Génocide : la terre, la race et l'histoire
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Genres
كان حسن يتجهز أيضا للذهاب مع والده إلى دير ياسين لأول مرة؛ إذ بعد بيعهم الأرض إلى أبي هشام، تحسنت حالتهم المادية قليلا، وارتأى أبو خالد شراء كمية إضافية من الأحجار الكلسية، من كسارة الحاج أسعد في مدخل قرية دير ياسين، وكانت تربطه علاقة جيدة مع صاحب الكسارة.
في طريقهم نحو القرية التي تبعد عن القدس عدة كيلومترات باتجاه الغرب كانت الباصات التابعة لشركة «باصات لفتا ودير ياسين» تمر من خلال مستعمرة جفعات شاءول اليهودية - الطريق الوحيد المؤدي إلى القرية. انتبه حسن إلى والده فرآه ينظر من نافذة الباص ويتمتم بكلمات غير مفهومة، لكن من ملامح وجهه يبدو أنه منزعج جدا منهم، تنحنح حسن ليجلب انتباه والده وقال: أهؤلاء مثل يهود القدس؟ أقصد هل هم من أهل البلد الأصليين؟ - فيهم من يهود فلسطين الأصليين، لكن أغلبهم ليسوا كذلك، وهذه المستعمرة بنيت أواخر أيام السلطان عبد الحميد الثاني «الله يرحم ترابه» كما يرددها الحاج صالح في الحارة بصوت مرتفع.
قطع حسن حديث والده، دون أن يشعر: وأنا كنت أتساءل دائما من يقصد بتلك الرحمات المتكررة؟ - هو على هذا الحال منذ أن فقد بصره وظل حبيس داره وعتبة بابه. - لكن لماذا يترحم عليه هكذا؟ بالتأكيد هنالك سبب، أليس كذلك؟ - نعم؛ فقد كان من حرس قصر يلدز (قصر السلطان ومقر خلافته) عندما كان شابا، وقضى سنوات طويلة هناك في الآستانة حتى سمعنا يوما أنه أصيب بانفجار هناك وتدهورت حالته الصحية، وتم نقله إلى القدس وبقي يعمل في متصرفية القدس إلى حين سقوطها بيد القوات البريطانية قبل ميلادك ببضع سنوات .. بعد عودتنا من دير ياسين اذهب إليه واسأله، فهو لا يمانع أن يقص لك سيرة حياته وأيامه الخوالي في الآستانة والنعيم الذي كان فيه بالقرب من السلطان المعظم.
قبل الوصول إلى القرية، طلب أبو خالد من السائق أن ينزلهما على جانب الطريق، مشيا باتجاه محجر الحاج أسعد، كانت أصوات الطرق على الحجر وتكسيره تأتي من هنا وهناك؛ بسبب انتشار الكسارات في تلك المنطقة الصخرية، والعمال يضعون الأحجار الثقيلة على السيارات الخاصة لنقل الأحجار من المقالع إلى مكان الكسارات. - أبو خالد، يا أهلا وسهلا، يا أهلا وسهلا.
ردد الحاج أسعد ذلك عند رؤيتهما واستقبلهما بحفاوة كبيرة، ثم سلم على حسن ومسح رأسه متلطفا وسأل عن خالد: لماذا لم يأت معكما؟
فأخبره أبو خالد أنه بقي في الدكان هناك في الخان .. بعدها صاح الحاج أسعد بأحد عماله وقال في أذنه شيئا ثم ابتسم بوجههما، وردد مرة أخرى: أهلا وسهلا بأبي خالد، نورت الديار بمجيئك، أخبرني كيف حال السوق في القدس؟ - والله يا حاج أسعد، الناس في ضيق، والتجار يشكون الركود، لكن ندعو الله ألا يستمر الركود طويلا، وتعود الحركة للسوق مرة أخرى. - لا، لن يستمر هكذا .. بعد شهرين من الآن سيبدأ الحصاد والأمطار كانت وفيرة هذه السنة، بعد الحصاد سينتعش السوق بإذن الله.
هز رأسه أبو خالد وقال بإذن الله، ثم وضع يده في جيبه وأخرج منه رزمتين من الجنيهات، ومد يده نحو الحاج أسعد وقال: تفضل، هذه سداد ديني الذي عندك، وهذه لأجل بضاعة جديدة.
لم يقبل الحاج أسعد أن يأخذها مباشرة إلا بعد ملحة شديدة من أبي خالد، وبعدما أخبره أنه باع أرضه لأجل أن يسدد الديون التي عليه ويتخلص من الهم الجاثم على صدره. - لمن بعتها؟ سأل الحاج أسعد وهو يبحث عن اسم أبي خالد في دفتر الديون لكي يشطبه. - لجار لي يدعى أبا هشام، من خيرة تجار القدس ، يصرف ماله لشراء الأراضي والعقارات التي لا حاجة له بها، فقط لأجل أن يمنع وصولها لليهود. - بارك الله في ماله وكثر من أمثاله.
لم يتكلم حسن منذ وصوله مع والده، كان ينصت لحديثهما وفي وجهه مسحة خجل من الحاج أسعد، واحمر وجهه أكثر عندما نظر إليه الحاج مبتسما وقال: هذا الفتى الجميل قد بلغ سن الزواج، ألا تنوي تزويجه يا أبا خالد؟
رد أبو خالد وهو يضحك: لم أزوج أخاه الأكبر بعد.
Page inconnue