Géographie politique et géopolitique
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Genres
وقد كان فريدريك راتزل من أوائل الجغرافيين المحدثين الذين تناولوا مشكلة تعريف الحدود، وفي كتابه «الجغرافيا السياسية» (1895) ذكر راتزل عدة إيضاحات لهذه المشكلة، فهو يقول: إن نطاق الحدود هو الحقيقة الواقعة، أما خط الحدود فليس سوى تجريد لهذا النطاق (ص538). ويقول أيضا: في مناطق الحدود يقع جزء كبير من ثقل التوازن السياسي (ص584). وفي مكان ثالث يؤكد أن نطاق الحدود هو المكان الذي يشير إلى نمو أو تقلص الدول، ففي الدول القوية يظهر ارتباط وثيق بين نطاق الحدود وقلب الدولة، فإن أي ميل إلى ضعف هذا الارتباط يؤدي إلى ضعف الدولة وإلى خسارة جزء من أراضيها، وعلى الدول أن تسعى إلى الحصول على أقصر خطوط للحدود لأنها أقواها وأحسنها، وأن تقيم استحكامات عسكرية على طول مناطق الحدود، ويدعم هذا التدبير باتخاذ الجبال والأنهار مناطق للحدود.
لكن راتزل لم يغفل مقومات أخرى للحدود الجيدة، فإلى جانب ارتكاز الحدود على بعض الظاهرات الطبيعية يتكلم راتزل عن نوع السكان والموارد المتاحة والبناء السياسي داخل الدولة كمقومات للحدود الجيدة، وقد كان راتزل يسوق نهضة ألمانيا السياسية وتغير حدودها وتوسعها كمثال للحدود المتغيرة تعبيرا عن نظريته العضوية للدولة [راجع القسم الأول الفصل الثاني: مناهج الدراسة في الجغرافيا السياسية].
وقد ظهرت في الكتابات اللاحقة لراتزل نقاط ضعف في النظرية العضوية للدولة، لكن من المدهش أن الكثير من مفهومات راتزل عن الحدود بقيت دون أن تهدم، ولعل ذلك راجع إلى أن راتزل حاول أن يؤسس قوانين خاصة لنمو وسلوك الحدود، ولا شك أن تعميم مثل هذه القوانين أمر خاطئ، فكل حد سياسي له ظروفه وخلفيته مما يجعله ظاهرة خاصة، ومع ذلك فإن قوانين راتزل عن الحدود يمكن أن تطبق على بعض الحدود بشيء كثير من الصحة.
ومن أمثلة قوانينه التي يمكن أن تطبق على كثير من الحدود قوله: إن القانون العام لنمو «المكان» التاريخي هو أن حدود المنطقة الأكبر تنمو على حساب حدود المنطقة الأصغر، وكذلك قانونه القائل: إن تطور الحدود هو السعي إلى تبسيطها، وإن التبسيط هو السعي إلى تقصير «أطوال» خط الحدود، ولا شك في صحة هذه القوانين، فالخط المتعرج المتداخل طويل ضعيف، بينما الحد القصير أقوى في الدفاع والهجوم.
وقد أيد عدد من الكتاب أفكار راتزل في عدد من النقاط، وخاصة تلك التي تفصل بين نطاق الحدود وخطوط الحدود، وفي ذلك قالت ألين سمبل (1911): إن الطبيعة تكره خطوط الحدود والانتقالات الفجائية، بل إن كل القوى الطبيعية تتكاتف ضد مثل هذه الخطوط ... وإذا حدث فاصل طبيعي لسبب من الأسباب فإن القوى الطبيعية تبدأ على الفور في إزالة هذا الخط بخلق أشكال انتقالية وبذلك تنشئ منطقة الحدود، وكذلك قال الكولونيل ت. ه. هولديك (1916):
2
الطبيعة لا تعرف خط حدود، وحقا إن للطبيعة تخومها - نطاقات انتقال - لكنها تكره الخطوط، وخاصة الخطوط المستقيمة.
وإلى خبير الحدود المعروفة اللورد كرزون يرجع الفضل في التمييز بين «الحدود الطبيعية» - وهي تلك المبنية على مظهر من المظاهر الطبيعية - وبين مجموعة «التخوم الطبيعية»، وهي تلك التي تدعيها الأمم حدودا طبيعية بدافع من الرغبة في التوسع أو تحت إلحاح عواطف قومية، ويقول لورد كرزون إن محاولة تحقيق مثل هذه التخوم الطبيعية كانت المسئولة عن الكثير من الحروب والمآسي في التاريخ (1907).
3
وقد رأى المحامي الفرنسي ب. دي لابرادل (1928)
Page inconnue