Anciens et Modernes : études, critiques et discussions
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Genres
عشرين عاما قضاها هذا العلامة الأكبر معتكفا في بيته: سميره كتابه، ونديمه قلمه، يفكر ويدون ويستنبط وأجرته أجره، لم يطلب معونة أحد غير ربه وعقله - عفوا نسينا سعيد عقل المنوه به في مقدمة المعجم - حتى إذا ما فرغ من التفتيش عاد إلى الوضع، والعلماء يترقبون انبثاق هذا المعين، فأطلت علينا هذه الدفقة من ذلك الينبوع الغزير فمحت وصمة دمغنا بها ابن منظور، حين كتب معجمه لسان العرب وقال لنا: خذوا لغتكم من أعجمي.
والآن يحق لعلامتنا الشيخ عبد الله العلايلي أن يخاطب أمته قائلا: خذي لغتك وأرقى لغات المسكونة في كتاب واحد.
وليس على الله بمستكبر
أن يجمع العالم في واحد
منذ قرن بالضبط ظهر «سر الليال» لأحمد فارس الشدياق فأحدث انقلابا كبيرا في مفهوم لغة الضاد، فهلل الناطقون بها لعلمه الجبار، وكأن الله جلت حكمته وقدرته، لا ينسانا فيجود علينا في كل قرن برجل وها هو ذاك الرجل.
فحين يتحدث الدارسون غدا عن الاكتشافات اللغوية في القرن العشرين، سوف لا يذكرون المجامع وجهودها و«اجتهاداتها» التي نجلها ونقدرها، بل يذكرون عبد الله العلايلي الذي عمل منفردا ما لم يعمله العلماء مجتمعين.
وإن عدت رجال العلم يوما
فهذا واحد بمقام ألف
قلت يا إمام اللغة المعاصر، إنك أشبهت الشدياق، وكيف لا تشبهه وأنت من طرازه جسما وعقلا وبادرة! فأنت تريد أن تطلق لفظة الأراضة على علم الجيولوجيا، وتقول إن الإبزيم عربية من بزم، والشدياق قال: إن الكنيسة عربية مأخوذة من الكناس حيث تختبئ الغزالة، وكذلك كان النصارى في أول عهدهم يختبئون في الكهوف من وجه مضطهديهم.
إنه ليسر لغة العرب أن يخلق لها في كل عصر أحمد فارس جديد، وكما أوضح العلايلي الوحدة المعنوية في كل جذر، كذلك حاول الشدياق أن يخص كل حرف من حروف الألفباء بمعنى عام لا يحيد عنه إلا نادرا، والثنائية التي كثر الكلام عليها اليوم، واتجهت الأبصار نحوها قد نشأت في ظل ذاك الدماغ الجبار.
Page inconnue