برولوج
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
برولوج
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الجنس الثالث
الجنس الثالث
تأليف
يوسف إدريس
برولوج
(يفتح الستار الأول على حجرة معمل الدكتور آدم. الحجرة جديدة حديثة وأجهزتها تمثل آخر
(آدم شاب في الثلاثين، وسيم جاد، ومن عينيه يشع ذكاء حاد، يقف أمام طرف لجهاز معقد،
آدم :
كل تلاتين ثانية خدي قراية.
نارة :
أرصد النهاية العظمى والصغرى مع بعض، ولا الصغرى بس؟
آدم :
أنا امبارح قلت إيه؟
نارة :
قلت العظمى.
آدم :
خلاص تبقي ترصدي العظمى.
نارة :
بس النهاردة الصبح قلت لي الصغرى.
آدم :
آه. افتكرت. ارصدي الصغرى، صح.
نارة :
أنا بقى ح ارصد الاتنين لأني متأكدة إنك على بعد الضهر ح تكون غيرت
آدم (راميا إياها بنظرة جانبية) :
ما سمعتيش على الألسنة اللي زي الضوافر لازم كل شوية تتقص.
نارة :
وسمعت برضه على الناس اللي ما بيستلطفوش الحق لله في لله.
آدم :
كدة؟ طب انتي عارفة الحق، الحق بقى انتي إيه؟
نارة :
أنا مساعدة فنية درجة سابعة على سن ورمح.
آدم :
جايز، بس انت اسمك الحقيقي «لاب بوي» يعني صبي المعمل، ومن هنا ورايح مش ح اقول
نارة :
كل الأنوثة دي وصبي!
آدم :
عندك حق، كل الأنوثة دي لازم لأكبر من صبي، لراجل.
نارة :
يا دكتور آدم ، ما تحاولش تغيظني، ولا تعقدني ... أنا عندي ثقة تامة في نفسي، أنا
آدم :
ذنبها إيه صحيح، دا الشمس أنثى.
نارة :
طب ما أنا كمان مؤنث.
آدم :
فشر، دا انت قمر.
نارة :
ميرسيه.
آدم :
بالمناسبة القمر مذكر.
نارة :
والله لولا إنك رئيسي لكنت وريتك أنا أنثى ازاي.
آدم :
الحمد لله إني رئيسك. (نارة تفتح فمها إلى آخره وكأنها تهم بالصراخ، آدم يشير لها بيده
آدم :
ولو فيها رزالة ... ممكن تقفليه؟
نارة :
اسمع يا دكتور آدم.
آدم (مقاطعا) :
اسمعي انت، بعد خمستاشر ثانية بالظبط ح نبتدي، والقراية كل 30 ثانية، الأول
نارة :
علم ومخاصماك.
آدم :
آدي نتيجة إدخال المرأة في مجالات علمية خطيرة زي دي، ببساطة تيجي لك قبل
نارة :
دلوقتي مين اللي ...
آدم (مقاطعا بلهجة جادة جدا) :
15، 14، 13، 12، 11، 10، 9، 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1 ابتدي ... (يضغط على زر، يصدر عن الجهاز صوت وتصبح له تكة منتظمة.)
نارة :
13، 5.
آدم :
مش بطال.
نارة :
88، 1.
آدم :
غريبة جدا.
نارة :
13، 10.
آدم :
استمري.
نارة :
26، 14.
3، واحد من عشرة. (يستحيل صوتها إلى غمغمة كمن يسمع جدول الضرب.)
5، 1,5
96، 13
38، 7
7، 7 (فجأة يدوي صوت غريب، صوت أنثوي عميق جدا، لا تكاد تعثر له على
الصوت :
هوووه.
آدم :
س ...
نارة (سادرة في غمغمتها.) :
7، 7.
7، 7
7، 7
الصوت :
هوووه (أقرب وأعمق وأشد نفاذا) . (رغما عنه يتوقف آدم عن التطلع إلى الجهاز ويرفع رأسه قائلا
آدم :
هوووه. (في الخلفية نارة مستمرة في الرصد وغمغمة الأرقام 7، 7.)
الصوت :
هوووه ... عندك ميعاد في العتبة.
آدم :
إيه؟ ... أنا ... مين؟
الصوت :
هوووه ... عندك ميعاد في العتبة. (يظل آدم مذهولا بعض الوقت، ولكنه لا يلبث أن ينفض رأسه وكأنما
نارة :
7، 7.
7، 7
آدم (باندهاش) :
العظمى سبعة والصغرى سبعة، مش معقول.
نارة :
بقى لها كدة سبع قراءات.
آدم :
دي ظاهرة غريبة، دا كأن عنصر الزمن توقف.
نارة :
13، 2.
آدم :
بدأ يتحرك.
نارة :
15، 3.
آدم :
أحسن.
نارة :
12، 4. (آدم يغمغم مستحسنا.)
نارة :
10، 5.
7، 6
7، 7
الصوت :
هوووه.
آدم (بوجل) :
هوووه.
الصوت :
عندك ميعاد في العتبة.
نارة (مستمرة) :
7، 7.
7، 7
7، 7 (آدم، كالمنوم، يترك «البنش» ويتجه إلى باب الخروج.)
نارة :
رايح فين يا دكتور؟ الحق النتيجة عندك. (لا يرد آدم ويخرج.)
نارة :
7، 7.
7، 7
7، 7
7، 7 (تسمع «تكة» ويتوقف الصوت الذي كان يصدر عن الجهاز.)
نارة :
باظت التجربة، إيه اللي جراله؟ حتى لو كان عايز يروح التواليت ما كانشي قادر
(فجأة يدخل آدم وقد تغير تماما وعاد إلى طبيعته حيا مليئا
آدم :
آسف يا نارة، أظن لازم نعيدها.
نارة :
أنا مستعدة أخسر شهر من عمري وأعرف إيه اللي سيبك التجربة.
آدم :
حاجة كدة تموت م الضحك.
نارة :
تسمح تقولها لي.
آدم :
حاجة ما تتقالشي، هايفة يعني، أنا نفسي باستغرب ازاي تسيبني التجربة وأخرج،
الصوت :
هوووه ... بنقول عندك ميعاد في العتبة. (إلى كائن آخر يتحول آدم، يستدير كالمنوم.)
نارة :
دكتور آدم، جرى إيه؟ مالك؟ فيه إيه؟ وقفت العدد ليه؟ (ينظر لها وكأنه لم يعد يراها.)
إخص عليك. منظرك يخض. إنت عايز تخضني؟ أنا ابتديت أخاف! (يستدير بلهفة ثم ينطلق كالسهم خارجا من الباب.) (ستار مؤقت) (على موسيقى الافتتاح تبدأ عناوين المسرحية تظهر معروضة بالفانوس
الفصل الأول
شخصيات الدراما
آدم:
شاب في الثلاثين طويل أنيق وسيم تبدو عليه علامات الذكاء
نارة:
فتاة في العشرين، عصرية تماما، شعرها قصير وشخصيتها حادة ساخرة ومن
عشماوي:
في الخامسة والخمسين، سمين جدا، أسمر، صوته مخالف تماما لما يجب
العالم:
في الخمسين: فيه كل ما في الخمسين من جمال، بذقنه المقفلة بالبياض
هيلدا:
امرأة عارمة الأنوثة، طاغية الشخصية، ذهبية الشعر الناعم كالحرير،
الكائن:
الكلب الخروف.
7 سيدات أشجار.
7 شجرات رجال.
رجال وسيدات وأطفال من مختلف الأعمار.
الزمن
الوقت الحاضر.
المنظر الأول (المكان: ميدان العتبة، بالتقريب المنظر هو الدائرة التي تحتل مركز
(قبل رفع الستار ومع نهاية موسيقى الافتتاح تبدأ الساعة تدق السابعة، عند الدقة
(وأيضا ومع قرب نهاية الموسيقى وبداية دق الساعة نبدأ نسمع ضجة ميدان العتبة
(الميدان وإن كان يزخر بالناس في محيطه ووسطه إلا أنه عند السرة، المارة الذين
(نلمح آدم لا يزال مرتديا البالطو الأبيض فوق القميص والبنطلون وقد تهدل البالطو
آدم :
أديني في العتبة أهه، بقالي يومين وأنا في العتبة، وعندك ميعاد في العتبة،
(فجأة يقترب من أب معه طفلان، ويندفع ناحيته
تسمح من فضلك. (الرجل وأطفاله يمضون وكأنهم ما سمعوه أو رأوه.) (يعض آدم على شفتيه غيظا ويندفع ناحية سيدة بلدي ترتدي
يا ست، إنتي يا ست. (يضع فمه فوق أذنها .)
إنتي يا خالة. (المرأة تمضي وكأنها لم تلحظ شيئا.)
الله، إيه الحكاية، كانوا بيسمعوني الأول ويكلموني، إيه اللي حصل؟ (يلمح بائع السميط مقتربا)
يا بتاع
(بائع السميط وقد اقترب منه بدلا من أن يرد عليه يجلس على
يا ناس، يا بني آدمين، ياخينا، يا ست، يا ابني، يا عم، يا خلق. (فجأة يقبل أفندي رفيع جدا ونحيل في عكس اتجاه سير آدم
آدم :
إنت فين م الصبح يا سيدنا؟ (ولكن الرجل يتجاوزه بحركة مفاجئة ويخبط رجلا سمينا آخر على
الرفيع :
قفشتك يا برغوت.
السمين :
خضيتني الله يجازيك.
آدم (بصراخ) :
أعمل إيه؟ أضحك؟ ألطم؟ الكون اختل، بالتأكيد الكون اختل، دا أنا عالم وإيماني
(يفطن إلى أن دوراته بدأت تضيق وكلما حاول توسيعها تضيق
هزار ده ولا إيه؟ كمان شوية أتسمر في مكاني (فعلا يثبت في مكانه أمام طرف الدكة)
دي حاجة ممتعة جدا (يحاول التملص وبكل ما يملك من قوة يحاول
أنا
(يظهر شخص غريبة تركيبة جسمه، سمين أسمر يرتدي رداء السائقين
آدم :
يكونشي لما تحديتهم زعلوا؟ أصلي صممت لما نزلت من المعمل إني مش حا اروح
(يتابعه بعينيه ويدور معه برأسه إلى أن يمر للمرة الثالثة
أما راجل غريب قوي (يهمس وهو ينظر ناحية
دي كانت بداية المهزلة، لما لقيت نفسي غصب عني في العتبة
(الرجل
والمصيبة معرفشي أنا ح انتهي بعد يومين من اللف والدوران إني أبقى سجين الدكة
(فجأة يتنهد بعمق ويغير لهجته مخاطبا
والله ما دام جيت برجلك لحاطط همي فيك ومتسلي عليك لغاية
(تنتابه حالة هيستيرية)
يا تلح، يا بجم، يا
(يلتفت الرجل فجأة مسددا عيونا ملتهبة إلى
(مواصلا كلامه)
يحموك في كنكة.
الرجل :
إنت قليل الأدب، وحظك كويس إني تعبان، دا أنا عمري ما حد شتمني يقوم حلاق زيك
آدم (بفرح وخجل وعصبية) :
دا سمع! إنت سمعتني يا ريس؟
الرجل :
ليه؟ فاكرني أطرش؟ دلوقتي أوريك.
آدم :
أنا ح اتجنن أكيد، قول لي وحياة والدك إنت سمعتني وبتكلمني أنا؟
الرجل :
ح تستهبل علي؟ صبرك علي بس، والله ما انت فالت من إيدي.
آدم (بتضرع حقيقي) :
أنا في عرضك قول لي انت شايفني زي ما أنا شايفك وسامعني زي ما أنا
الرجل (بمشروع ضحكة مضحكة) :
لا مؤاخذة انت باينك «وش» شوية. (بائع السميط يمر من أمامهما.)
آدم :
أبدا والله، دلقوتي تشوف.
الرجل :
أشوف إيه؟
آدم :
يا بتاع السميط (لا يلتفت البائع فيصرخ بأعلى
يا بتاع السميط!
الرجل (لبائع السميط) :
ما بتردش ليه يا أخينا (البائع لا يلتفت
الله، إنت يا جدع انت. (البائع وكأنه لم يسمع يتوجه إلى وسط الدكة وكأنها فارغة
الرجل (بغضب يمد يديه ليرفع قدمي البائع ولكن يديه لا
:
الله، الله، الله!
آدم :
شفت بقى.
الرجل (يحاول الوقوف أو الحركة بلا فائدة) :
يا ام هاشم، إيه ده؟! اللهم اجعله خير، إوعى يا رب يكون شلل.
آدم :
يا ريته شلل كنا عرفنا سببه.
الرجل :
هو انت راخر كدة؟
آدم :
بقى لي 72 ساعة وانا كدة.
الرجل :
الله الله الله، دي حكاية إيه بقى؟ دا شغل جن، لازم الراجل ده «قدمه» وحش، دي
آدم :
مش عارف، من ساعة هوووه وانا مش عارف حاجة.
الرجل :
بتقول ساعة هوووه، هو انت راخر؟
آدم :
أيوة أنا راخر، هما قالولك إيه؟
الرجل :
ألبس سواق قال، وآخد العربية البويك اللي ح القاها قدام باب محطة مصر عشان
آدم والرجل :
ميعاد في العتبة. (صمت)
آدم :
يعني ميعادي بقى لازم وياك.
الرجل :
علمي علمك .
آدم :
ما قالولكشي حاجة تانية؟
الرجل :
ولا كلمة زيادة عن اللي قلتهولك.
آدم :
يبقى لازم سايبين الباقي لذكاءنا، نتصرف احنا بقى، إنت أصلا سواق مش
الرجل :
ولا عمري سقت عربية.
آدم :
الله، أمال جبت العربية من باب الحديد لهنا ازاي؟
الرجل :
علمي علمك.
آدم :
ما تعرفشي صاحبها مين؟
الرجل :
الله أعلم، دي حتى مكتوب عليها موديل 75 واحنا لسة في سنة 70.
آدم :
أمال انت بتشتغل إيه؟
الرجل :
أنا موظف في مصلحة السجون.
آدم :
سجان يعني؟
الرجل :
أصلا سجان إنما منتدب.
آدم :
منتدب إيه؟
الرجل :
انا اسمي عشماوي، ما تسمعشي على عشماوي؟
آدم :
عشماوي اللي بيشنق الناس؟
الرجل :
أعمل أيه دي حاجة بالوراثة.
آدم (لنفسه) :
بقى ميعادي مع عشماوي، أما حتة ميعاد!
الرجل :
لا مؤاخذة بتقول إيه؟!
آدم :
بقول خير إن شاء الله، معرفة خير!
الرجل :
إن شاء الله ... كله خير! (بائع السميط يكون قد أخذ في عد ما تبقى في «السبت» من
بائع السميط :
بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان، أعوذ بالله من
(ينطلق جاريا مختطفا سبته ناسيا حذاءه فوق ساقي
عشماوي :
وحضرتك بقى حلاق ستات ولا رجالة؟!
آدم :
لا والله للأسف لا كدة ولا كدة، لسوء الحظ أنا عالم!
عشماوي :
عالم بإيه بقى إن شاء الله؟!
آدم :
زي ما تقول باحاول أعادل اللي أنت بتعمله، أنت بتموت وأنا با أحيي!
عشماوي :
بتحيي المشنوق؟ إنت عايز تكفر؟!
آدم :
لا سمح الله ... با أحيي حاجات على قدي! (الساعة تدق معلنة سابعة، بعد الدقة السابعة مباشرة يكف عشماوي
عشماوي :
هوووه! ... حاضر ... من غير ما أدوس عليه ... نطلع كيلو لفوق بالعربية ... مفهوم،
(ويبدو وكأنما يفيق) .
آدم (بترقب مرعب) :
خير ؟
عشماوي :
ياللا بينا.
آدم :
على فين؟
عشماوي :
نركب العربية.
آدم :
ونروح فين؟
عشماوي :
كيلو لفوق.
آدم :
ونركبها ازاي واحنا متسمرين في مطارحنا؟
عشماوي (واقفا بسهولة) :
ياللا بينا.
آدم (يحاول القيام فيقف) :
الله، دا أنا وقفت.
عشماوي (متحركا خطوة) :
ياللا بينا.
آدم :
ياللا إيه؟ هو الأمر جالك إنك تشنقني؟
عشماوي :
ما عنديش أوامر بالشنق.
آدم :
وإذا قلت لك مش جاي، حاتعمل إيه؟
عشماوي :
ولا حاجة، الأوامر اللي عندي أسيبك بحريتك، عايز تيجي تيجي، مش عايز انت
آدم :
يعني أنا حر أقدر أتحرك (بخوف شديد يمد ساقه فإذا
دا أنا بقيت حر
عشماوي :
أنا حا استناك دقيقة واحدة، ماجتشي، حا امشي.
آدم :
وإذا قلت لك مش جاي، حاتعمل إيه؟ ما تتعبشي نفسك، امشي من دلوقتي (ينطلق جاريا وصوته يتباعد)
أنا حر، الكابوس
(بينما صيحات آدم الفرحة تأتي من بعيد متلاشية شيئا فشيئا،
عشماوي : ... باقي ثواني وتخلص الدقيقة. (يستدير متحركا بخطى ثابتة في اتجاه العربة.) (من بعيد يأتي صوت آدم وقد عاد يقترب.)
صوت آدم : ... استنى ... استناني ... أنا جاي معاك ... استنى. (يدخل المسرح كالسهم وفي وثبتين يصبح بجوار عشماوي.)
عشماوي (يتأمله بمشروع ضحكة) :
غيرت رأيك ليه؟
آدم :
لما بقيت حر إني أختار، اخترت آجي.
عشماوي :
ما انتاش خايف؟
آدم :
ما اكدبشي عليك خايف، إنما أنا هويت العلم لأن العلم مغامرة لاكتشاف أي
عشماوي :
بس اعمل حسابك ... الأوامر إنك ما دمت جيت من نفسك فبعد كدة خلاص ما فيش
آدم :
أنا جاي وعارف كويس قوي إن ما فيش رجوع. (يستديران ويتجهان صوب العربة.) (ستار)
المنظر الثاني (المشهد صحراء جرداء قاحلة صفراء، مسافة واسعة جدا من الأرض
(الوقت هو الظهر تماما والضوء شديد والشمس في منتصف السماء.) (صوت عربة قادمة، يعلو حتى نحس أنه أصبح داخل كواليس المسرح ... صوت فرامل، تتوقف
صوت عشماوي :
انزل.
صوت آدم :
احنا فين؟
صوت عشماوي :
على علو كيلو والرحلة انتهت. انزل.
صوت آدم :
مش نازل.
صوت عشماوي :
احنا اتفقنا ما فيش خيرة، انزل.
صوت آدم :
أنزل ازاي بس؟
صوت عشماوي :
كدهه. (يسمع صوت باب العربة يفتح، ثم يغلق، ثم يجأر موتور العربة
آدم :
استنى، سايبني ورايح فين؟ استنى يا وغد استنى. (ثم ييأس وينفض يده من الجري، ويقف ويبدأ يتطلع حوله،
احنا فين؟ أنا متأكد إن احنا ما مشيناش كتير، أنا فاكر كويس والعربية رايحة
(فجأة يمسك رأسه بيديه.)
اثبت يا آدم، اعقل واثبت، وفر جهدك، حتى الكلام بطله، ميت مرة يثبت لك إن
(يتكوم في منتصف المسرح واضعا رأسه بين كوعيه.) (تشرق الشمس من ناحية اليسار، تتوسط السماء، تنحدر ناحية
آدم :
الله، مش قادر أحول عينيه عن الشمس، نورها بيخترق مخي عمال بيسحب وعيي،
(يسكت، وكعباد الشمس يظل
:
آدم :
دا كله جه منين؟ الضهر ما كانشي فيه حاجة، إزاي اتوجد ده كله في ساعات؟ دا
(يمسك رأسه بيديه.)
اركز، اثبت، الدهشة الشديدة ممكن تطير عقلك، زي ما اتعودت الخضوع، تعود
(مغيرا لهجته)
بس عطشان عايز اشرب،
(يرتكن على السور المجاور لفتحة الباب وينام.) (موسيقى تنتهي بصوتها يقول):
صوت هي : ... هوووه. (يقفز برأسه من غفوته.)
آدم :
هوووه.
صوت هي :
ادخل. (ومع الكلمة تنفتح ضلفتا الباب الهائلتان وكأنما من تلقاء
الشجرات (في صوت واحد) :
اتفضل خش. (آدم يقف مبهورا يتطلع هنا وهناك ليعرف مصدر الصوت.)
شجرة جميز :
ما تخافش ... احنا اللي بنكلمك.
آدم :
إنتو مين؟
الشجرة الزعيمة :
احنا الشجر اللي قدامك. (بقية الشجرات يهمس بعضها لبعض.)
شجرة التمر حنة :
والنبي شكله حلو.
شجرة التوت :
نفسي يحك دقنه الطويلة دي في جذعي.
شجرة السنط :
أنا النوع ده ما يعجبنيش.
النخلة :
بس باين عليه طيب.
شجرة التمر حنة :
اسمعوا، إنتو تسيبوهولي كدة من غير مطرود.
آدم :
هو الشجر هنا بيتكلم؟
شجرة التمر حنة :
وبيغني كمان ولو حبيت يرقص.
شجرة الجميز الزعيمة :
ما تخافش ... خش ... (بعد تردد يدخل.) (تحيط به الشجرات، بينما تلتصق بجانبه شجرة التمر حنة.)
شجرة الجميز :
اعتبرنا زي اخواتك تمام، احنا مش أغراب، أنا جميزة، ودي جوافة، ودي توتة، ودي
التمر حنة (مكملة) :
التمر حنة.
آدم :
تشرفنا، وحاتخدوني على فين إن شاء الله؟
الجميزة :
كل اللي أقدر أقول هولك إن «هي» عايزاك.
آدم : «هي» مين؟ ... مين «هي» دي؟
الجميزة :
احنا نفسينا عايزين نعرف هي مين. (إظلام أو ستار)
المنظر الثالث (مع عودة الإضاءة - أو رفع الستار - يكون السور قد اختفى ويكون
الجميزة :
أظنك تعبت، نعسكر هنا ونبات.
آدم :
أنا بس جعان، بقالي سنين ماكلتش، وعطشان، بقالي سنين ماشربتش.
الجميزة :
ما عندناش يتاكل إلا جوافة ... تاكل جوافة؟
آدم :
زي بعضه، أي حاجة.
الجميزة :
يا جوافة ... هزي وسطك شويه ونزلي له كام حباية مستوية. وانتي يا نخلة، مدي
جوافة :
بس انتي عارفة يا ريسة إن جذعي ما بتحركوش إلا المزيكة.
الجميزة :
خلاص، رقصوها رقصة سقوط الجوافة. (على نقرة غريبة وتصفيق خشبي كأنه صادر عن شجر الغابة كله ترقص
الجميزة :
شبعت؟
آدم :
عايز اشرب.
النخلة :
الميه حضرت، بس لازم عشان تشرب تاخدها من بقي.
آدم :
بقك؟ هو فين بقك ده؟ أبوسك يعني؟
الجميزة :
لازم تمص المية من قلب «جمارها». (يتردد آدم ولكنه ينطلق ناحيتها كما لو كان يتسلقها، ثم يزيح
الجميزة :
ميعاد النوم جه. (آدم يتمدد متعبا وينام في الحال، الأشجار تقصر جذوعها
الموزة :
أنا عارفة فيه إيه يستاهل إنها تعمل كل ده عشانه؟
النخلة :
باين فيه سر خفي ما نعرفوش.
الجوافة :
ولا باين فيه سر ولا حاجة، دي ما اتخلقش البني آدم اللي يستاهلها، دا أنا مرة
السنطة (تقترب منهن وكأنها تشارك في الحديث) :
دا من الكلام اللي بيحكوه عنها الواحدة بتحس إنها جنبها لازم تبقى
التوتة :
دا بيقولوا إنها مرة استحمت في بحيرة فما استحملتش وراحت مقلوبة بحر.
الجوافة :
أنا سمعت إنها تقدر تحب كل ليلة ألف راجل وتخلي كل راجل فيهم يحس إنه اتمتع
الموزة :
وكل ده يبقى علشانه لوحده؟
التمر حنة :
مش خسارة فيه، هو راخر باين عليه إنه يقدر يسعد كل ليلة ألف ست.
الموزة :
بتقولي إيه يا عبيطة انتي؟
التمر حنة :
هي إيه غير شوية كلام عمالين تقولوه عليها، كلام في كلام، لا حد شافها ولا حد
الجميزة :
تمر حنة ... الزمي حدك، لاحظي إنها «هي» وكفاية إنها «هي»، «هي» أجمل وأحلى
التمر حنة :
أهي المصايب ما بتجيش ...
الجميزة (مقاطعة) :
خلاص ... انتهينا ... مين اللي حياخد نبطشية الحراسة الأولانية؟ خديها انتي يا
التمر حنة (هامسة لسنطة وغامزة إياها) :
سيبيهالي وحياتك، أنا في عرضك.
السنطة (بتململ) :
بس أنا تعبانة يا ريسة، ممكن تمر حنة تاخد الأولانية، وأنا اللي بعديها على
الجميزة :
إذا كانت توافق. توافقي يا تمر حنة؟
التمر حنة :
أمري لله ولو إني تعبانة قوي، إنما عشان خاطر خالتي سنطة.
الجميزة :
بس خدي بالك يا تمر حنة، أنا شايفاكي ميالة له شوية، وانتي عارفة ... ده «هي»
التمر حنة :
حاضر يا ريسة، حاضر. (تقوم التمر حنة آخذة مكان الديدبان وتأوي السنطة إلى النوم مع
آدم :
الله! ... ريحة حلوة ... دي باين روح التمر حنة.
التمر حنة :
يعني عاجباك؟
آدم :
دا لو ميت شمها تصحيه. (يلف يده حول
إنتي تردي الروح، أشكرك ازاي؟
التمر حنة :
بلاش تلمسني أرجوك.
آدم :
كتير علي إني ألمسك؟
التمر حنة :
كتير علي أنا، مش ح اقدر أستحمل.
آدم :
الله، إنتي بتتكلمي كدة كأنك ... كأنك ست.
التمر حنة :
أنا حاسة بك أكتر من ست، شاعرة برجولتك أكتر من أي بنت بنوت.
آدم :
دي آخر حاجة أتصورها.
التمر حنة :
ليه؟ ... هل الأنوثة اسم ولا إحساس؟!
آدم :
بس انتي شجرة وأنا راجل، إنتي نوع وأنا نوع.
التمر حنة :
وهو يحس النوع إلا نوع تاني، ولا يقدر الجمال إلا جمال تاني؟
آدم :
يعني انتي حاسة بيه؟
التمر حنة :
أنا كل ورقة في قشعرت لما لمست جذعي، جدوري نفسها سابت مني، أنا متأكدة
آدم :
يا ريت، يا ريتك تتقلبي كلك دم ولحم (يحتضنها) .
التمر حنة :
لا لا لا لا، أرجوك، أنا عايزاك قوي، أنا عايزاك بطريقة عمر ما أنثى عازت
آدم :
وأبعد ليه ما دام عايزاني؟
التمر حنة :
لأن مش ضامنة نفسي، ولو سبتها ح اضيع، ح انتهي.
آدم :
ياه، دا انتي جدعك سخن خالص، نار، دا انتي بين إيدي كأنك بنت
(يختل توازن شجرة التمر حنة وتبدأ تميل.)
التمر حنة :
أنا خلاص ... ضعت ... ما فيش فايدة ... احضني بالقوي بقى، بكل رجولتك وقوتك
(يحضنها وتميل ويميل معها حتى يصلا إلى الأرض.)
التمر حنة :
تعرف تبوسني؟
آدم :
فين؟
التمر حنة :
هنا، في الحتة اللي جذعي فيها بيتفرع فرعين. (آدم يقبلها)
التمر حنة :
مش كدة، تعالى انت اما أبوسك أنا. (يغيب رأسه بين أفرعها وأوراقها.)
تعالى خليني ادوقك أنوثة عمرك ما دقتها ولا داقها بشر، الأنوثة البكر،
(تبدأ تلهث ويلهث هو الآخر)
تعالى نوصل للحظة الفاصلة اللي خلقتك جنس وخلقتني جنس، اللحظة اللي من روعتها
(يزداد لهاثها ولهاثه وتتكسر أغصانها وتحدث ضجة تتصاعد حتى
الجميزة :
كدة يا تمر حنة، بقى عشان واحد زي ده ترتكبي الخطيئة الأولى في عالمنا، تبقي
آدم :
هي مش مسئولة، أنا المسئول.
الجميزة :
هي اللي مسئولة لأن هي اللي عارفة، وعملت اللي عملته وهي عارفة العقاب
التمر حنة :
أنا لسة ما عملتش حاجة، أنا مش حا اسيبه واعملوا اللي تعملوه.
الجميزة :
مش كفاية إنك تكوني أول خاطئة عايزة تبقي أول متمردة كمان؟
التمر حنة :
خاطئة ومتمردة ومجرمة، إعملوا اللي تعملوه، إنما أنا لأول مرة في عمري حاسة
الجميزة :
واللحظة دي فعلا بعمرك كله، إنتي أول من طمع على شيء مش له ... الأنانية هي
(تلتف
.
التمر حنة :
أنا مستعدة لأي عقاب، ما دام مش ح احس به هو، ومش ح اكلمه هو، ومش هو اللي ح
الجميزة :
الفجر قرب واحنا ح نكمل رحلتنا، المدينة بانت. (تلتفت إلى ناحية الشرق حيث بدأت أنوار المدينة تبدو
ياللا بينا. (الشجرات تحيط بآدم ويتركن تمر حنة واقفة في مكانها
التمر حنة :
مش بإيدي، دا حب يا جميزة ياللي عمرك ما دقتي الحب، وعشان كدة فضلتي
الجميزة :
احنا ع الصبح ح نوصل. (ثم ملتفتة لتمر
أما انتي ف ح تفضلي هنا في مكانك وح تفقدي القدرة على الحركة
(آدم فجأة يترك حارساته ويذهب إلى التمر حنة ويطبطب
التمر حنة :
ولا يهمك، اللحظة معاك بعمر، بس كل ما تشم ريحة تمر حنة افتكرني، حتى لو
(تتوقف عن الكلام وقد فقدت القدرة وتتهدل أغصانها فوق
الجميزة :
انتهت المهزلة، ياللا بينا. (الستار)
الفصل الثاني
المنظر الأول (مع بدء الإضاءة التدريجية، يدخل الموكب (آدم والشجر) من يسار المسرح
الجميزة (صوتها قد تغير وإن لم يتغير شكلها وأصبح صوت رجل، ونفس
:
مهمتنا هنا انتهت.
آدم :
وأنا أعمل إيه؟
التوتة :
دي مسائل ما نعرفهاش.
آدم :
أمال الأوامر اللي عندكم إيه؟
النخلة (بصوت صبي مراهق) :
لغاية هنا نسيبك .
آدم :
تسيبوني ازاي؟
الجميزة :
انتظر الأوامر.
آدم :
أوامر إيه؟ مش كفاية انتظار؟
الجميزة :
الوداع.
آدم :
أرجوكم.
الجميع :
الوداع. (ويتركونه واقفا ويستديرون خارجين.)
آدم (يرمقهم ويقول بسخرية) :
الوداع. (تبدأ موسيقى على هيئة صوصوة عصافير وما إن يبدأ آدم ينصت إليها
الكلب الخروف :
إنت خفت؟ (آدم يهز رأسه بشدة غير مصدق ويستعد للنطق، يفتح فمه فعلا
الكلب الخروف :
دا انت لسة خايف، ما تخافش (يتقدم ناحيته فيبدأ آدم
.
ما تخافش باقولك، الله، ح تقف ولا أهبهب لك تاني وأمشي لك على أربع (يقف آدم ويقترب الكلب وينكمش على نفسه، فيمد الكلب يده
.
بطل خوف ما تخلنيش أحس بتأنيب ضمير، أنا قلت أهزر معاك تقوم تقلبها جد،
(يتحسس نبضه)
لا حول الله، مية
آدم (مقاطعا) :
لا لا لا، أرجوك، إوعى تعملها.
الكلب :
الحمد لله، آدي انت نطقت.
آدم :
طب روح بقى الله يسامحك.
الكلب :
أروح فين إن شاء الله، هو أنا واقف ألعب؟ أنا واقف معاك أشتغل.
آدم :
تشتغل إيه؟
الكلب :
مرافق لغاية ما بسلامته يجي.
آدم :
بسلامته مين؟
الكلب :
هو مفروض صحيح إني ما أقولكشي، إنما ما دام خضيتك ح ابقى طيب زي المرحوم
آدم :
لازم دا القصر بتاع هي؟
الكلب :
لا وانت الصادق، دا بتاع العالم.
آدم :
العالم؟ يبقى مين ده؟
الكلب :
أهو انت ح تضحكني أهو، الأستاذ العالم، حد ما يعرفوش؟
آدم :
وياخدوني عنده ليه الأستاذ العالم ده؟
الكلب :
أهي دي لا يمكن أقولها.
آدم :
ح تقولها ولا أخللي ضميرك يأنبك تاني وأخاف؟
الكلب :
وهي سر يعني؟ أقولها وأمري إلى الله، أصل العالم ده ما بيعوزشي حد لله في
آدم :
بقي عشان كدة عايزني؟ بقى جايبني من آخر الدنيا عشان يعملوا علي تجربة، أنا
(يندفع آدم من حيث دخل المسرح.)
الكلب :
إنت حاتقف مطرحك ولا أندهلك أمي؟ اعمل حسابك، هي لسه كلبة وولف زي ما هي
آدم :
أنا راجع.
الكلب :
يا امه (ثم يهبهب، تجيب على هبهبته هبهبة خشنة
سمعت؟
آدم :
اعمل معروف أنا عندي عقدة من الكلاب، ترضى إن واحد زيي يبقى فار
الكلب :
ومين قال إنك ح تبقى فار؟ ما يمكن تبقى قط ولا نسناس أدي انت فيك شبه منه،
(يجذبه فيقاوم آدم)
يا امه (يهبهب فتجيبه الهبهبة
.
آدم :
يا سيدنا بقولك لك بخاف م الكلاب.
الكلب :
يبقى ما تتحركش من مطرحك. (يثبتان في مكانهما بينما تعود موسيقى العصافير تعزف حتى يظلم
(من زاوية المسرح الداخلية اليمنى يظهر كائن سيريالي يعبق
الكائن :
من فضلك ما تخافش ... تسمح ما تخافش.
آدم :
أنا مش خايف.
الكائن :
ما هو لو خفت مني حا اخاف منك ... أقف وبطل خوف أرجوك.
آدم :
أديني وقفت.
الكائن :
أيوة كدة ... أنا دلوقتي ابتديت أنا راخر اطمن.
آدم :
إنت مرة ست ومرة راجل صوته رفيع، ومرة تخين.
الكائن (بصوت طفل) :
أبيه ... بجد ... أنا صوتي كدة.
آدم :
الله، ومرة طفل ... إنت ... قصدي انتي ... يوه، إنتو حكايتكو إيه بالظبط؟ (يسمع صوت مأمأة خروف.)
آدم (للكائن) :
وبتمأمأ كمان؟
الكائن :
لأ، مش أنا ده. (تأتي مأمأة أخرى يكتشف الاثنان أن مصدرها هو الكلب الخروف الذي
الكلب :
لازم هرب، رحت في داهيه يا خروف الكلب، كدة يابا تعملها في وتجيني في الحلم
آدم :
أنا ما هربتش أنا أهه.
الكائن (بمجموعة أصوات) :
وأنا أهه جيت آخده.
الكلب :
يبقى المهمة انتهت وسيبوني بقى أرجع أدور للمرحوم أبويا الخروف على برسيم (يعود للنوم وهو يمأمئ بخفوت) .
آدم :
لهو انت اللي جاي تاخدني قصر السندس للعالم؟
الكائن :
وعرفت منين دا كله، دا أنا نفسي ما اعرفشي إلا أننا رايحين القصر بس، عرفت
آدم :
عرفت وخلاص.
الكائن :
خلاص ازاي؟ دي لازم حيتعملها تحقيق.
آدم :
خلينا فيك انت، إنت كام واحد في بعض؟ وشكلك ما له كدة؟ إيه النور ده وريحة
الكائن :
أنا الكائن الجديد، أنا أحدث كائن اتخلق هنا، أنا اتخلقت علشان آجي
آدم :
اتخلقت ولا اتولدت؟
الكائن :
اتخلقت.
آدم :
اتخلقت يعني من ما فيش؟
الكائن :
وهو فيه حاجة بتتخلق يا دكتور آدم من ما فيش؟
آدم :
وحكيم كمان؟ وعارف أنا مين؟ اتخلفت ازاي بقى؟
الكائن :
سقط شعاع من نور نجمة الفجر على زهرة فل في لحظة كان بيغني فيها كروان،
آدم :
وحتى التزاوج هنا ممكن يحصل بين 3 والدين؟
الكائن :
احتمالات التواؤم والتجانس مالهاش حدود، دا أنا سايب أخويا اللي جه بعدي،
آدم :
أنا قطعا لازم باحلم.
الكائن :
ما افتكرش، أحلامك نفسها مش ممكن توصل للمدى ده.
آدم :
ويا ترى حكمتك دي جبتها منين؟ من التلات والدين برضه؟
الكائن :
لأ دي من جهدي أنا، قبل ما أجيلك فت على مدرسة الحضارة.
آدم :
الحضانة؟
الكائن :
الحضارة بقول لك، وهناك سمعت التلات سيمفونيات اللي وصلوني للمرحلة التالتة
آدم :
بتقول إيه؟
الكائن (مواصلا كلامه) :
السيمفونية الأولى معزوف بيها تاريخنا، والتانية تسمعها تكسب كل معارفنا،
آدم :
عننا ... قصدك مين؟
الكائن :
عن جنسكم.
آدم :
البني آدمين يعني سكان الأرض؟
الكائن :
أيوة أو بالأصح إللي بيسموا نفسهم بني آدمين.
آدم :
يعني انت دلوقتي عارف انتو مين، وجيتوا منين، من أنهي كوكب بقى جيتو؟ لازم من
الكائن :
احنا جايين من الكوكب ده، من الأرض.
آدم :
يعني المدينة دي بناسها وكائناتها ومخلوقاتها وكل الغرائب إللي فيها من
الكائن :
أنا مش جاي أضحك، احنا ورانا مهمة والوقت أزف والمسافة بعيدة.
آدم :
وراك أنت، أنا مش جاي، دوروا لكم على حيوان تجارب غيري.
الكائن :
إنت قطعا ضحية معلومات غلط، جبتها منين؟ أأكد لك أن حد حب يهزر معاك وحط
آدم :
أمال جايبني ليه؟ لازم أعرف دلوقتي حالا إيه المهمة اللي عمر ما عهد بيها
الكائن :
وإذا كان عشان تعرفها لازم تيجي معايا، تيجي ولا ما تجيش؟
آدم :
ذنبي على جنبي أنا حا افضل ورا المجهول لما يجيب داغي، هي المسافة
الكائن :
احنا حانخترق المدينة.
آدم :
والمدينة كبيرة؟
الكائن :
بالمشي تخترقها في أسبوع.
آدم :
حا امشي تاني؟ دا لا يمكن، أنا الجزمة دابت من المشي، خلاص ما اقدرشي أتحرك
الكائن :
ومين قال إننا حانمشي؟
آدم :
أمال حانوصل ازاي؟ حانطير؟
الكائن :
أيوة حانطير.
آدم :
هو فيه طيارات؟
الكائن :
ولزومها إيه؟
آدم :
أمال حانطير ازاي؟
الكائن :
إحنا حانطير.
آدم :
إنت تطير معلهش، إنما أنا أطير ازاي؟
الكائن :
زيك زي أي حاجة بتطير، تطير زي الفراشة ما بتطير زي العصفورة ما بتطير، زي
آدم :
بس أنا بني آدم تقيل جسمه اتخلق للمشي، ما اعرفشي أطير.
الكائن :
بسيطة، ما تعرفشي اعرف، طير.
آدم :
يا ريت.
الكائن :
لو عزت حاتطير.
آدم :
كدة؟ أقول عايز أطير ... أطير؟
الكائن :
بالضبط كدة.
آدم :
طب هه، أنا عايز أطير، نفسي موت أطير، شفت بقى ... ولا حاجة حصلت. (يكون قد ارتفع فعلا عن الأرض.)
الله، دا إيه ده، دا أنا باطير فعلا، أنا طرت، دا معقول ده؟ أنا
(يكون قد بدا كما لو كان يرتفع في الهواء بتأثير الإضاءة
الكائن :
شفت بقى المسألة سهلة ازاي.
آدم :
سهلة إيه؟ ضروري عناصر من عندكم تدخلت، هو معقول أنا لوحدي أطير؟
الكائن :
إوعى تآمن بكلامك ده لحسن تبص تلاقيك واقع مقطومة رقبتك، اللي انت مش قادر
آدم :
طب نغير بقى الموضوع.
الكائن :
بص اتفرج ع المدينة، احنا دلوقتي بالظبط فوق حي الطفولة، طفولة كل
آدم :
ألا بالمناسبة أنا من ساعة ما جيت هنا ما شفتش فيكو بني آدمين خالص، إنتو ما
الكائن :
إزاي ما عندناش، أمال اللي عمل دا كله مين؟
آدم :
طب هما فين أمال؟
الكائن :
قلت لك أنا لسة جديد، أعرف للمرحلة التالتة بس.
آدم :
بني آدمين م الأرض برضه، زينا زيهم؟
الكائن :
هما بني آدمين، بس مش زيكم.
آدم :
مش زينا ازاي، هو فيه بني آدمين تانيين؟
الكائن :
طبعا فيه ... دول الجنس الإنساني الأرقى.
آدم :
أمال احنا إيه؟
الكائن :
إنتو الجنس الأقل رقيا.
آدم :
احنا؟ ال 3500 مليون بني آدم اللي ماليين الأرض، دول الجنس الأقل رقيا؟ فيه
الكائن :
لأنهم الإنسان، الإنسان الحقيقي.
آدم :
أمال احنا إيه؟
الكائن :
أنتم بشر صحيح، إنما دافعكم للحياة حيواني، البقاء عندكم للأقوى والأذكى
آدم :
كلام غريب قوي، قصدك إيه بالإنسانية؟
الكائن :
القدرة على التوافق والتعاطف والتواؤم والحب، دول النوع الأرقى اللي تطور من
آدم :
مش قادر أصدقك قوي، التطور مستمر صحيح بس داخلنا إحنا، الإنسان الأرقى هو
الكائن :
مش ممكن يكون التطور داخلكم وإلا كانت القرود بقت الإنسان، التطور معناه خلق
آدم :
طب ما يبقى اتخلق فينا برضه؛ لأن احنا قادرين برضه على التواؤم والحب.
الكائن :
مش صحيح، دا جنسكم مش قادر على حب نفسه حتى، ده هو الجنس الوحيد اللي تقريبا
آدم :
بس مع كدة هو الجنس اللي عمر الأرض واكتشف قوانينها وسيطر على كل شيء
الكائن :
بس برضه للأسف هو اللي عمل كدة عشان يبتكر وسائل أذكى يحارب بيها بعضه، شايف،
آدم :
المعبد؟ إنتو بتعبدوا إيه؟
الكائن :
بنعبد بعض، كل شيء أو كائن فينا بيعبد الآخرين، سامع، دا أنا سامعهم بيغنوا،
(تتناهى أصوات بعيدة تقترب، ترقص وتمرح وتردد الأغنية
بالرقصة
بالضحكة
باللهفة
حيوا آدمنا،
حيوا الفارس. •••
اليوم تجسد،
اللحظة جاء،
بالأمل الواسع جاء،
بالحب الدائم جاء،
بالعالم رحبا جاء. •••
في علاها تسعد هي،
في سماها تتقبل
من كل قلب نغمة،
من كل موجود إيمان. •••
هي التي كانت،
هي من تدوم. •••
بالرقصة
بالضحكة
باللهفة
حيوا آدمنا،
حيوا الفارس.
آدم :
أنا الفارس والمنقذ؟ إيه الكلام ده؟ بيغنوا لي ليه؟
الكائن :
وحياة «هي» ما أعرف.
آدم :
أمال مين اللي يعرف؟
الكائن :
مين عارف؟
آدم :
هي «هي» الآلهة بتاعتكم؟
الكائن :
إحنا ما عندناش آلهة.
آدم :
أمال هي إيه؟
الكائن :
الله أعلم.
آدم :
ده مش معقول ده، أنا عايز حد أسأله ويجاوبني، أنا قربت أتجنن.
الكائن :
على العموم احنا قربنا نوصل، شايف النور اللي هناك ده؟ أهو ده قصر السندس،
(ستار)
المنظر الثاني (صالة واسعة جدا، بكل سعة المسرح، مربعة أو دائرية تماما، عالية
(حين ترفع الستار نجد آدم واقفا في منتصف الصالة تقريبا في حالة ذهول يستمع إلى
(يدخل العالم نموذج لجمال سن الخمسين، مستقيم، جسده كالسيف، شعره مفلفل بالبياض
العالم :
عجبتك الموسيقى؟
آدم :
أنا عمري ما سمعت حاجة بالشكل ده.
العالم :
أصل مشترك في عزفها كل كائن حي أو غير حي موجود هنا، كل شيء كان في حالة
آدم :
بي أنا؟ دا أنا عمري ما حد صفر لي حتى، إيه الحكاية؟ إيه الأهمية اللي
العالم :
دا أهمية كبيرة قوي ، أعظم أهمية، أهمية عمر ما بشر حصلها.
آدم :
كفاية بقى أرجوك، أنا مخي على وشك الانفجار، ده كتير قوي ده، أرجوك، إنت أول
العالم :
مش باين علي إني بني آدم؟
آدم :
أنا عايز أتأكد، وكمان سؤال لو سمحت؟ إنت شبهنا خالص، فيا ترى أنت مننا بقى
العالم :
يدهشك إني أقول لك إني منكم.
آدم :
يعني زيك زيي؟
العالم :
زي زيك.
آدم :
وهنا من زمان؟
العالم :
من زمان قوي.
آدم :
يعني أقدر أقول إني وصلت لشخصية ممكن أسألها وتجاوبني مش بتنفذ أوامر
العالم :
من غير ما أبالغ في قيمتي الشخصية تقدر تعتبرني كدة.
آدم :
طيب أقدر أسألك سؤال بايخ؟
العالم :
اتفضل.
آدم :
أنا صاحي وواعي ولا نايم وبحلم؟
العالم :
أنت عندك شك إنك صاحي وواعي؟
آدم :
ما هو اللي حيجنني إني ابتديت أشك في حواسي، أنا ما عنديش مانع أشوف الهوايل
العالم :
أؤكد لك إنك صاحي وواعي وفي كامل قواك العقلية.
آدم :
مع احترامي لتأكيدك فأنا عايز دليل لا يقبل الشك. (يعبث في جيبه ويستخرج سلسلة مفاتيح بها مطواة)
الحمد لله المطوة
(يغرس طرف المطواة في ظهر ساعده الأيسر ويرفع وجهه
آه.
العالم :
ليه تعمل في نفسك كدة؟ (يسرع إليه وبمنديل من جيبه
يعني لازم تتألم عشان تتأكد؟
آدم :
لازم، الشك أفظع من الألم، أنا دلوقتي بس اتأكدت. (ينظر حوله)
هو انتو في العالم الراقي ده لغيتوا الكراسي ولا
العالم :
لغينا وجودها المستمر بس، إنما بإشارة يتوجد لك الكرسي اللي تحب تقعد عليه،
آدم :
البانيو ... أنا في حاجة ماسة لقعدة البانيو. (العالم يبتسم ويشير للحائط فينزلق منه بانيو.) (يندفع آدم إلى البانيو ويتمدد فيه، وبعد أن يريح جسده
وحضرتك مش ناوي تستريح؟ اتفضل اختار القعدة اللي تريحك.
العالم :
أنا أفضل المرجيحة (يشير فتهبط مرجيحة من السقف، ثم
أنا تحت أمرك، عندك أسئلة تانية.
آدم :
إنتم عايزين مني إيه؟ وجايبيني هنا بالطريقة الغريبة دي ليه؟
العالم :
إحنا جبناك؟
آدم :
أمال أنا جيت لوحدي؟
العالم :
طبعا، مش انت اللي اخترت تيجي؟
آدم :
فليكن أنا اللي جاي.
العالم :
يبقى السؤال بقى احنا مش جبناك ليه، إنما حضرتك جاي ليه؟
آدم :
والله عال، بقى بعد ده كله، بعد هوووه وعندك ميعاد العتبة وهي عايزاك، يطلع
العالم :
دي أعراض الجوع الشديد.
آدم :
أنت ابن حلال فكرتني، دا أنا من الجوع نسيت إني جعان، أنا فعلا حاسس
العالم :
يبقى أولا تاكل، تحب تاكل إيه؟
آدم :
أولا أشوف أودة سفرة بعنيه، نروح السفرة الأول.
العالم :
ونروح ليه، السفرة هي اللي تيجي. (يشير لجزء من الحائط فيتحرك خارجا على هيئة سفرة عليها اثنان سرفيس كاملان،
العالم :
تحب تاكل إيه؟
آدم :
يا سلام على ديك رومي بالخلطة مع النبيذ الفرنساوي.
العالم :
بس كدة؟
آدم :
دي البداية بس.
العالم :
أنا بقى ح آخد شوربة خضار. (آدم يتلفت حوله منتظرا قدوم الشراب والطعام، خجلا أن يسأل
العالم :
آه ... نسيت أقول لك ... الأكل هنا زيه زي أي حاجة تانية خاضع لمجرد رغبة
آدم :
يعني بعد الجوع ده كله آكل هوا؟
العالم :
إن ما كنتش مصدق جرب، نفسك في إيه حالا دلوقتي؟
آدم :
قبل أي حاجة نفسي في كباية مية ساقعة جدا قزازها مضبب من كتر السقوعية،
(يتكلم وكأنه يبلع الماء
دا ميه بماء زهر زي ما بحبها بالضبط، دي
(يتململ ويكاد يقفز من لسع الماء)
كفاية ميه بقى، لايمونا على
(يتركه العالم حتى يطفئ نوبة جوعه الأول، وحين يبدو أنه
العالم :
لسة حاسس إن النور بيصفر والصوت بيزن في ودانك؟
آدم :
دي كانت تخاريف الجوع.
العالم :
أمال أنا بيتهيألي إن النور فعلا بدأ يصفر وسامع صوت غريب بيزن على
آدم :
تبقى لسة جعان، يا راجل كل، شوربة خضار إيه؟ خدلك كيلو كباب.
العالم (مبتسما ومتأملا جو الحجرة) :
أنا أرجو أنه يكون من الجوع؛ لأنه لو ما كنش من الجوع يبقى معناه خطير
آدم :
أؤكدلك أنه من الجوع، بلاش المعاني الخطيرة دي وحياتك، أنا يدوبك روحي ردت،
العالم :
بس قبل ما اقولك، لازم تكون اقتنعت معايا بشوية حاجات، إنت اقتنعت بالكلام
آدم :
الحقيقة خدته على أد عقله، اللي أعرفه إن جنسنا هو أرقى الكائنات كلها وعمرنا
العالم :
إزاي ما سمعتش؟ إنتم مش عندكم قصة قابيل وهابيل؟ لما آدم خلف ولدين واحد غار
آدم :
ومن ما سمعشي عليها؟
العالم :
كلنا سمعنا آه، بس حد فكر فيها، لو تأملتها شوية حتلاقي مين اللي قتل
آدم :
قابيل قتل هابيل.
العالم :
يعني اللي عاش هو القاتل، يعني الشرير وذريته هم اللي عاشوا بينما الطيب
آدم :
دا معناها كدة صحيح.
العالم :
وأخطر من كدة، يبقى معناها إن البشرية كلها من ذرية قابيل، إيه رأيك بقى لو
آدم :
حسب الأسطورة آه.
العالم :
وحسب الواقع برضه، المؤسف إن ده حصل فعلا، المؤسف إن الجنس البشري اتخلق له
آدم :
أمال ازاي بتقولوا إن المدينة دي عملها الجنس الأرقى؟
العالم :
ده صحيح، المدينة دي عملتها قبيلة من الجنس الأرقى هربت من المذبحة من فجر
آدم :
مجتمع تاني غير مجتمعنا؟
العالم :
مجتمعنا مجتمع حيوانات أذكيا جدا، المجتمع اللي عملوه قائم على أساس تاني،
آدم :
لو بس الواحد يقدر يشوف حد منهم كان صدق، كل اللي باسمعه كلام في كلام، فين
العالم :
للأسف انقرضوا هم رخرين.
آدم :
إزاي بقى انقرضوا وهم بعيد عن أي عدو؟
العالم :
لأن زي ما كان اتجاه وجودنا إحنا إننا نبقى أكتر وأكتر وكان اتجاه وجودهم
آدم :
كادوا ازاي؟
العالم :
لأن اللي باقي من النوع الأرقى ده كائن واحد، آخر كائن، أو بالضبط «هي» اللي
آدم :
طب وليه هي رفضت إنها تنقرض؟
العالم :
أنا.
آدم :
إزاي انت؟
العالم :
لأني على آخر لحظة قدرت اكتشف وجود النوع الأرقى ده وأنقذها من مصير جنسها
آدم :
الحقيقة مش شايف.
العالم :
طب اسمع كدة، مش سامع نشاز؟
آدم (مصغيا) :
أبدا.
العالم :
دي أول مرة حاجة زي دي تحصل هنا، دي لو حصلت تبقى كارثة، دا معناها احتلال،
آدم :
وإذا هجرتها يعني يحصل إيه؟
العالم :
دي يبقى ولا يوم القيامة، كل الظواهر والكائنات اللي انت شايفها تتجمد
آدم :
أنا مسئول، خلينا في المهم، بقى انت اللي اكتشفت الجنس الأرقى ده؟ لازم حضرتك
العالم :
أبدا، أنا أصلا مش عالم.
آدم :
أمال انت أصلا إيه؟
العالم :
قاتل.
آدم :
قاتل؟!
العالم :
أنا قابيل الحقيقي اللي قتل أخوه.
آدم :
أنا شبعت ... سفرة دايمة (يخلع الفوطة ويغادر السفرة
.
يا شيخ خضيتني، أنا افتكرتك قتلت أخوك بجد.
العالم :
ما أنا قتلته بجد، كان أبويا وأمي بيحبوه أكتر مني، وكلهم صدقوا إنه غرق في
آدم :
أقول لك إيه؟ بين الحقيقة والخيال حاجز رقيق اسمه المعقول، وأنا بجد عايز
العالم :
كان لا بد أمنع انقراض الجنس ده بأي وسيلة، وعشان كدة جيت هنا، وبعد طول
آدم :
حل معقول جدا وسهل كمان.
العالم :
معقول جدا آه، إنما سهل مش سهل أبدا، دا أصعب من الصعب، إزاي تلاقي بين
آدم :
مشكلة صحيح، أمال عملتو إيه؟
العالم :
دلوقتي الصوت بقى واضح جدا، سامع؟
آدم (مستمعا) :
الظاهر إن فيه حاجة بتزن فعلا.
العالم :
ده مش زن، دا أكيد اختلال في نظام التواؤم، والمؤكد أن النور بقى أصفر، مش
آدم :
دا زي ما أكون دايخ م الجوع.
العالم :
التواؤم بيتفكك، هي قطعا بتبتعد.
آدم :
يمكن ابتعاد مؤقت.
العالم :
ما اعتقدش، ده ابتعاد مستمر، دا لازم بدأ من زمان من قبل ما تمر حنة ترتكب
آدم :
طب بس أرجوك، قدامنا وقت طويل نتناقش فيه، أنا دلوقتي عايز أعرف قدرتو فعلا
العالم :
أعتقد إن الوقت قدامنا مش بالطول اللي انت فاكره، بيتهيألي وقتنا محدود
آدم :
وطلع مين؟
العالم :
الحلقة نمرة ستة في عمر صفة الذكاء، إنت عارف إن جنسنا وحدته مش البني آدم
آدم :
ومين بقى الحلقة نمرة ستة في عمر صفة ذكاؤه؟
العالم :
إنت، إنت أنسب واحد واللي حييجي بعدك مش قبل ميت سنة، تكون هي فقدت القدرة
آدم :
أنا؟ مين قال إني أذكى وأحسن واحد؟
العالم :
احنا مش بندور على الأذكى والأحسن، احنا بندور على اللي لما يخلف يخلف
آدم :
أما حاجة غريبة، طب والتزاوج يتم ازاي بقى؟
العالم :
لازم يتم في أقصى درجات الحب وإلا ما ينفعشي ولا الجنين يتكون.
آدم :
طب الحب دي مسألة مش في إيدينا.
العالم :
ما اعرفشي ازاي تحصل إنما لازم ننجح، دي فرصة البشرية الأخيرة وفرصة الجنس
آدم :
طب هي فين أمال؟ ممكن أشوفها؟
العالم :
يا ريت ليها وجود زي وجودنا محدود ومعروف، هي كانت بتتجسد لي على هيئة
آدم :
طب وما تتجسدشي لك على هيئة واحدة عايشة ليه؟
العالم :
لأنها إذا عملت كدة يكون التجسد نهائي وما تقدرشي ترجع.
آدم :
يعني أنا لازم أتخيل واحدة باحبها قبل ما أحبها؟ دا كلام ده؟! إزاي حا اعرف
العالم :
إنت أملنا ومنقذنا ولازم تعرف.
آدم :
طب ما دام كدة المسألة تزاوج وحب ما كانشي ممكن استدعى بطريقة ألطف؟
العالم :
الطريقة دي كانت لازمة عشان تحدث في شخصيتك آخر اللمسات اللي احنا
(فجأة يعلو الصوت النشاز بشكل واضح ويتبدى ضوء أصفر قوي
العالم (وكأنما يحدث الكون كله بصوت مر مستغيث) :
يا كل ذرات هذا الكون وجزيئاته ... يا كل أحيائه وغير أحيائه، أهيبوا معي ب
(تتصاعد الاستغاثة على هيئة نغمة موسيقية لاهثة.) (شيئا فشيئا يبدأ الضوء الأصفر ينقشع وكذلك الصوت.)
آدم :
دي باينها رجعت، دي حاجة مرعبة، بقى أنا علي إني أحب كائنة زي دي تقدر تغذي
العالم :
من ناحيتي أنا، أنا مهمتي انتهت، أنا بلغت، وانت بقيت المسئول الحقيقي، اللهم
آدم :
البلاغ تم صحيح، إنما لازم أعرف حا اقابلها ازاي وفين وإمتى، وازاي أستدل
العالم :
وازاي أبلغ حاجة ما اعرفهاش، دي علاقة إنسانية يا ابني، أول علاقة بين جنسين
آدم :
وازاي دا يحصل بس؟
العالم :
دا بيتوقف عليك، من دلوقتي بقت مسألة بينك وبين نفسك.
آدم :
بعد دا كله تبقى مسألة بيني وبين نفسي؟ (يفرك كفيه بقلق عظيم.)
نفسي أعيط.
العالم (بابتسامة طيبة) :
دي بداية مبشرة فعلا ... أنا دلوقتي حاسس ... (فجأة يتوقف عن الحديث ويظل على نفس وضعه بنفس ابتسامته
(يحدق آدم تجاهه باستغراب ثم بقلق، ثم يندفع إليه ويمسك بيده
آدم :
بالسهولة دي؟ وفي تمام صحتك كدة؟ (ثم وكأنه يفطن إلى أمر فاته، ينحني راكعا أمام العالم
أرجوك ... اغفر لي وسامحني ... أنا حالا بس فهمت ... فعلا كان لازم تموت عشان
(ثم ببطء يعود للوقوف ويتطلع إلى السماء، وفي نفس اللحظة يكون
آدم :
ساعدني يا رب ... امنحني كل ما منحته لرسلك. (يظهر عشماوي على الباب، بينما في الخارج يدوي صوت عربة،
(ستار)
الفصل الثالث
المنظر الأول (في معمل الدكتور آدم، آدم جالس مفتوح الساقين والذراعين وقد
نارة :
دكتور آدم ... أنا صحيح مجرد المساعدة بتاعتك، وماليش أي حق إني أخرج عن الحدود
آدم (بخمول شديد) :
عارف ح تقولي إيه.
نارة :
أنا آسفة، لأ، ما انتاش عارف، كون إنك تفقد الحماس للشغل، إنت حر، كون انت
آدم :
أمال إيه المشكلة يا نارة؟
نارة :
المشكلة إني حاسة إنك ما بقيتش انت، شكلك هو هو، عوايدك هي هي، كلامك هو هو،
صحيح، اسمح لي أسألك، إنت مين؟
آدم :
ح كون مين يعني؟ ما أنا برضه آدم القديم.
نارة :
مستحيل، آدم دكهه كان عارف هو مين، ولذلك كانت الناس كلها، وأنا منهم عارفة
آدم :
يعني عايزة تقولي إني اتغيرت؟
نارة :
يا ريت، أنا عايزة أقول إنك مش غبت غيبة طويلة وبعدين رجعت، ولو متغير، إنما
آدم :
أمال اللي رجع مين بقى يا عبقرية؟
نارة :
واحد تاني خالص، يمكن حتى ما يعرفش كان فين، ولا جرى له إيه.
آدم :
أنا معاكي إن اللي رجع واحد تاني، بس مش واحد ضاع، إنما واحد يمكن لأول مرة
نارة :
وهو الواحد بيلاقي نفسه عشان يعيش بيها ولا بيلاقيها عشان يبطل يعيش؟ انت
آدم :
جايز.
نارة :
طيب ليه؟!
آدم :
يمكن لأن الأكل والعمل والكلام والحياة كانت أهم حاجة عندي، دلوقتي اللي
نارة :
والحاجة دي إنت عارفها؟
آدم :
اللي يجنن إني عارفها ومش عارفها، إنها أهم من حياتي ووجودي، وفي نفس الوقت
نارة :
دي ألغاز دي!
آدم :
فعلا هي لغز!
نارة :
طب ما تحله.
آدم :
المضحك إنه لغز لازم هو اللي يحل نفسه.
نارة :
فيه حاجة اسمها لغز يحل نفسه؟
آدم :
أصله مالوش نظير.
نارة :
وبعدين؟
آدم :
ولا قبلين، لغاية ما يحل نفسه أديني قاعد زي ما بتقولي أأدي واجب إني
نارة :
طيب ما دام المسألة انتظار، ما تعمل حاجة أفيد.
آدم :
زي إيه؟
نارة :
تكمل البحث بتاعك، إنت مش عارف قيمته؟
آدم :
حتكون قيمته إيه يعني؟
نارة :
يا نهار، دا موضوع ممكن يقلب حياتنا كلها، دا انت بتثبت فيه بالدليل القاطع
آدم :
وافرضي اكتشفته ح يحصل إيه؟
نارة :
يحصل إيه؟! بقى لما يتحقق للإنسان القدرة على التحكم في إرادة الحياة عنده،
آدم (بسخرية) :
عشان يعملوا إيه؟
نارة :
عشان يعيشوا.
آدم :
وإيه فايدة إنهم يعيشوا الحياة اللي إحنا عايشينها دي؟
نارة :
دكتور آدم ... إيه الكلام ده؟ إيه فايدة إنهم يعيشوا؟! إوعى تكون حقنت نفسك
آدم :
ما تخافيش، أنا عمري ما كانت عندي إرادة حياة زي اللي عندي دلوقتي، بس
نارة :
أيوة ... إيه هي المشكلة؟
آدم :
يا ريت تتحل بإني أقولها لك، يا ريت في إيد أي حد في الدنيا إنه يحلها يا
نارة :
حتى إرادة الحياة اللي عندك ما تحلهاش؟
آدم :
الإرادة! الإرادة! قعدنا أجيال نحلم بالإرادة، ونخطب، ونكتب ونقول، ونمجد في
نارة :
وهو فيه أجمل وأنبل من إرادة الحياة؟
آدم :
مش لما تكون الحياة أولا أجمل وأنبل حياة.
نارة :
ما هي بالإرادة برضه ح نخلي الحياة أجمل وأنبل.
آدم :
طب ما احنا عايزين كدة من يوم ما بقينا بني آدمين، ما اتحققش ليه؟
نارة :
لأننا ماعزناش ده بقوة كفاية، لو أردنا الحياة أجمل وأنبل بنفس القوة اللي
آدم :
طب وإرادتنا ضعيفة ليه؟
نارة :
مين عارف، يمكن لأننا أحيانا بنفضل إننا نقبل الوجود أحسن ما نغامر
آدم :
يبقى طبيعتنا نفسها، مش إرادتنا هي اللي عايزة تتغير.
نارة :
خلاص، يبقى عليك إنك تبتدي البحث عن إنزيم يغير الطبيعة.
آدم :
ابتديت البحث، وعرفت الإنزيم.
نارة (باندهاش عظيم) :
بتضحك علي؟
آدم :
باتكلم جد، ما هي دي المأساة.
نارة :
طب ومستني إيه؟ ما نعلن الاكتشاف ونبتدي التطبيق.
آدم :
عرفتي بقى السبب، أهو هنا بقى ييجي اللغز اللي لازم يحل نفسه، الإنزيم هو
نارة :
يمكن لو تعوزه بشدة.
آدم :
أنا كل ذرة في جسمي عايزاه وبتناديه، أنا فعلا اتغيرت زي ما بتقولي، أنا
نارة :
يا سلام، أنا سعيدة بشكل، إنت فعلا ما ضعتش، كلامك الأخير ده طمني، زي جمرة
(يدق التليفون)
آدم (بزهق) :
شوفي مين وعايز إيه وخلصيني منه.
نارة :
أيوة ... أيوة ... مشغول خالص، ممكن أعرف الموضوع، أيوة، كدة، سويدية، أكبرج،
(تضع السماعة)
الظاهر إن حظك كويس يا دكتور آدم.
آدم :
ليه حصل إيه؟
نارة :
إنت فاكر الجواب اللي جالنا من جامعة استكهلم وقلت أرد عليهم إنك
آدم :
مش فاكر إنما حصل إيه؟
نارة :
مش فاكر العالمة السويدية اللي بعتت عن طريق كلية الطب هناك تطلب إنها تيجي
آدم :
خلصيني، مطلوب إيه؟
نارة :
وصلت، وقاعدة عند سكرتيرة العميد، وعايزة تقابلك.
آدم :
مش تقولي كدة وتخلصيني!
نارة :
طبعا دي مش ح ترفض تقابلها.
آدم :
أرجوكي زي الشاطرة كدة، تروحي لها، وبكل لباقة تعتذري لها، وتفهميها إني
نارة :
بقى حد يعمل كدة؟ ... دي سويدية!
آدم :
إن شالله تكون كويتية!
نارة :
دا يمكن يكون فيها حل اللغز يا دكتور آدم، ما تتسرعش!
آدم :
ما افتكرش، ياللا يا شاطرة. (نارة تهز أكتافها وتسرع خارجة.)
آدم :
هل ممكن الواحد يحب واحدة حب حقيقي وهو عارف ومتأكد إن ما لهاش شكل ولا اسم
(نارة تدخل لاهثة وتظل واقفة تلهث.)
آدم :
مالك؟
نارة :
دكتور آدم، دكتور آدم، دي مش ممكن تكون من جنس البشر، دكتور آدم، دي لازم
آدم :
إيه ده؟ بتتكلمي عن مين؟
نارة :
عن هيلدا، دي بالضبط المعجزة اللي جيالك م السما، اسمع بقى: أنا عمري ما ظبطتك معجب بست، ولا كان بيتهيألي إنك حتلاقي في ستات البلد كلهم حد يعجبك، دي
آدم :
هي حلوة للدرجة دي؟
نارة :
اللي تكفي كلمة حلوة إنها توصفها، ما تبقاش حلوة، الحلوة الأنثى، هي اللي ما
آدم :
أنا عارف طريقتك يا نارة: يا إما بتدبريلي في مقلب، يا إما إنك عايزاني
نارة :
من غير ما تشوفها كدة؟ إنت إيه، ما فيش حب استطلاع حتى؟
آدم :
أنا بحب يا نارة وده كفاية.
نارة (بفرحة شديدة) :
بتحب؟! امتى وفين ومين؟ أرجوك، رد لي عقلي واتكلم.
آدم :
للأسف ما اقدرش أتكلم.
نارة :
ولو، والله حتى لما تكون بتحب واحدة عرفتها مليون سنة، هيلدا هتخليك تغير
آدم :
أنا اللي عاجبني في الموضوع ده كله حماسك الزايد ده، دا انت جسمك كله بيرجف،
(دون أن تغادر الحجرة تفتح نارة الباب وتطل برأسها من فتحته،
(من الباب تدخل أنثى ساحرة حقا، ترتدي بدلة فيها كل الجاذبية
(تدخل، تتوقف بغتة محدقة تجاه آدم الذي يروع بمنظرها، لا
هيلدا :
دكتور آدم. (آدم يرتبك، يتحول بوجهه من ناحية إلى أخرى، وإلى أعلى وأسفل،
آدم :
الله، إنتي بتتكلمي عربي كويس! غريبة أوي.
نارة (بحماس) :
قالت لي إنها اتعلمت عربي مخصوص عشان تتفاهم معاك.
آدم (ناظرا لهيلدا التي لا تزال ممسكة بكفيه) :
صحيح؟
هيلدا :
أخيرا ... إنت؟
آدم :
أخيرا ازاي؟ مش فاهم.
هيلدا :
عفوا، اعذرني، أنا حلمت كتير باللحظة دي.
آدم :
عشان اهتمامك بالأبحاث طبعا؟
هيلدا :
أكتر عشان اهتمامي بالراجل اللي فكر فيها، بك. (تتململ يداه ارتباكا، فتتنبه هيلدا وتترك كفيه.)
هيلدا :
آسفة ... أعتقد إني يلزمني بعض السيطرة على نفسي.
آدم :
إنتي باحثة في أي فرع؟
هيلدا :
في نفس فرعك.
أدم :
خدتي الدكتوراه؟
هيلدا :
كانت رسالتي فقرة وردت في رسالتك.
آدم :
بس رسالتي ما انتشرتش برة، إزاي عرفتيها؟
هيلدا :
من زميل لك مصري زار كليتنا.
آدم :
اعذريني بس صعب قوي إن حد يصدق إن واحدة زيك واخدة الدكتوراه في
هيلدا :
ليه ما يصدقش؟
آدم :
لأنك ...
هيلدا :
أيوة ... لأني ...
نارة :
انطق يا أخي.
آدم :
شكلك يعني مش أكاديمي.
هيلدا :
أمال إيه؟
نارة :
أيوة أمال إيه؟
آدم :
قصدي مش عادي، غير عادي.
هيلدا :
في إيه؟
نارة :
فقعت مرارتي قول.
آدم :
يمكن حلوة.
هيلدا (بفرحة) :
رأيك إني حلوة؟ ... صحيح، إنت شايفني حلوة؟ ... مش مجاملة؟ ... أنا عارفاكوا تحبوا
آدم :
طبعا ... طبعا ... يمكن حلوة قوي كمان.
هيلدا (تنتابها فرحة طفولية فتكاد تقفز فعلا) :
حلوة قوي ... تصوري ... رأيه في إني حلوة قوي؟ أنا سعيدة ... سعيدة ... ح اتجنن
آدم :
ياه ... للدرجة دي؟
هيلدا :
دا أنا كان منتهى أملي إنك ما تتضايقشي مني، أقوم أفاجأ إني في رأيك حلوة
آدم :
العتبة؟! اشمعنى العتبة؟ (بريبة
هيلدا :
عندي ميعاد في العتبة.
آدم (وقد امتقع وجهه) :
بقى كدة؟ بقى انتي بقى ... إنتي فين يا هي ... إنتي فين يا هيلدا من زمان، إنتي
هيلدا :
يعني كنت بتنتظرني؟
آدم :
زي المحكوم عليه بالإعدام لما بينتظر العفو، زي المؤمن لما بينتظر
هيلدا :
إنت متأكد إنك بتكلمني أنا؟ كنت بنتنظرني أنا؟ متأكد إني أنا؟!
آدم :
إنتي الحلم اللي أخيرا بيتفسر، الأمل جاي بعد ما انتهى الأمل هي ... هيلدا!
هيلدا :
اسمي صعب على لسانك، غيره، سميني الاسم اللي يعجبك، إذا كان لبسي مش
(نارة وهي في حالة سعادة غير عادية تنسحب على أطراف أصابعها من
آدم :
ده كتير قوي ده ... دا مفاجأة ما كنتش أحلم بيها!
هيلدا :
هو إيه اللي كتير؟!
آدم :
إني عاجبك للدرجة دي!
هيلدا :
الإعجاب كلمة محدودة جدا، إعجاب إيه؟ دا أنا بجد حاسة إني من صنعك، إن
آدم :
دي حاجة تجنن، دا حب ده، حب حقيقي، دا ولا كأنه عمره ألف سنة.
هيلدا :
وتصور من ألف سنة وأنا نفسي تحضني وتبوسني، من قبل ما اتولد، من وأنا لسة
آدم :
نفسك يعني؟
هيلدا :
نفسي، وكل لحظة بتفوت دلوقتي كأنها ميت سنة، أنا استنيتك كتير، وماعدتش
آدم :
بس أنا ...
هيلدا :
ما بتحبنيش؟
آدم :
مين قال كدة؟
هيلدا :
أمال واقف ليه؟ متمالك نفسك ازاي؟ مش ممكن واحد بيحب يسمع اللي قلت ويفضل
(تقترب منه، تمسك بيديه وتضغطهما بشدة.)
هيلدا :
أنا أهه، حاسة إني ملكك أكتر ألف مرة من إني ملك نفسي، انتظرتني صحيح؟ (تغمض عينيها وترفع إليه شفتيها في دعوة مفتوحة.)
آدم :
انتظرتك كما لم أنتظر أو ينتظر مخلوق شيء أو مخلوق آخر.
هيلدا :
انتظرتني ليه؟
آدم :
لأن مقابلتك بقت هدف حياتي.
هيلدا :
ده سبب عقلي، بعواطفك استنتني؟
آدم :
بكل عواطفي.
هيلدا :
أنا يهمني منها عاطفة واحدة بس.
آدم :
أي عاطفة.
هيلدا (بقلق) :
وفيه عاطفة غيرها؟
آدم :
مش فاهم.
هيلدا (بقليل من فروغ الصبر) :
انتظرتني عشان كنت بتحبني مش كدة؟
آدم :
بالضبط كدة.
هيلدا :
وأنا جيت واتوجدت أهه، لسة الحب موجود؟
آدم :
طبعا طبعا.
هيلدا :
موجود فين وإيديك ما فيهومشي رعشة حب، وصوتك مافهشي بحة إحساس، وعينيك
(فجأة تسحب يديها منه بسرعة، وكالطلقة تندفع خارجة.)
آدم :
هيلدا ... هيلدا ... هيلدا ... أرجوكي ارجعي ... دا مصير البشرية ... أرجوكي. (ستار)
المنظر الثاني (المكان: شقة آدم، المنظر في غرفة النوم والمعيشة والسفرة وهي غرفة
آدم :
أعمل إيه بقى يا نارة؟
نارة :
ولا حاجة، ح تعمل إيه ... مشروع علاقة وفشل زي ما آلاف غيره من المشاريع بتفشل
آدم (معتدلا في فراشه مذعورا) :
إنتي بتقولي إيه؟! إنتي اتجننتي؟! مشروع علاقة فشل؟! ده لا يمكن يفشل، دانا
نارة :
الله، طب ما دام مهمة عندك العلاقة للمدى ده، ما استجبتش ساعتها ليه؟
آدم :
ما هو كون إن اللي حصل حاجة، وكون إن العلاقة تفشل حاجة تانية.
نارة :
يعني إنت عايز العلاقة تستمر؟
آدم :
من صميم صميم قلبي.
نارة :
أما حاجة تلخبط صحيح، إنت مش قايل لي دلوقتي إن اللي منعك من تقبيلها إنك
آدم :
أنا باحاول أغير موقفي.
نارة :
وتفسير معقول فعلا، واضح ان السبب الوحيد لعدم استجابتك إنك اكتشفت إنك ما
آدم :
لأنها لازم تستمر، لو ما استمرتش ح انتحر.
نارة :
أرجوك، يمكن أنا غبية، إزاي تنتحر إذا انقطعت علاقتك بواحدة ما بتحبهاش حتى
فسر لي المعضلة دي؟
آدم :
مفيش تفسير، علاقتي بها لازم تستمر.
نارة :
المسألة بسيطة، حبها.
آدم :
يا ريت الحب بيخضع للإرادة.
نارة :
إوهمها إنك بتحبها.
آدم :
ولا الكذب ينفع، دي إنسانة بتحب بأظافرها وأطراف شعرها، ومهما حاولت فجسمها
نارة :
أمال فكرك يكون الحل إيه؟
آدم :
يعني أنا مصحيكي م النوم وجايبك في عز الليل عندي بالطريقة المجنونة دي عشان
نارة :
أبشع ازاي؟
آدم :
يعني أقل شيء يحصل، حاجة زي ما تقولي يموت من تحت راسها ألف واحد.
نارة :
ألف واحد يموتوا لو انقطعت علاقتكم؟
آدم :
ألف إيه؟ أنا مش عايز أخوفك، يمكن كل ساعة ألف.
نارة :
إنت عايز تهوشني، إيه البتاعة اللي زي كدبة إبريل دي؟
آدم :
إنتي عارفاني كويس يا نارة، وأنا مش قادر دلوقتي أشرح لك كل حاجة، يمكن في
نارة :
اعتمادا على إحساسي فعلا باين إنك صادق، وأنا مصدقاك.
آدم :
الحمد لله، يبقى انتي معايا إن لازم العلاقة تنجح وتستمر.
نارة :
من كل قلبي معاك.
آدم :
إزاي تنجح والوضع بقى واضح زي الشمس؟
نارة :
ما فيش حتى في قلبك رغبة، مجرد رغبة راجل في امرأة؟
آدم :
أنا عمر ما الرغبة عندي بتنفصل عن الحب، الاتنين عندي شيء واحد، يا إما يوجد
نارة :
طب افرض إنها قبلت ان علاقتكم تستمر على الوضع ده، هي بكل الحب وانت من غير
آدم :
دا أنا أتمنى بس أنا متأكد إنها حترفض، المرأة لا يمكن تقبل وضع بالشكل
نارة :
المرأة كامرأة آه، إنما المرأة لما بتحب بتقبل حاجات وأوضاع لا يصدقها
آدم :
يعني تعتقدي إنها حترضى؟
نارة :
لو كان حبها ليك حقيقي، حترضى، ولو لإعطاءك فرصة أخيرة، بحيث لو فشلت ما
آدم :
وهنا ييجي دورك يا مساعدتي العظيمة.
نارة :
أي دور؟
آدم :
أن تعيدي الاتصال.
نارة :
بس كدة؟ على عيني.
آدم :
أرجوكي، ضروري سابت عنوانها في المعهد، ولا بلاش، التليفون أهه، وقدامنا من
نارة :
برضه بسيطة.
آدم :
ولحظة ما نعرف مكانها ح تروحي تقابليها، وما اعرفشي ح تعملي إيه، ح تقولي
(إظلام)
المنظر الثالث (هذا المشهد يمكن أداؤه كما هو مكتوب، ويمكن أداؤه بطريقة
(حين تعود الإضاءة، تعود بحيث تظهر الشخصيات سيلويت طوال المشهد كله.) (آدم واقف وظهره إلى المتفرجين، يحدق وكأنما من خلال حائط زجاجي كامل في شقته، حركاته
آدم :
ليه يا هيلدا؟
هيلدا :
لأني مش جاية اشترك في مسرحية، ولا أضحك على نفسي، ولا أسمح لك إنك تضحك على
آدم :
أنا خايف برضه تظلميني المرة دي زي ما ظلمتيني المرة اللي فاتت.
هيلدا :
أنا مش ممكن أظلمك، مش لأنك ما تستحقش، ولا لأني كويسة، إنما لسبب واحد: إني
آدم :
بلاش ظلمتيني، حكمتي علي بقسوة على الأقل.
هيلدا :
الأصح إني حكمت على نفسي.
آدم :
حكم متسرع، المرة دي بارجوكي بلاش الأحكام السريعة.
هيلدا :
وأنا أرجوك بلاش الافتعال، أنا من كتر إحساسي بيك بعرف اللي ح تقوله قبل ما
آدم :
أنا؟ أهينك؟ إنتي؟
هيلدا :
أنا برضه مش ح اخدعك، أنا مش جاية هيلدا اللي بتحبك، مش الحب هو اللي
آدم :
أمال إيه اللي جابك؟
هيلدا :
مجرد رغبتي إني أعرف جواب لسؤال ما حدش يقدر يجاوب عليه إلا انت. (تبدو خيبة الأمل على آدم.)
آدم :
بقى عشان كدة جاية؟
هيلدا :
أمال تفتكر جاية أتوسل إليك وأرجوك إنك تعطف علي وتحبني؟
آدم :
هيلدا ... بلاش الكلمات القاسية دي.
هيلدا :
عندك حق، إنت مالكش ذنب، وأنا عارفة لو المسألة بالإرادة كنت لا بد ح تريد
آدم :
يا هيلدا الحب أنواع، والناس طرقهم في الحب مختلفة، إنتي حبك زي الصاعقة، في
هيلدا :
الطرق مختلفة آه، بس المبدأ يا موجود يا غير موجود، وبرضه ده مش
آدم :
أمال موضوعنا إيه؟
هيلدا :
نارة قالت لي إنك عايز فرصة تانية ... وأنا وافقت عشان كمان أدي نفسي فرصة
آدم :
ح تحددها ازاي؟
هيلدا :
لأنها ح تحدد إنت إيه.
آدم :
وإيه أهمية أنا إيه؟
هيلدا :
لأن عشان أحبك من غير ما تحبني لازم تستاهل تتحب لذاتك، الإجابة حتحدد ذاتك
آدم :
ولو إني مش موافق على الفكرة ولا على إن العلاقات بين الناس بتقوم بسؤال أو
هيلدا :
السؤال هو: ما دام مفيش من ناحيتك حب، إيه حرصك الشديد على أن علاقتنا تستمر
آدم :
دا انتي اللي بتسألي السؤال ده؟ أنا أفهم إن نارة تسأله، معلهش، أي حد غيرك،
هيلدا :
غير معقولة ليه؟
آدم :
لأنك انتي تعرفي الجواب، وأنا باستغرب ازاي بتتصرفي في علاقتنا بالبساطة دي
هيلدا :
وإذا قلت لك إني ما اعرفوش.
آدم :
تبقي حاجة من اتنين؛ يا بتمتحنيني يا بتسخري مني.
هيلدا :
يا إما أبسط من كدة وكدة ما اكونش بجد عارفاه.
آدم :
أهو أنا دلوقتي متأكد إنك بتسخري مني.
هيلدا :
دا أنا دلوقتي اللي متأكدة إنك بتهرب م الجواب.
آدم :
أنا اللي بهرب؟ والله «هي» اللي بتستخبى؟
هيلدا :
هي مين؟
آدم :
احنا ح نلعب استغماية والبشرية مصيرها معلق في إيدينا؟
هيلدا :
أنا حقيقي ماعدتش فاهمة حاجة.
آدم :
وأنا اللي ح يجنني ازاي انتي فاهمة كل حاجة، وبتقولي إنك بتحبيني وبتمكري
هيلدا :
أرجوك يا آدم، أنا بجد عايزة أفهمك، وعايزة أصدقك، وانت باين فيه حاجات كتير
آدم :
مش عيب تتحولي من دور المحبة إلى دور اللي بتستدرجني عشان توقعني؟ أنا اللي
هيلدا :
إذا أقسمت لك إن ماليش أهداف، وإني حقيقي مش عارفة بتتكلم عن إيه، وإني بجد
آدم :
ح اقولك أنا آسف جدا إني مش ح اقدر أحقق طلبك، إنما بارجوكي وأبوس إيديكي
(تنظر له هيلدا طويلا، نظرة ساخرة مريرة.)
هيلدا :
وبتتكلم عن علاقتنا؟ وخايف إني أقطعها؟ أقطع حاجة مالهاش وجود؟ وعمرها ما
(وفي لحظة تختفي وكأنها تبخرت.) (ستار)
الفصل الرابع
المنظر الأول
معمل الدكتور آدم
آدم :
حضرتي كل حاجة؟ إوعي تكوني نسيتي توصلي سلوك جهاز رسم القلب.
نارة :
أنا عمري نسيت حاجة يا دكتور، اشمعنى المرة دي ح انسى؟
آدم :
معلهش، زيادة في التأكد، دي التجربة نمرة 77 وآخر مرة راح أحاول فيها، ولازم
نارة :
إنت فعلا تعبت فيه.
آدم (وكأنه يحدث نفسه) :
أصلها مش مجرد تجربة أخرى أو حتى أخيرة، دي حطيت فيها آخر أمل لحياتي كلها،
نارة :
بتكلمني يا دكتور آدم؟
آدم (تائها) :
لأ.
نارة :
أنا تعبت قوي يا دكتور من الحيوانات الغلبانة اللي بقالي أسابيع وكل يوم
آدم :
أنا عارف أنا تعبتك معايا، بس تأكدي إن لحظة النجاح ح تضيع كل الألم. (ثم
أظن مفيش داعي إني أقول لك، إنما احتياطيا حفكرك، دي الحقنة
نارة :
اتفضل.
آدم :
هاتي لنا المرة دي الأرنب نمرة 95.
نارة :
95 اللي هنا ده؟ (مشيرة إلى الأرنب الموجود في قفصه
آدم :
أيوة هوه.
نارة (تبدو عليها علامات انزعاج متزايد) :
بس ...
آدم :
بس إيه؟
نارة :
دا مفروض يستنى هنا على طول، ده «الكنترول» اللي بنقارن بيه التانيين.
آدم :
ما عدناش عايزينه دي آخر تجربة، وحنستعمله هو بالذات فيها.
نارة :
أرجوك يا دكتور ... أنا عمري ما طلبت منك حاجة أبدا، ممكن أتجرأ وأطلب منك طلب
آدم (باستغراب) :
طلب إيه؟
نارة :
ممكن عشان خاطري بلاش 95، نختار واحد تاني.
آدم :
وإيه الفكرة يعني؟ ما كلهم أرانب زي بعض.
نارة :
أصل ده بالذات بقاله معانا في العمل مدة، وأنا بنفسي اللي كنت بأكله وأحيانا
آدم :
من الناحية دي ما تخافيش، دا انتي ح تنبسطي قوي إن أرنبك ده كان أول حيوان
نارة :
بس الاحتمال التاني موجود.
آدم :
بنسبة لا تذكر، ياللا ياللا ما تخافيش، دا لازم تحسي بالفخر إننا ح ندخله
آدم :
وحياتك يا دكتور بلاش 95.
آدم :
نارة، العلم مافهشي عواطف، وده أمر، ياللا، هاتيه. (بصعوبة بالغة وألم زائد تتحرك وتجيء به وتسلمه لآدم وهي
لأ، بلاش التكشيرة دي وحياتك، إحنا بنستعد للنجاح، الابتسامة مش أليق
(ينشغل آدم في استخراج الحيوان وتثبيته على منضدة للتجارب
دا انت شقي بشكل، بقى هو ده يا ستي الحبيب المجهول؟ أنا قاعد أقول يا ترى
نارة :
إنت متأكد يا دكتور أن الإنزيم ده حيدي نتيجة أكيدة؟
آدم :
أنا عمري ما كنت متأكد من نتيجة حاجة بعملها زي ما أنا متأكد المرة
نارة :
يعني أطمن؟
آدم :
ثقي إن حبيبك المجهول حيرجعلك بعد الرحلة الغريبة اللي حنبعته فيها ليخطف
نارة :
مش عارفة ليه ابتديت أتفاءل؟ الظاهر فعلا نجاحنا مش حييجي إلا مع 95.
آدم (منتهيا من عمله) :
دلوقتي كله جاهز، نبدأ الخطوة الأولى، إديني حقنة إنزيم إرادة الموت، اقريها
(نارة تتناول الحقنة وتقرأ ما كتب
.
مضبوط. (يمد يده ويتناول منها الحقنة بصعوبة وكأنها تقاوم، بعد
تمت الخطوة الأولى بنجاح.
نارة (باضطراب) :
ما هو دايما الخطوة الأولى بتتم بنجاح.
آدم :
ارصدي لي الحركة والتنفس.
نارة :
التنفس أسرع، الأرنب بتململ، وقف فجأة، بيشب بدماغه لفوق خالص، تنى رجليه
آدم :
القلب لسة كويس.
نارة :
التنفس بقى بطيء قوي، بيتهيألي إنه بطل يتنفس.
آدم :
بيتهيألك بس، أنا عندي يا دوبك الموجة الأولى اتأثرت شوية، النهضة قوتها
نارة (كالمستغيثة) :
القلب لسة كويس.
آدم :
دا مش شغلك، إديني الحقنة التانية، إوعي تغلطي، م. أ. ح 77 ح.
نارة (باضطراب أشد وهي تتبع الحقنة تحت بصره) :
مش مضبوط؟
آدم :
أعصابك يا نارة ... كلها مسافة الحقنة وخلاص. (يغرز الإبرة في وريد الحيوان ويفرغها ثم يضعها
نارة (منحنية فوق الأرنب) :
95 أرجوك، عيش، اصحى، إوعى تموت، أرجوك، إوعى تموت، يا دكتور، دكتور، إوعى
(آدم يلقي ناحيتها نظرة صارمة ثم يعود لمراقبة
دا ما بيتحركش خالص، دا مات يا دكتور، دا مات.
آدم (باضطراب وعصبية) :
اسمعي، إذا كنت حتلخبطيني كدة، اخرجي برة الأوضة خالص، الله، سيبيني أشوف
نارة :
حاضر، شوف شغلك، بس انقذه، موتني حتى بس انقذه (آدم ينهمك في تتبع أي نبض أو علامة حياة في أجهزته، يمسك بيديه الأرنب
.
نارة :
مات؟ (آدم يخفض رأسه.)
مش ممكن يموت، انقذه، حرام عليك تسيبه كدة، شغل مخك ده (وهي تهز آدم من كتفيه بشدة)
وانقذه، مش ممكن
(ثم تنخرط في بكاء قصير، تكف عنه وهي لاتزال منكفئة فوق
(آدم ينهار على الكرسي ذي المسندين ويجلس نفس جلسته في بداية
(موسيقى)
آدم :
إنتي إذا كنتي زعلانة على أرنب مات، أعمل إيه أنا في إنسان عزيز، أعز إنسان،
نارة :
كفاية مغالطات، الإنسان ده مامتش ولا حيموت، كل اللي حصل إنه فشل، والفشل له
آدم :
فشلي ده زي الموت، لأنه آخر فشل، ضاعت آخر فرصة ألاقي فيها سبب واحد يدعوني
(نارة تحدق فيه دون أن تطرف أو تحول عينيها أو
عندك حق، كل اللي بتقوليه بنظراتك مضبوط، أنا نفسي باحتقر نفسي، ما فيش حد
نارة (بادئة بصوت منخفض جدا لا يكاد يسمع متصاعدة به شيئا
:
إنت لا خايب ولا فاشل ولا متهم، ولا حتى أقدر أقول إنك جبان أو خواف،
آدم :
نارة!
نارة :
أنا خيبة أملي فيك خيبت أملي في الحياة كلها وفي نفسي، أنا كنت فرحانة إني
أنا قرفانة، منك، ومن كل اللي زيك، قرفانة من الناس اللي أكتر م الناموس اللي
(بسرعة هائلة تتناول حقنة من مصل الموت وتفرغها في فخذها
(يهجم عليها آدم وينتزع الحقنة من فخذها ومن يدها، ويصفر وجهه
آدم :
إزاي تعملي كدة؟! تموتي نفسك عشان تثبتيلي إني صغير؟! دا لا أنا ولا غيري
إنتي نارة، نارة، عارفة يعني إيه نارة؟ تموتي يا نارة؟ إزاي تموتي؟ دا انتي
نارة (بصوت خفيض وإن كان قد بدأ ينخفض) :
إنت اللي مش عارف نارة تبقى مين.
آدم :
إزاي مش عارف؟ أنا عارف، دلوقتي بس عرفت الحاجة اللي عمري ما عرفتها، نارة،
نارة (مواصلة بنفس الطريقة والطبقة) :
ولا يمكن ح تعرف، أنا مش نارة يا دكتور آدم، أنا هي.
آدم :
إيه؟! إنتي إيه؟! إنتي ... هي؟! إيه الكلام اللي بتقوليه ده؟ إنتي عايزة
نارة (بابتسامة وقد بدأ صوتها يضعف) :
فشلك الأعظم كان معايا، هيلدا كانت شجرة التمر حنة، فاكر؟ عفيت عنها وعملت
آدم :
هيلدا كانت شجرة التمر حنة؟ وإيش عرفك بشجرة التمر حنة؟ وإيش عرفك بيها؟ (ثم وكأنه لأول مرة يدرك)
إوعي تكوني
نارة :
أنا مش بانتحر في لحظة يأس، وبموتي ما با اضيعشي حاجة، أنا ما قررتش أموت إلا
آدم :
تتسولي أمل؟ أنا حتجنن، تتسولي ازاي؟ الأمل موجود طول ما انتي عايشة، ولازم
نارة (بضعف أكثر) :
أهو دا السراب اللي بتضحكوا بيه على نفسكم عشان ما تواجهوش الحقيقة، وبالذات
آدم :
اسمعي! دا كله كلام فارغ، أي منطق ولو نازل م السما مستحيل يقنعني إنك تموتي،
(تكون قد بدأت تنهار فيحملها بين
.
نارة (وقد بدأ صوتها يضعف تماما) :
أنا أهو باسلم وجنس بحاله بيلفظ معايا آخر أنفاسه، كل اللي حيبقى منه حكاية،
(تغمض عينيها وتروح في غيبوبة الموت.)
آدم (بفزع مخيف) :
مستحيل، مش ممكن، إنتي مش حلم، إنتي حقيقة أهه، وعلي أنا إنها تفضل عايشة،
(فجأة تئوب حالة الهياج المنشرح والتفاؤل إلى انقباض
بس ازاي نحددها، أنهي أصغر جرعة؟ لأي درجة نخفف إنزيم الموت؟ ماعدشي قدامي
(ينشغل بوضع مقادير صغيرة من مصل الموت في أنابيب مدرجة
. (يملأ حقنة سعتها سنتي متر بالمحلول المخفف ويحقن بها نارة،
آدم :
التجربة الأولى فشلت، ماعدشي إلا التجربة الأخيرة، ماعادشي إلا رقم أقامر
(يمسك بيده حقنة
بحقنة الموت دي ح احط لنفسي النهاية، يا رب،
(باستغاثة منبعثة من كل ذرة في كيانه)
النجدة! (كما يتحول دوي القنابل إلى عزف كمان، يتحول صوته
سبعة، أيوة سبعة، العدد سبعة
(ينشغل في عمليات التخفيف المستمرة وهو يقول) :
(أخيرا يملأ الحقنة، وبيد ترتجف بالانفعال، وبدموع بلا وعي قد
آدم :
النبض رجع. (تبدأ نارة تتنفس.)
التنفس راخر. (يبدأ التنفس ينتظم ويقوى.) (ينكفئ آدم برأسه على يديه ويبكي وينهنه ويمسح دموعه في كم
(نارة أو «هي» تفيق وتبدأ تجول بعينيها حتى تقعا عليه، فتمد
آدم :
وكمان بتبتسمي؟ يا سلام أول مرة أحس يعني إيه ابتسامة، دا الحياة كلها مجرد
نارة (بصوت ضعيف تبدأ تتسرب إليه شيئا فشيئا القوة) :
لازم قدرت تكتشف المصل، إزاي وصلت له قبل ما اموت ازاي؟
آدم :
مش عارف ... مش عارف ازاي.
نارة :
لازم خفت علي قوي.
آدم :
خفت وبس؟! دا الرعب اللي حصل لي عمره ما حصل لبشر.
نارة :
طبعا لأنك عرفت إن اللي حتموت «هي» مش نارة.
آدم :
بس أنا ماكنتش مرعوب على هي ولا كنت بانقذها.
نارة :
إيه؟ أمال كنت بتنقذ مين إن ما كانشي هي؟
آدم :
الحقيقة كنت بانقذ نارة.
نارة :
ناره؟! بقى نارة كانت أهم عندك من هي؟
آدم :
نارة اللي اكتشفت بالضبط في لحظة ما بافقدها إني باحبها حب عمري ما تصورت
نارة :
طب وهي؟ دا «هي» كانت كل أمانيك وأحلامك، حبك ورسالتك وإيمانك، هي كانت كل
آدم :
يا خبيثة، إنتي عارفة كويسة قوي إيه النوع اللي باحبه، وعشان كدة دخلتي
نارة :
طب ما أنا كنت جنبك طول الوقت.
آدم :
ما هو ده الغريب، أحيانا بيبقى أبعد الناس عنا هم أقرب الناس لينا، زي ما
نارة :
طب اعدلني أرجوك.
آدم :
لأ لأ لأ لأ ... ما فيش داعي، خليكي مستريحة، بلاش أي مجهود، جسمك لسة كله على
نارة :
أرجوك اعدلني.
آدم :
ليه بس؟
نارة :
اعدلني وأنا أقول لك. (بحرص بالغ وكأنها من زجاج يعدلها.)
آدم :
خسارة المجهود ده كله.
نارة :
أبدا ... مش خسارة إني أبوسك.
آدم :
تبوسيني تهنيني يعني؟ وعلى إيه التعب؟
نارة :
أبوسك حب يا دكتور، يا آدم يا اللي استنيته إنه يلقاني كتير، ويئست ومت عشان
آدم :
بس أنا فعلا زي ما قلتي صغير، مش كبير كفاية، أنا ما اتخلقتلكيش، إنتي عايزة
نارة :
اللي يعمل اللي عملته، وعشان يحيي نارة يكتشف في لحظات وبمجهود خارق معجز،
آدم :
بس أنا ما ليش فضل في اللي حصل، دا منك، إنتي اللي عملتي مني كدة.
نارة :
ما أنت راخر اللي خلقتني، أنا كنت مت فعلا واللي عايشة قدامك واحدة من صنعك
(يقتربان وقبل أن تتلامس شفاههما يسدل الستار.) (ستار)
Page inconnue