Génocide : la terre, la race et l'histoire

Fahmi Saïd Cheikhou d. 1450 AH
110

Génocide : la terre, la race et l'histoire

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

Genres

ابتسم الأستاذ محمود واتكأ على طرف الأريكة التي كان يجلس عليها، ثم أخذ نفسا عميقا وقال: أنا أفهم إلى أين تريد أن تصل، وهذه النقطة بالذات فيها الكثير من الإشكاليات. - كيف؟ - سأشرح لك، بداية لا يمكن قطعا نفي العلم عن الله؛ لذلك جواب سؤالك مبدئيا نعم، الله كان يعلم بما سيحصل. ستسألني إن كان يعلم بذلك فلماذا عرفني به وتسبب لي في كل هذا العذاب، أليس كذلك؟

هز حسن رأس موافقا. - هل كان هشام وحده من تعرفت عليهم، أم كان لك معارف كثيرة غيره؟ ستقول عرفت غيره الكثير. جميل، هل أجبرك أحد على تعميق علاقتك به إلى هذا الحد دون غيره ممن عرفتهم، أم إنك أنت من رأيت فيه الشخص المناسب ليكون صديقك المقرب؟ - أنا طبعا. - ألم يكن بإمكانك ترك صداقته منذ البداية؟ - بلى. - إذن ما علاقة الله بالذي اخترته أنت لحياتك؟ أم إنك مثل المجبرة تفعل الأمر ثم تنسب عواقبه لله! الله لم يسلب إرادة أحد، وأعطانا الحرية التامة في الاختيار والقيام بالأفعال بإرادتنا نحن، وهذه الحرية والإرادة ثمنهما حساب في الآخرة، وهنا تتحقق العدالة الإلهية.

سكت حسن، وشعر أنه أساء الظن بالله، لم يدر ماذا يفعل، فقام وقبل رأس الأستاذ محمود الخطيب، ودعا له: «زادك الله من علمه، وفتح بصيرتك وسدد خطاك.» ثم خرج من مكتبه إلى باحة الأقصى تحت ظل الشجرة المعمرة قرب باب المغاربة، جلس حسن يتأمل المارة يفكر في سرعة ما حصل له، وكيف دارت رحى الأيام هكذا، وبشكل فظيع جدا اختلجه شعور غريب وتمنى أن يفاجئه هشام، وينبثق من باب المغاربة والابتسامة تعلو شفاهه وهو مقبل إليه كعادته، أو أنه ينتظر أنوشكا هناك عند الزقاق المقابل لمدرستها، وكل ما جرى له كان مجرد حلم مزعج في ليلة مضطربة. يبدو أن كل شيء بالحياة لا يبقى على ما هو عليه مع مرور الزمن، وأن ثمن الاستمرار بها باهظ جدا، وأن من يبقى على قيدها يجب أن يدفع الثمن مرغما، ثمن خسارة صديق أو أخ أو حبيب أو حتى أرض أو وطن. كل الذين قتلوا في معارك الدفاع عن الأرض والوطن، لم يخسروا بالمفهوم الحقيقي للخسارة، من خسر هم الذين بقوا على قيد الحياة! وعاشوا مرارة الفقد والحرمان. هشام دفن في أرضه، وإن اغتصبت منا يوما ما فسنخسرها نحن ويبقى هو فيها منتصرا رغم هزيمتنا!

أثناء ذلك لفت انتباهه بنيامين وهو يدخل من باب المغاربة مع رجل غريب وعليه رداء أسود طويل مع قبعة سوداء وضفيرتاه تتدليان إلى الكتفين. كانا يتكلمان بالإشارة وينطق له بنيامين الكلمات العربية ببطء شديد ومخارج دقيقة للحروف مع توصيف بحركات اليد، اقتربا من حسن، أصدر بنيامين صوت دهشة، أوه حسن هنا ! لم يأبه به حسن، أراد بنيامين أن يستفزه فقال: أتدري من أين هذا الرجل؟

رمقه حسن بنظرة غاضبة، التفت إلى الرجل، تفحص وجهه، كانت ملامحه تدل على أنه ليس من أهل هذه البلاد. - لا يهمني من أين يكون، الأفضل له أن يرحل من هذه البلاد، فالحرب على الأبواب. - إنه من يهود ألمانيا، أتذكر يوم التقينا لأول مرة وسألتني لمن كنت تدعو بصلاتك؟

لم يجب حسن بشيء، فأكمل بنيامين: كنت أدعو الله لأجلهم، ها قد نجاهم الله من النازية ووصل إلى أرض أجداده. - متى تعقل يا بنيامين، أي من أجدادك لديه هذه الملامح الأوروبية، أكاد لا أميزه عن الجنود البريطانيين، لا تقل لي إن أجداد البريطانيين أيضا كانت هذه أرضهم!

أردف حسن كلامه بابتسامة هازئة: إنه من يهود الأشكناز، يهود أوروبا. - ها أنت تقول بلسانك «يهود أوروبا»، ماذا يفعل هنا إذن؟ - أخبرتك يومها: «إن النبتة إذا اقتلعت من أرضها تجف وتموت.» جاء ليحيا على أرضه. - عن أي حياة تتكلم؟! رائحة الموت تفوح في كل مكان هنا، من يبحث عن الحياة لا يأتي إلى فلسطين، هذه الأرض لم تهدأ منذ آلاف السنين، وما زالت الدماء تسيل فيها والأرواح تزهق من أجلها وكأنها مصب دماء الأمم ومنتهى آجالها.

كان الرجل يرمق حسن بنظرات غريبة ويبتسم له وكأنه مجنون أو لم ير بشرا من ذي قبل!

شعر حسن أن النقاش مع بنيامين غير مجد كالعادة، كلام لا طائل منه حتى لو اتفقا على رأي واحد وخرجا بنتيجة، من منهما يستطيع تطبيقها وفرضها على الطرفين! فتركهما ومضى باتجاه المصلى القبلي.

الفصل الثاني والأربعون

Page inconnue