قال: «هل أدعو الخادم ليأتيك بشيء من المرق أو شراب الليمون، كي تبل معدتك؟» قال: «لا بأس من ذلك.»
فدعا حبيب الخادم وأمره بإحضار قدح من شراب الليمون، فلما جاء به تناوله سليم بعد أن أنهضه حبيب وأسنده جالسا في السرير، وشرب جانبا منه، ثم وضعه على المنضدة المجاورة للسرير وعاد إلى التوسد والعرق قد بلل ثيابه.
وهنا أشار عليه حبيب بأن يغير ملابسه المبتلة، فقبل، وشعر على أثر ذلك ببعض الراحة، فمضى يجاذب حبيبا أطراف الأحاديث، ويجاهد لإبعاد الهواجس التي عاودته، في شأن علاقة حبيب بسلمى. وكلما نظر إلى حبيب ازداد غيرة وحيرة وتفكيرا في سبب مجيئه في تلك الساعة على غير المعتاد، وعقب وصول كتاب سلمى. وما زالت هذه الهواجس تلح عليه حتى تمكن منه الاعتقاد بتواطؤ حبيب وسلمى ضده فأراد أن يحتال لتحقق ذلك، وفاجأ حبيبا بأن قال له: «أليس مريبا أن تجيء إلي اليوم على غير المعتاد، فتجدني في هذه الحال؟ فهل ترى كان مجيئك اتفاقا، أم أن قلبك حدثك بأني مريض؟»
فقال حبيب: «الواقع أني لم يخطر ببالي أن تكون مريضا، وقد فارقتك أمس عند عودتنا من رحلة الأهرام وأنت في عافية وسرور، وقد جئت إليك اليوم مصادفة، معتقدا أني سأجدك معافى مسرورا كما تركتك.»
ولم يشأ أن يذكر سبب مجيئه؛ لئلا يقوده الحديث إلى ذكر سلمى لعلاقتها بأدما فيثير بذكرها أشجان صديقه المريض.
ولكن تكتمه هذا رجح ظن سليم، إذ كيف يمكن أن يكون مجيئه لزيارته في غرفته مصادفة، مع علمه بأنه لا يكون بها في مثل الوقت الذي جاء فيه؟ وعلى هذا وقر في ذهنه أن حبيبا يحتال عليه ولم يصدقه، ولكنه تجاهل وكظم عواطفه مؤثرا الصمت.
وفي الساعة الثالثة بعد الظهر أحس حبيب بالجوع، فاستأذن سليما في الانصراف، ومضى إلى أحد المطاعم فتناول غداءه وفكره ما زال مشغولا بأمر صديقه وخطيبته. وأخيرا رأى أن يتوجه إلى منزل الخواجة سليمان لعله يستطيع الوقوف على بعض ما غمض عليه من أمر سلمى وسليم، وكيف وصل إليها كتاب والدته إليه.
واستقبلته الأسرة مرحبة، ولكنه لم ير سلمى بينهم فسألهم عنها فقالت والدتها: «إنها شعرت ببعض التوعك هذا الصباح، فبقيت في الفراش.» فاكتفى بأن تمنى لها عاجل الشفاء، ولم يذكر أي شيء عن سليم لئلا يشغل بالهم عليه. وبعد أن قضى عندهم بعض الوقت ودعهم وانصرف إلى محطة باب اللوق حيث استقل القطار إلى حلوان، عائدا إلى منزله، فاستقبلته والدته ولاحظت على وجهه آثار الانقباض، فقلقت وخافت أن يكون لذلك سبب يتعلق بأدما، فابتدرته بالسؤال عن انقباضه، فلما أخبرها بأن صديقه سليما مريض، سألته في لهفة: «وماذا به يا ولدي، شفاه الله وعافاه؟»
فقال: «أصابته الحمى، وقد خفت حدتها قليلا والحمد لله حين فارقته منذ قليل.»
قالت: «هل تركته وحده في غرفته؟»
Page inconnue