فتنهدت سلمى، وهمت بأن تصرح بحقيقة أمرها لسعيدة، ثم غلب عليها حياؤها فأمسكت وسكتت.
وانتهزت سعيدة هذه الفرصة فواصلت همسها قائلة: «إن ما يراه الفتيات شيئا خطيرا يدعو إلى الحزن واليأس، قد يكون في كثير من الأحيان شيئا تافها لا يدعو إلى شيء من ذلك. وقد طالما وقعنا في مثل ذلك في عهد الشباب، فكانت الدنيا لا تسع إحدانا لفرط فرحها وسرورها حين يصرح لها أحد الشبان بأنه أحبها وعلق بها آماله في المستقبل، ثم تروح على هذا الأساس تبني بخيالها قصورا عالية، وتكرس وقتها كله للتفكير في فتى أحلامها المختار الذي ساقته إليها الأقدار، وما هي إلا أيام أو شهور ثم تنكشف لها الحقيقة، فإذا بها كانت ضحية للوهم والخيال، وإذا بذلك المحب المدنف الولهان قد تخلى عنها لأتفه الأسباب، أو لأسباب مختلقة يلفقها لكي يتخلص من عهوده معها ووعوده لها، ليعيد تمثيل الرواية مع فتاة أخرى.»
وكانت سلمى تصغي إلى كلام سعيدة إصغاء تاما، وتراه منطبقا كل الانطباق على علاقة سليم بها. وبرغم ثقتها بإخلاص سعيدة وتعقلها، لم تستطع أن تتغلب على حيائها لتكاشفها بأمرها، واكتفت بتصعيد الزفرات.
وفيما هما كذلك سمعتا طرقا على باب المنزل، فأجفلت سلمى إذ تذكرت زيارات سليم السابقة، وإن كان أملها ضعيفا في أن يكون هو القادم. وخرجت سعيدة لترى من الطارق. ثم عادت بعد قليل إلى سلمى وقالت لها: «لقد جاءت الآنسة أدما ومعها أبوها وأمها، وهم الآن مع سيدتي والدتك في حجرة الاستقبال.»
ثم اقتربت منها وهمست في أذنها قائلة: «وهناك زائر آخر حسبته قدم معهم، ثم تبينت أنه جاء وحده ولم يشأ الدخول بل اكتفى بأن أعطاني خطابا لأسلمه لك يدا بيد.» قالت ذلك وهي تخرج خطاب سليم وتتلفت نحو باب الغرفة كأنها تحاذر أن يراها أحد.
فجف ريق سلمى في حلقها، وشعرت بأن قلبها يكاد يقفز من موضعه، وطفح العرق غزيرا من جبينها، وتناولت الخطاب من سعيدة بيد مرتجفة، وقالت لها والدموع تنهمر من عينيها: «إنه من سليم، أليس كذلك؟» قالت: «نعم.»
ثم تسللت سعيدة خارجة من الغرفة وأغلقت بابها من الخارج، فأدركت سلمى أنها صنعت ذلك لتتيح لها قراءة الخطاب قبل أن تدخل عليها أدما وأمها لعيادتها. وازدادت إعجابا بذكائها وتقديرا لإخلاصها، غير عالمة بما تدبره لها من المكايد في الخفاء. •••
ما كادت سلمى تطلع على خطاب سليم حتى اشتد ضعفها واضطرابها، فبردت أطرافها وأخذتها الرجفة حتى سقط الخطاب من يدها على الوسادة، وطارت الورقة الصغيرة الملحقة به ووقعت على الأرض، وهي الورقة التي وجدها سليم بين صفحات الرواية في منزل حبيب بحلوان، وحسب أنها مرسلة إليه من سلمى.
ولم تتمالك عواطفها المهتاجة فانفجرت باكية وأخذت تلطم وجهها قائلة: «وا فضيحتاه! وا أسفاه! ويل للمحتالين الخادعين الملفقين!»
وكانت سعيدة واقفة بباب الغرفة من الخارج، فسارعت إلى فتحه ودخلت متظاهرة بالارتياع وهي تقول: «ماذا بك يا سيدتي؟ لا بأس عليك!»
Page inconnue