Génocide : la terre, la race et l'histoire

Fahmi Saïd Cheikhou d. 1450 AH
67

Génocide : la terre, la race et l'histoire

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

Genres

في زقاق المبنى رأى سيارة شرطة واقفة أمامه، للوهلة الأولى تسلل الخوف إلى قلبه، لكنه تذكر وجود عمة السيد مارك في المبنى، ويبدو من وقوف الحرس والهدوء في المكان أنه قد أتى لزيارتها، ولا داعي للخوف من اعتقال أو ضرب لأسباب مجهولة عادة، أسرع خطواته ليصل إلى البيت وينتظره عند الباب لعله يستطيع سؤاله عن أوضاع سارة في المستشفى.

انتظره عند الباب قرابة النصف ساعة حتى سمع صوته وهو يودع عمته ويوصيها: «إذا احتجت شيئا فلا تترددي في إخباري.» ثم نزل من الدرج وأحد حراسه خلفه، توجه إليه مايكل وقابله بابتسامة. - السيد مارك أهلا بك في بنايتنا، هلا تفضلت بزيارتنا كما وعدتني. - أووه أنت، أذكر وجهك لكنني نسيت اسمك، اعذرني؛ فأنا أنسى الأسماء عادة لكنني لا أنسى الوجوه. - أنا مايكل كنت في مكتبك من أجل أختي المريضة بالتيفوئيد قبل عدة أيام. - آه! تذكرت أختك الصغيرة. - بالضبط هي، تفضل لنضيفك شيئا. - لا يمكنني الآن، لقد تأخرت كثيرا. - أود أن أسألك عن حال سارة فقط ... - نعم، نعم سأخبرك بكل شيء، تعال إلى الحانة غدا، سألتقيك هناك ونتكلم بما تشاء.

إلى اللقاء الآن. •••

كان رواد الحانة عادة من أعضاء المجلس والطبقة الراقية من الأغنياء المتعاونين مع النازية وغيرهم من أصحاب النفوذ والسلطة؛ إذ تقام فيها حفلات غناء ورقص، ويتم تقديم أفخر أنواع المشروبات والأطعمة الشهية للحاضرين، وتلك كانت من سياسة النازية للحفاظ على عملائها ومن ينفذون أوامرها دون نقاش من اليهود ضد اليهود. كان الحراس عند باب الحانة من الشرطة اليهودية الحاملين لشارة نجمة داوود السداسية الزرقاء على أذرعهم أسفل الكتف. عندما اقترب مايكل من باب الحانة وهو يريد الدخول، أمسكه أحد الحراس من ياقته ودفعه بكل قوة حتى أوقعه أرضا. - هيا ارحل من هنا أيها القذر!

بالرغم من أن ملابسه كانت نظيفة وقد وضع عطرا خفيفا إلا أنه لم يرق إلى طبقة زبائن الحانة بأناقتهم ورقيهم المصطنع، وقف ورتب ياقته وقال للحارس: لقد أتيت لرؤية السيد مارك مسئول شئون المرضى في المجلس، إنه ينتظرني في الداخل، أخبره أن مايكل عند الباب.

نظر إليه بحقد، وقال لصاحبه: أمسك به، سأذهب إلى السيد مارك وأعود، وأرجو أن تكون كاذبا فيما ادعيت حتى أجعلك عبرة لأولئك القذرين الذين يتربصون كالقطط السوداء حول الحانة.

بلع مايكل ريقه من الخوف، وقال في نفسه: ماذا لو نسي اسمي السيد مارك وقال لهذا الخنزير إنه لا يعرف أحدا بهذا الاسم؟ لقد أخبرني البارحة أنه ينسى الأسماء كثيرا، ما هذه الورطة الكبيرة التي وقعت فيها يا مايكل؛ فأفراد الشرطة اليهودية كانوا يعتبرون أنهم كلما قسوا على يهود الغيتو تزداد ثقة النازية بهم، وبذلك يحصلون على الترفيعات أكثر فأكثر؛ لذا كانت قسوة الشرطة اليهودية في التعامل تفوق أضعاف أضعاف قسوة أفراد الفرق النازية، حتى وصل الحال بين أفراد الشرطة إلى التسابق فيما بينهم على البراعة في الإهانة والتعذيب أو حتى القتل. من حسن حظه خرج السيد مارك إلى الباب مع الحارس ليتأكد من هو مايكل، يبدو أنه قد نسي اسمه أيضا! لكن خروجه إلى الباب أنقذ مايكل من بطش الحارس، عندما رآه مايكل عادت الروح إليه، ابتسم السيد مارك. - أووه! أنت أهلا بك، هيا تفضل معي.

سحبه من يده وأدخله إلى الحانة وعينا مايكل في عين ذلك الشرطي وهو ينظر إليه نظرة ذهول وخشية فاصفر وجهه، شعر مايكل أن الخوف قد انتقل من قلبه إلى قلب الحارس، ماذا لو أخبر السيد مارك عن تعامله القاسي معه؟ ماذا سيحل به؟

كان السيد مارك في الحانة يبدو عليه نوع من السذاجة، يضحك كثيرا، حركات يده الغريبة عندما يتكلم مع ملامح وجهه تظن أنه مجنون فعلا، صاحب لهو ومرح واجتماعي لدرجة كبيرة ولديه علاقة جيدة مع كل الحاضرين، فلمجرد الوصول إلى طاولته الخاصة استغرقا أكثر من ربع ساعة، كلما مر أمام أحدهم ألقى التحية وهمس بأذن الشخص شيئا وتعالت ضحكاتهم، ثم يكمل الحديث مع هذا وذاك. استغرب مايكل كثيرا، هذا نفسه السيد مارك الذي التقاه في مكتبه؟! غريب أمره فعلا .. هنالك جدي إلى حد كبير وهنا هكذا!

جلسا أخيرا وحدهما على طاولته الخاصة في إحدى زوايا الحانة، ألقى مايكل نظرة حوله، الجدران البيضاء الناصعة والستائر الشفافة النظيفة والروائح الزكية المتداخلة، روائح عطور نسائية مفعمة بالحياة والإثارة، والندل يحملون كئوس الشراب ويوزعونها على الواقفين والجالسين، أصوات ضحكات وتمايل وإغراءات جسدية ومفاتن ظاهرة ومكسية للحسناوات، وبينما هو يتفحص المكان نسي أن السيد مارك جالس أمامه حتى أصدر صوت ضحك وقال: هيه! أين أنت يا رجل؟

Page inconnue