Anciens et Modernes : études, critiques et discussions
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Genres
هكذا زعم شوقي، ولكن أيهما نسخ عن الآخر يا ترى؟ لبنان أم جنة الخلد؟! هذه مسألة تشغل حيزا من دماغي ولا أقول كبيرا لئلا أتهم بالمبالغة.
وتمرد الخيال اللبناني فحقق ظن الله بالإنسان، خلق الآلهة وسرحهم قطعانا تتصارع وتتناطح في بطاحه وعلى روابيه، وكانت بينهم حروب كالتي نشبت بين الملائكة في البدء، وكان من شروط هدنتها استعمار الشياطين للأرض.
الخيال خلعة الله السنية على من خلقه على صورته ومثاله، وهودج تنسينا زركشة سجوفه هول الطريق والمركب الوعر. إذا جردنا الإنسان من خياله أنكر ما يحيط به وأمسى كالمنبت، لا يذكر الأمس ولا يحلم بالغد.
والخيال ينمو في بقعة كلبنان، فولولة رياحه وعربدة شلالاته، وهمس ينابيعه وأنهاره، وهدير بحره، ووشوشة أشجاره، وقصف رعوده، وومض بروقه، وعواء سباعه، وصرصرة بئزانه، وصفير نسوره، وتغريد طيوره؛ تنصب وفودا وفودا في حناجر أوديته وأشداق كهوفه، فتؤلف موسيقى داخلية لا تجدها في غيره.
فمن لا يرتعش متى استيقظ مع الفجر ورأى بقية نور القرص الفضي تنسكب على ربى لبنان الحالمة، فتخلق ظلالا كئيبة وأشباحا حائرة، سينماء الله الأزلية تتزين بألف لون وتنطق بألف لسان قبل بزوغ القرص الذهبي وعند غروبه.
وما ظنك بجبار نسجت عمامته عوانس كانون، وحاك آذار عباءته المفوقة، وطرز نيسان قميصه، ونمنمت طيلسانه عرائس نوار، والبحر يغني عند قدميه، والضباب يؤزره ليحلم ، أفلا يلد خياله أساطير كانت أم الثقافة العالمية؟!
لبنان هو الأولمب الأول، وقد فاق جوفانس لما جعله الصوفيون مقرا لأبدالهم، إنه آدم الخيال الإنساني وحواؤه، فمن قممه المتمردة رفع بنوه عرشا لهركيل، ومسرحا لأدونيس، وخدرا للزهرة، ومن طيوبه صنعوا عشا لفينيق رمز القيامة والحياة المتجددة؛ رموز عبقرية أفرغها الخيال اللبناني على الحقيقة فنعم بها الإنسان زمنا.
منى إن تكن حقا فتلك هي المنى
وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا
للثقافة منبعان: دين حافل بالرموز والأسرار، وخيال يحلم بالجمال فيخلقه، وكلاهما انبثقا من لبنان فعما البحار وما وراءها، أبصر اللبناني جبلا قلق المجاز وبحرا مكارا لا يؤخذ بالعنف، فشرع يحتال للنفوذ في ذلك المضيق.
Page inconnue