Génocide : la terre, la race et l'histoire

Fahmi Saïd Cheikhou d. 1450 AH
111

Génocide : la terre, la race et l'histoire

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

Genres

القدس - فلسطين 1946م

كانت الحارات القديمة وأزقتها الضيقة، والقناطر التي تتدلى منها أغصان الياسمين، والأسواق المزدحمة بالمارة والباعة المتجولين ، وروائح الأطعمة الزكية التي تفوح منها، قد شغفت قلب مايكل منذ زيارته الأولى إلى القدس؛ إذ وفرت له الوكالة اليهودية المسئولة عن الهجرة اليهودية إلى فلسطين في المادة الرابعة لصك الانتداب، غرفة في أحد بيوتات حي مونتفيوري خارج أسوار القدس القديمة الذي بناه أحد أثرياء اليهود في عهد محمد علي باشا. فكان يزور هذه الحارات بين الفينة والأخرى مع بنيامين الذي تعرف عليه في أحد التدريبات القتالية بمنظمة الأرغون التي انضم إليها بعد أشهر قليلة من قدومه إلى فلسطين، وكانت المنظمة تقدم مغريات كبيرة للشباب الجدد المهاجرين من البلدان المتفرقة للانضمام إليها.

كان بنيامين شغوفا بالتعرف والتقرب من القادمين الجدد من اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد في المعسكرات النازية، ويرى بنجاتهم استجابة دعواته وصلواته المتكررة لأجلهم. كانت الفرحة تعتلي وجهه وهو يحاول التحدث إليهم بالرغم من عدم إجادته لغير العربية. خلال الفترة التدريبية القصيرة التي جمعته مع مايكل توطدت علاقتهما كثيرا.

عند مدخل باب المغاربة انتبه بنيامين إلى شاب يجلس تحت شجرة معمرة وهو سارح في تفكير عميق أصدر صوتا لفت انتباه مايكل إليه. - أوه إنه حسن!

مضيا نحوه وبنيامين كأنه يطير من الفرح، شعر مايكل أن حسن من أعز أصدقائه؛ فالفرحة التي ارتسمت على وجهه بعد رؤيته له لا تدل إلا على ذلك. عندما اقتربا منه أصاب مايكل الذهول، كانت ملامح حسن تشبه كثيرا ملامح أخيه ديفيد، ظل مايكل يتأمل وجهه المليء بالحزن والأسى وينظر إليه وهو يتذكر ابتسامة أخيه وذكرياته معه في ميونخ، تسلل إلى قلبه شعور ممزوج بالسعادة والحزن، تمنى لو أنه لم ير بعينيه جثته في معسكر بيركناو ولم يسمع أزيز احتراقها وتطاير رمادها إلى السماء؛ ليخدع نفسه بأن ديفيد قد وصل هنا قبله وتعلم لغتهم وصار منهم! ثم انتبه إلى حديثهما، كان النقاش حادا، قال في نفسه: «يبدو أنهما ليسا صديقين حميمين كما ظننت في البداية، بل عدوين حميمين!» تركهما حسن بعدما أكمل حديثه دون أن ينتظر بم يرد بنيامين، فكان الرد إليه مع ابتسامة عريضة : أرأيت! لقد انسحب ضعيف الحجة.

ظلت ملامح حسن في مخيلة مايكل حتى بعدما عاد إلى غرفته في مونتفيوري، ارتمى على فراشه وشعر أن هنالك سببا ما ربطه بهذه البلاد؛ فقد كان شعور الهجرة إلى أمريكا يراوده بين الفينة والأخرى، وبالأخص بعدما وجد اسم أمه في سجل الوفيات لدى الوكالة اليهودية. يبدو أنها نجت من النازية لكنها لم تنج من صدمة الفقد لأولادها، فحدث لها ما كان يحدث للسجناء من فقدان الإرادة بالحياة، ثم الموت تدريجيا. •••

عند قبر أمه مسح يده على الشاهد الحجري وتلمس الأحرف البارزة المكتوبة باللغة العبرية، ثم انتبه إلى تاريخ الوفاة 25 / 11 / 1945 فاختلجه شعور غريب، لمعت عيناه وهو يحاول فك شفرة الأرقام وكأنها كانت تدل على سر وفاتهم جميعا إلا هو! مرر إصبعه على الرقم 19 وهو يقول عمر ديفيد حينما توفي وأحرقت جثته، ثم الرقم 45 عمرها هي عند وفاتها، كانت الدموع تذرف من عينيه دون إرادة، 11 عمر سارة حينما أرسلها السيد مارك إلى الموت من غيتو وارسو، إلا الرقم الأخير خيب ظن التاريخ المشئوم ولم يوافق القدر. - هون عليك يا رجل.

التفت مايكل بعينين محمرتين من البكاء. - ليس كل شيء يهون في الحياة يا بنيامين. - أعلم أن خسارتك كبيرة، لكن هذا قدرهم، لم يكن بإمكانك تغييره، فلماذا تلوم نفسك إلى هذا الحد؟ - وهل القدر خط مستقيم نساق إليه دون إرادة؟! إن كان الأمر كذلك ما قيمة وجودنا في الحياة إذن؟! - ليس مستقيما إلى هذا الحد، أحيانا يتغير في اللحظات الأخيرة، وأحيانا أخرى لا نفهم مغزاه فنظن بسوء أقدارنا، ولربما كانت في الحقيقة اختبارا لمدى تحملنا وصبرنا في الحياة؛ ففي رحلة إبراهيم مع ولده إسحاق إلى موريا أراد الرب اختبار إبراهيم وطلب منه تقديم ولده إسحاق قربانا له بذبحه.

على الطريق ظهر الشيطان إلى إبراهيم على هيئة رجل طاعن في السن وقال له: «أأبله أنت لترتكب هذه الحماقة مع ابنك الذي رزقت به على كبر؟! ثم كيف لك أن تقوم بذبح من ليس له ذنب؟! كيف ستقوم بعمل لا يفعله سوى الرب؟!»

كان مايكل ينصت إليه بتركيز شديد، ويطلب من بنيامين لفظ الكلمات ببطء لكي يفهم القصة التي لم يسمع بتفاصيلها من قبل.

Page inconnue