وتمتم ويل منفعلا: لا يهمني من أين جئت ولا إلى أين أنا ذاهب. وليكن من الجحيم إلى الجحيم.
واستطردت قائلة: كنت في إنجلترا بعد الحرب مباشرة طالبة. وحاول ألا يصغي. غير أن الآذان ليست لها جفون، ولم يكن هناك مهرب من الصوت المتطفل.
وقال هذا الصوت: كانت لي زميلة في قسم علم النفس، يعيش أهلها في ولز، وطلبت إلي أن أعيش معهم في الشهر الأول من عطلة الصيف. هل تعرف ولز؟
وكان بالطبع يعرفها، فلماذا تضايقه بذكرياتها السخيفة؟
واستطردت سوزيلا قائلة: كنت أحب المشي هناك بجوار الماء، أنظر عبر الخندق المائي إلى الكاتدرائية. وبينما كانت تنظر إلى الكاتدرائية فكرت في ديوجولد وهو على ساحل البحر تحت النخيل، فكرت فيه وهي يعطيها الدرس الأول في تسلق الصخور ويقول لها : أنت على الحبل، في أمان تام، ولا يمكن أن تسقطي ... وكررت هذه العبارة: «لا يمكن أن تسقطي»، في مرارة شديدة؛ ثم تذكرت مبدأ «الآن، وفي هذا المكان»، وتذكرت أن عليها واجبا يجب أن تؤديه، وتذكرت - وهي تلقي نظرة أخرى على الوجه محدد الملامح المسلوخ - أن أمامها إنسانا يتألم، واستطردت قائلة: ما أروعها، وما أشد هدوءها!
وأصبح الصوت كما خيل لويل فارنبي أكثر موسيقية وأشد بعدا بشكل عجيب. وربما كان ذلك السبب في أنه لم يعد يستنكر تطفله. - إحساس بالهدوء غير عادي. شانتي، شانتي، شانتي. إنه هدوء لا يتصوره العقل.
وكأن الصوت كان يتغنى ويأتي من عالم آخر فيما يبدو. وتغنى الصوت قائلا: إنني أستطيع أن أغمض عيني وأرى كل شيء في وضوح. أستطيع أن أرى الكنيسة؛ إنها ضخمة، وأكثر ارتفاعا من الأشجار الباسقة التي تحيط بقصر الأسقف. أستطيع أن أرى العشب الأخضر والماء وضوء الشمس الذهبي وهو يسطع فوق الحجر، والظلال المائلة بين التلال. ثم أنصت! إنني أستطيع أن أسمع الأجراس، الأجراس والغربان، الغربان في البرج؛ هل تسمع الغربان؟
نعم، إنه يستطيع أن يسمع الغربان في وضوح تماما كما يسمع الآن تلك الببغاوات في الأشجار التي تقع خارج نافذته؛ فلقد كان هنا، كما كان في نفس الوقت هناك؛ هنا في هذه الغرفة المظلمة الحارة الرطبة قريبا من خط الاستواء، ولكنه كذلك كان هناك، في العراء في ذلك المنخفض البارد على حافة منديبس، حيث الغربان تصرخ من فوق برج الكاتدرائية، وصوت الأجراس يتلاشى في صمت الخضرة.
واستأنف الصوت قائلا: وهناك سحب بيضاء، والسماء الزرقاء بين سحابة وأخرى شاحبة، رقيقة، لطيفة للغاية.
وكرر هذه الكلمة «لطيفة». السماء الزرقاء اللطيفة في نهاية الأسبوع في شهر أبريل الذي قضاه هناك مع مولي قبل نكبة زواجهما. كانت هناك وسط العشب أزهار الربيع والدانديليا. وكانت هناك عبر الماء الكنيسة الضخمة تعلو شامخة وكأنها تتحدى جموح سحب أبريل الرطبة بهندستها الصارمة، تتحدى البرية وتكملها في الوقت نفسه وتتفق معها في انسجام تام. هكذا كانت الحال بينه وبين مولي، وهو ما ينبغي أن تكون عليه الحال. - والإوز العراقي ... وكأنه يصغي الآن إلى الصوت وهو يغني حالما.
Page inconnue