحميات دولتا بوتان وسيكيم، اللتان تفصلان جانبا من الحدود الهندية مع التبت، فقد ظلتا محميتين بريطانيتين، وبعد استقلال الهند ظل هناك مندوب هندي يساعد في تصريف الأمور، وعلى هذا النحو يمكن أن نفسر بقاء سيام (تايلاند حاليا) دولة حاجزة بين النفوذين الاستعماريين الإنجليزي (في بورما) والفرنسي (في الهند الصينية: فيتنام وكمبوديا ولاووس حاليا). وبالمثل كانت نشأة دولة أورجواي على مصب لابلاتا اتفاقا بين النفوذين الإسباني (في الأرجنتين) والبرتغالي (في البرازيل) لمنع الصدام بينهما في هذه المنطقة الحساسة، كذلك كان إنشاء المنطقة المحايدة بين الكويت والمملكة السعودية عازلا دون احتكاك مصالحهما.
وفكرة المناطق المحايدة أو الحاجزة فكرة قديمة مارستها الجماعات البدائية كما سبق أن ذكرنا، فعند المجتمعات البدائية كانت الحدود عبارة عن مناطق غير مأهولة بين مناطق الاستقرار والتجمعات البشرية، وبذلك فإن هذه الحدود تشابه مناطق اللامعمور بين الدول - الشقة الحرام - وهي على هذا النحو لم تكن خطوط اتصال على الإطلاق، بل نطاقات فصل، فحيث ينتهي السكن تنتهي حدود المجتمع، وقد أخبرنا الرحالة الألماني بارث وغيره من الذين جابوا أفريقيا خلال القرن التاسع عشر أن مناطق اللامعمور هي حدود الجماعات، وفي خلال فترات الحروب تمتد هذه النطاقات الحاجزة مسافات أوسع كنوع من نطاقات الأمان كانت تصل أحيانا إلى أكثر من مائة كيلومتر اتساعا، مثلا تلك التي توجد بين دولة الفولاني وبورنو في شمال شرق نيجيريا، أو بين الأزاندي والبونجو في السودان الجنوبي، وفي اسكندنافيا كانت حدود السلاف والجرمان والفن مماثلة للحدود الموجودة في أفريقيا، كما كانت حقول الثلج الشاسعة تفصل بين السويد والنرويج، وإلى الشمال من تروندهايم كانت الأرض في أقاليم ترومز ونورلاند ولابلاند تعد أرضا مشتركة بين النرويجيين والسويديين والروس، وكان اللاب المتنقلون يدفعون ضرائب صغيرة لهذه الدول الثلاث، وقد ظلت هذه المساحات الواسعة بدون سكان مستقرين حتى القرن السابع عشر حينما استقرت جماعات من الفن في نورلاند، وهكذا نجد عنصر الفن واللاب يتداخل بين السويد والنرويج اللتين لم تتفقا على حدود فاصلة بينهما إلا في عام 1751، كما خططت الحدود بين النرويج وروسيا في عام 1862.
Page inconnue