وبهذه الجزيرة ثروات طائلة من البترول والمعادن أثارت حسد العالم المحيط بها ومطامع المستعمرين وشركات الاستثمار في أوروبا وأمريكا. فرأى أحد مديري هذه الشركات الذي يملك كذلك الكثير من الصحف أن يبعث إلى بالا وكيلا عنه - هو ويل فارنبي - أحد المحررين في صحفه، ليستطلع مجالات الاستثمار في الجزيرة، ويلتقي بالمسئولين فيها يدرس معهم إمكان إبرام اتفاق مشترك شبيه بما يحدث عادة في بلاد الثروة البترولية.
ويصل ويل فارنبي بعد مشقة إلى الجزيرة ويجوس خلالها ويتعرف على أهلها وأمورها فيرى العجب الذي يستنكره أولا، ولكنه لا يلبث أن يقتنع به ويعتقد فيه.
ماذا رأى ويل فارنبي في جزيرة بالا؟
رأى قوما يأخذون بالصوفية البوذية مسلكا في حياتهم وبالعلم الحديث طريقا إلى التقدم والتطور.
والصوفية فوق هذه الجزيرة سبيل لتحرير النفوس من سلطان المادة، وطريق إلى بلوغ الاستنارة الكاملة والوعي الشامل بالتأمل العميق في الحياة ومغزاها.
وقد أفاض الكاتب في مواضع عدة من الكتاب في تفصيل الكلام عن البوذية وأشار إلى كثير من معالمها وأعلامها. وقد أوضحت في هوامش من عندي بنبذ قصيرة ما يشير إليه الكاتب من أسرار هذه العقيدة الدينية، كما حاولت في الهوامش كذلك أن أفسر ما قد يغمض على القارئ من الإشارات والأعلام التاريخية الكثيرة التي يوردها في سياق القصة بفرض أن القارئ على علم مسبق بها.
وأهل بالا يفيدون من قوة الإيحاء والتنويم المغناطيسي في تعليم الأطفال وعلاج المرضى، ويمكنهم بتأثير عقار يتعاطونه اسمه «الموكشا» أن يعيشوا في أحلام حلوة عذبة يتصلون فيها بالواحد الأحد ويتأملون في خلق السموات والأرض، ويتحدون مع الكون بمظاهره كافة؛ وذلك هدف من أهداف التصوف السامية.
ولأهل بالا فلسفتهم الخاصة في التربية وتنظيم الأسرة، وفي الاقتصاد والسياسة، وفي العلاقات الإنسانية، والفنون والثقافة، ونظرة الإنسان إلى الموت، والتكنولوجيا الحديثة، وكل شأن من شئون الحياة، متحررين تماما من العقد وقيود الماضي ومن الاستعمار البغيض.
وفي رواية «الجزيرة» مجال فسيح لعرض هذه الآراء وأمثالها في حوار ممتع؛ لأنها ليست قصة بالمعنى المألوف، فهي تكاد أن تخلو من العقدة، ولا تأبه بتحليل الشخصيات، إنما هي قصة لعرض الآراء والأفكار.
ولست أريد أن أسترسل في مقدمة الكتاب في بسط كل ما جاء به من طريف هذه الآراء والأفكار، وأوثر على ذلك أن أضع الكتاب بين يدي القارئ يستغرق فيه مع خيال الكاتب الذي آمل أن يجد فيه متعة ذهنية ولذة روحية.
Page inconnue