[مُقَدِّمَة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَمَلَائِكَةِ اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَعَنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ.
(وَبَعْدُ) فَهَذَا شَرْحٌ لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ جَمَعْتُهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَصَرَةٍ وَعِبَارَاتٍ ظَاهِرَةٍ تَشْمَلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْضَحْتُهُ لِذَوِي الْأَفْهَامِ الْقَاصِرَةِ وَالْهِمَمِ الْمُتَقَاصِرَةِ وَسَمَّيْتُهُ (الْجَوْهَرَةَ النَّيِّرَةَ) وَاسْتَعَنْتُ فِي ذَلِكَ بِمَنْ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ سُبْحَانَهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.
1 / 1
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)
الْكِتَابُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبْت الشَّيْءَ أَيْ جَمَعْته وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ وَهِيَ جَمْعُ الْحُرُوفِ بَعْضِهَا إلَى
1 / 2
بَعْضٍ، فَقَوْلُهُ كِتَابُ الطَّهَارَةِ أَيْ جَمْعُ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّمْلِ وَالْإِحَاطَةِ وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ هُمَا مُتَغَايِرَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْإِحَاطَةُ أَعَمُّ مِنْ الشَّمْلِ؛ لِأَنَّ الشَّمْلَ هُوَ جَمْعُ الْمُتَفَرِّقِ يُقَالُ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ أَيْ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَمْرِهِ وَالْإِحَاطَةُ مَا أَحَاطَ بِالشَّيْءِ بَعْدَ جَمْعِهِ فَهِيَ جَامِعَةٌ لِلشَّمْلِ مُحِيطَةٌ بِهِ فَمِثَالُ الشَّمْلِ مَا قَالُوا فِي كَلِمَةِ الْجَمِيعِ إنَّهَا تُوجِبُ الِاجْتِمَاعَ دُونَ الِانْفِرَادِ كَمَا إذَا قَالَ الْأَمِيرُ لِلْجُنْدِ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فَإِنَّ لَهُمْ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ لَا غَيْرُ، بَيْنَهُمْ جَمِيعًا، وَمِثَالُ الْإِحَاطَةِ إذَا قَالَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنِ فَلَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونُ لَهُمْ مِائَةٌ فَبَانَ لَك أَنَّ كَلِمَةَ الْجَمِيعِ لِلشَّمْلِ دُونَ الْإِحَاطَةِ وَكَلِمَةَ كُلٍّ لِلشَّمْلِ وَالْإِحَاطَةِ، وَالطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النَّظَافَةُ وَعَكْسُهَا الدَّنَسُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَعَكْسُهَا الْحَدَثُ وَيُقَالُ أَيْضًا عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَسٍ حَتَّى يُسَمَّى الدِّبَاغُ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةً وَأَعَمُّ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ مُطَهِّرٍ إلَى مَحَلٍّ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ أَوْ يُنْدَبُ إلَيْهِ وَالْمُطَهِّرُ هُوَ الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالصَّعِيدُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالطَّهَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حَقِيقِيَّةٌ وَهِيَ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَحُكْمِيَّةٌ وَهِيَ التَّيَمُّمُ، وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَفِيفَةٌ كَالْوُضُوءِ وَغَلِيظَةٌ كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.
وَإِنَّمَا بَدَأَ الشَّيْخُ بِالْخَفِيفَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَغْلَبُ قَالَ ﵀ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] الْآيَةَ، بَدَأَ بِهَا تَبَرُّكًا وَدَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهِ وَمِنْ أَسْرَارِهَا أَنَّهَا تَشْمَلُ عَلَى سَبْعَةِ فُصُولٍ كُلُّهَا مُثَنًّى طَهَارَتَانِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَمُطَهِّرَانِ الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ وَحُكْمَانِ الْغُسْلُ وَالْمَسْحُ وَمُوجِبَانِ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ وَمُبِيحَانِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَكِنَايَتَانِ الْغَائِطُ وَالْمُلَامَسَةُ وَكَرَامَتَانِ تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ وَإِتْمَامُهَا مَوْتُهُ شَهِيدًا، قَالَ ﵊ «مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْوُضُوءِ مَاتَ شَهِيدًا» وَفِي الْآيَةِ إضْمَارُ الْحَدَثِ أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْوُضُوءِ ﴿إِذَا قُمْتُمْ﴾ [المائدة: ٦] وَفِي الْجَنَابَةِ ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ﴾ [المائدة: ٦]؛ لِأَنَّ إذَا تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ رُبَّمَا كَانَ وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ مُلَازِمٌ وَالْجَنَابَةُ لَيْسَتْ بِمُلَازِمَةٍ فَإِنَّهَا قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ.
(قَوْلُهُ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] الْغُسْلُ هُوَ الْإِسَالَةُ وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ طُولًا وَمِنْ شَحْمَةِ الْأُذُنِ إلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ عَرْضًا حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعَذَارِ وَالْأُذُنِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ وَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ حَاجِبَيْهِ أَجْزَأَهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ وَاجْتَمَعَ رَمَصُهَا فِي جَانِبِ الْعَيْنِ وَالْمُؤْقِ وَاللِّحَاظِ وَجَبَ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَآقِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الرَّمَصُ وَسَخُ الْعَيْنِ وَمُؤْقُ الْعَيْنِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَجَمْعُهُ آمَاقٍ وَاللِّحَاظُ بِفَتْحِ اللَّامِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ.
(قَوْلُهُ: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦] أَيْ مَعَ الْمَرَافِقِ وَوَاحِدُهَا مِرْفَقٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَعَكْسُهُ الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَرَافِقِ فَإِنْ عَكَسَ جَازَ، كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَيَجِبُ غَسْلُ مَا كَانَ مُرَكَّبًا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَصَابِعِ الزَّائِدَةِ وَالْكَفِّ الزَّائِدِ فَإِنْ تَلِفَ الْعُضْوُ غُسِلَ مَا يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا فَوْقَهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَجِينُ فِي الظُّفْرِ يَمْنَعُ تَمَامَ الطَّهَارَةِ وَالْوَسَخُ وَالدَّرَنُ لَا يَمْنَعُ وَكَذَا التُّرَابُ وَالطِّينُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ وَالْخِضَابُ إذَا تَجَسَّدَ يَمْنَعُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقِشْرَةُ الْقُرْحَةِ إذَا ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهَا لَا يَمْنَعُ.
(قَوْلُهُ: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] الْمَسْحُ هُوَ الْإِصَابَةُ فَلَوْ كَانَ شَعْرُهُ طَوِيلًا فَمَسَحَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ تَحْتِ أُذُنِهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ فَوْقِهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ رَأْسِهِ مَحْلُوقًا فَمَسَحَ عَلَى غَيْرِ الْمَحْلُوقِ جَازَ وَإِنْ أَصَابَ رَأْسَهُ مَاءُ الْمَطَرِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَسْحِ سَوَاءٌ مَسَحَهُ أَوْ لَا، وَإِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ أَخَذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَإِنْ مَسَحَهُ بِبَلَلٍ فِي كَفِّهِ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ جَازَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى.
(قَوْلُهُ: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦] قُرِئَ ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْوَجْهِ وَالْأَيْدِي تَقْدِيرُهُ فَاغْسِلُوا
1 / 3
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَقُرِئَ ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] بِالْخَفْضِ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ وَمَذْهَبُ الرَّوَافِضِ أَنَّ الْأَرْجُلَ مَمْسُوحَةٌ احْتِجَاجًا بِقِرَاءَةِ الْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الرُّءُوسِ، قُلْنَا الْخَفْضُ إنَّمَا هُوَ الْمُجَاوَرَةُ وَالِاتِّبَاعُ لَفْظًا لَا مَعْنًى، وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: ٢٢] بِالْخَفْضِ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٢٠] ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ﴾ [الواقعة: ٢١] وَفِي الْكَشَّافِ لَمَّا كَانَتْ الْأَرْجُلُ تُغْسَلُ بِصَبِّ الْمَاءِ وَذَلِكَ مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ عُطِفَتْ عَلَى الْمَسْمُوحِ لَا لِتُمْسَحَ وَلَكِنْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرَافِقَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ وَاحِدًا مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلِكُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ جُمِعَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤] وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا وَمَا كَانَ اثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَلَمَّا قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ.
(قَوْلُهُ فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ) الْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَطْعُ، وَالتَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾ [النور: ١] أَيْ قَدَّرْنَاهَا وَقَطَعْنَا الْأَحْكَامَ فِيهَا قَطْعًا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ حُكْمٍ مُقَدَّرٍ لَا يَحْتَمِلُ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانًا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ حَتَّى إنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَيُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا.
(قَوْلُهُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَمَّاهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ جُعِلَا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الدِّيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّأْسِ) إنَّمَا أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ وَالْأَعْضَاءُ مَغْسُولَةٌ فَلَمَّا كَانَتْ مُتَّفِقَةً فِي الْغَسْلِ جَمَعَ بَيْنَهَا فِي الذِّكْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ) قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ الْمَرَافِقُ وَالْكَعْبَانِ غَايَةُ إسْقَاطٍ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿وَأَيْدِيَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ فَلَمَّا قَالَ إلَى الْمَرَافِقِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ فَبَقِيَ الْغَسْلُ ثَابِتًا فِي الْيَدِ مَعَ الْمَرَافِقِ وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لَيْسَتْ الْغَايَةُ غَايَةَ إسْقَاطٍ وَإِنَّمَا هِيَ غَايَةُ امْتِدَادِ الْحُكْمِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِمْسَاكِ سَاعَةً فَهِيَ غَايَةُ إثْبَاتٍ لَا غَايَةُ إسْقَاطٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَايَاتِ أَرْبَعٌ: غَايَةُ مَكَان، وَغَايَةُ زَمَانٍ، وَغَايَةُ عَدَدٍ، وَغَايَةُ فِعْلٍ، فَغَايَةُ الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ وَغَايَةُ الزَّمَانِ ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] وَكِلَاهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمُغَيَّا وَغَايَةُ الْعَدَدِ لَهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ وَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَهِيَ لَا تَدْخُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ وَغَايَةُ الْفِعْلِ بِالْمَنْطُوقِيَّة السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا إنْ نَصَبْت السِّينَ دَخَلَتْ وَتَكُونُ حَتَّى بِمَعْنَى الْوَاوِ وَعَاطِفَةً، وَإِنْ خَفَضْتهَا لَمْ تَدْخُلْ وَتَكُونُ حَتَّى بِمَعْنَى إلَى، وَإِنَّمَا قَالَ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ وَلَمْ يَقُلْ بِفَرْضِ غَسْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَدْخُلَانِ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُ فَرْضِيَّةِ غَسْلِهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ) وَهُوَ رُبُعُ الرَّأْسِ وَالنَّاصِيَةُ هِيَ الشَّعْرُ الْمَائِلُ إلَى نَاحِيَةِ الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسُ أَرْبَعُ قِطَعٍ النَّاصِيَةُ وَالْقَذَالُ وَالْفَوْدَانِ، فَقَوْلُهُ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ أَيَّ الْجَوَانِبِ شَاءَ مِنْ الرَّأْسِ بِمِقْدَارِهَا وَإِنَّمَا قَالَ وَالْمَفْرُوضُ وَلَمْ يَقُلْ وَالْفَرْضُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ مِقْدَارًا لَا مَقْطُوعًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْقَطْعُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُ هَذَا الْمِقْدَارِ وَالتَّقْدِيرُ بِمِقْدَارِ النَّاصِيَةِ هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَفِي رِوَايَةٍ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَلَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ يُرِيدُ مَسْحَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَسْحِ وَلَا يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْمَسْحِ وَكَذَا الْخُفُّ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ إلَى آخِرِهِ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِتُّ فَوَائِدَ
1 / 4
أَحَدُهَا جَوَازُ دُخُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ الْخَرَابِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ سُبَاطَةُ قَوْمٍ وَالسُّبَاطَةُ قِيلَ هِيَ الدَّارُ الْخَرَابُ، وَقِيلَ هِيَ الْكُنَاسَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهِيَ الْقُمَامَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَوْضِعُ إلْقَائِهَا، وَأَمَّا الْكُنَاسَةُ بِالْكَسْرِ فَهِيَ الْمِكْنَسَةُ وَالثَّانِيَةُ جَوَازُ الْبَوْلِ فِي دَارِ غَيْرِهِ الْخَرَابِ دُونَ الْغَائِطِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ تُنَشِّفُهُ الْأَرْضُ فَلَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْبَوْلَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَهُ مُسْتَحَبٌّ، وَالْخَامِسَةُ تَقْدِيرُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِالنَّاصِيَةِ، وَالسَّادِسَةُ ثُبُوتُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ هَكَذَا مُطَوَّلًا وَالْحَاجَةُ إنَّمَا هِيَ إلَى مَسْحِ النَّاصِيَةِ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى صِدْقِ الرَّاوِي وَإِتْقَانِهِ لِلْحَدِيثِ.
[سُنَنُ الطَّهَارَةِ]
(قَوْلُهُ: وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ) السُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الطَّرِيقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُرْضِيَةً أَوْ غَيْرَ مُرْضِيَةٍ «قَالَ ﵊ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ ثَوَابُهَا وَثَوَابُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُؤْجَرُ الْعَبْدُ عَلَى إتْيَانِهَا وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهَا وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْقَوْلِيَّ وَالْفِعْلِيَّ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السُّنَّةُ مَا يَكُونُ تَارِكُهَا فَاسِقًا وَجَاحِدُهَا مُبْتَدِعًا وَالنَّفَلُ مَا لَا يَكُونُ تَارِكُهُ فَاسِقًا وَلَا جَاحِدُهُ مُبْتَدِعًا.
(قَوْلُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا) يَعْنِي إلَى الرُّسْغِ وَهُوَ مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ وَيَغْسِلُهُمَا قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ كَفَّيْهِ أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ) أَيْ إدْخَالِ أَحَدِهِمَا وَيُسَنُّ هَذَا الْغَسْلُ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ) هَذَا شَرْطُ وِفَاقٍ لَا قَصْدٍ حَتَّى إنَّهُ سَنَّهُ لِلْمُسْتَيْقِظِ وَغَيْرِهِ وَسُمِّيَ مُتَوَضِّئًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ سُمِّيَ بِاسْمِهِ كَمَا قَالَ ﵊ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» سَمَّاهُمْ مَوْتَى لِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ، وَسَوَاءٌ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَوَاجِبٌ.
(قَوْلُهُ: وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ) الْكَلَامُ فِيهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَيْفِيَّتِهَا وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا أَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَبِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّسْمِيَةِ هُنَا مُجَرَّدُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا التَّسْمِيَةُ عَلَى التَّعْيِينِ وَأَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَقَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَ لِلِاسْتِنْجَاءِ سَمَّى قَبْلَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَإِنْ كَشَفَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ سَمَّى بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهَا لِسَانَهُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَالَ الِانْكِشَافِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَتَى بِهَا مَتَى ذَكَرَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوُضُوءُ مِنْهَا
(قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَوَقْتُهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ الْأَسْنَانِ
1 / 5
وَأَسَافِلَهَا وَيَسْتَاكُ عَرْضَ أَسْنَانِهِ وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا اسْتَعْمَلَ خِرْقَةً خَشِنَةً أَوْ أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ مِنْ يَمِينِهِ ثُمَّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ إذَا تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ بِسِوَاكٍ وَبَقِيَ عَلَى وُضُوئِهِ إلَى الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ كَانَ السِّوَاكُ الْأَوَّلُ سُنَّةً لِلْكُلِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ السِّوَاكَ لِلظُّهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَاكَ حَتَّى يُدْرِكَ فَضِيلَتَهُ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بِسِوَاكٍ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ: وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) هُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضَانِ وَكَيْفِيَّتُهُمَا أَنْ يُمَضْمِضَ فَاهُ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ كَذَلِكَ فَلَوْ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ.
وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ يَصِيرُ آتِيًا بِهَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا يَعُودُ بَعْضُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَى الْكَفِّ وَفِي الْمَضْمَضَةِ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا سُنَّةٌ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ الْغَرْغَرَةُ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَجْذِبَ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى مَا اسْتَدَّ مِنْ أَنْفِهِ وَلَوْ تَمَضْمَضَ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ وَلَمْ يَمُجَّهُ أَجْزَأَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُلْقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَة وَيَمْسَحُ بَاطِنَهُمَا وَظَاهِرَهُمَا وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ وَهُمَا ثُقْبَا الْأُذُنَيْنِ وَيُدِيرَهُمَا فِي زَوَايَا أُذُنَيْهِ وَيُدِيرَ إبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ قِيلَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَيَمْسَحُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ.
وَفِي النِّهَايَةِ يَمْسَحُهُمَا بِظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ وَمَسْحُ الْحُلْقُومِ بِدْعَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَكَيْفِيَّةُ تَخْلِيلِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقِ اللِّحْيَةِ مَكْسُورَةُ اللَّامِ وَجَمْعُهَا لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَاللَّحْيُ بِفَتْحِ اللَّامِ عَظْمُ الْفَكِّ وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ وَجَمْعُهُ لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا وَتَخْلِيلُهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقُ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَلِّلَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخْلِيلُ سُنَّةً بَعْدَ وُصُولِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ فَهُوَ وَاجِبٌ وَكَيْفِيَّةُ التَّخْلِيلِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَهُ بِإِبْهَامِهَا وَيَبْدَأَ بِإِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَخْتِمَهُ بِخِنْصَرِهَا، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّخْلِيلِ اسْتِيفَاءُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَصَابِعِ، وَأَمَّا اللِّحْيَةُ فَدَاخِلُ الشَّعْرِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْفَرْضِ بَلْ الْفَرْضُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي أَوْ الْغَدِيرِ وَغَمَسَ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى.
(قَوْلُهُ: وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلَاثِ) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ اكْتَفَى بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسَلَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ) الْمُسْتَحَبُّ مَا كَانَ مَدْعُوًّا إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ وَفِي إتْيَانِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ وَالْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ فِي أَرْبَعَةِ
1 / 6
مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وَوَقْتِهَا وَمَحَلِّهَا أَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ نَوَيْتُ أَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ نَوَيْت الطَّهَارَةَ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَأَمَّا مَحَلُّهَا فَالْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ ثُمَّ النِّيَّةُ إنَّمَا هِيَ فَرْضٌ لِلْعِبَادَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥] وَالْإِخْلَاصُ هُوَ النِّيَّةُ وَالْوُضُوءُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ فَرْضًا فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْقَلْ مُطَهِّرًا فَلَا يَكُونُ مُزِيلًا لِلْحَدَثِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَمِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَمُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ لَكِنَّهُ يَقَعُ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ لِوُقُوعِهِ طَهَارَةً بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إلَّا فِي حَالَةِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ وَقَعَ التُّرَابُ عَلَى أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَلِمَ نِسْيَانًا التَّيَمُّمُ لَمْ يَكُنْ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ) الِاسْتِيعَابُ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ اسْتَوْعَبَ كَذَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا وَالِاسْتِيعَابُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَضَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ ثَلَاثَ أَصَابِعَ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَلَا يَضَعُ الْإِبْهَامَ وَلَا السَّبَّابَةَ وَيُجَافِي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى الْقَفَا ثُمَّ يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَى مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ بِإِبْهَامَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا بِمُسَبِّحَتَيْهِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَمْسَحُ رَقَبَتَهُ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ) التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُسِيءُ بِتَرْكِهِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ فِي كَوْنِ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا سُنَّةً.
(قَوْلُهُ: فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ) وَهُوَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضٌ وَالْمُوَالَاةُ هِيَ التَّتَابُعُ وَحَدُّهُ أَنْ لَا يَجِفَّ الْمَاءُ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ فِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالرِّيَاحِ فَإِنَّ الْجَفَافَ يُسْرِعُ فِيهِمَا لَا بِشِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّ الْجَفَافَ يُبْطِئُ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اسْتِوَاءُ حَالَةِ الْمُتَوَضِّئِ فَإِنَّ الْمَحْمُومَ يُسَارِعُ الْجَفَافُ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْحُمَّى وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ فِي الْوُضُوءِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِعُذْرِ فَرْغِ مَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ انْقَلَبَ الْإِنَاءُ فَذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَكَذَا إذَا فَرَّقَ فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ.
(قَوْلُهُ: وَبِالْمَيَامِنِ) أَيْ يَبْدَأُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَبِالرِّجْلِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَهُوَ فَضِيلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَيَامِينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي لُبْسِ نَعْلَيْهِ ﷺ» وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ مَسْحَ الْأُذُنِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لَكِنَّا نَقُولُ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ يُغْسَلَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَيَبْدَأُ فِيهِمَا بِالْمَيَامِينِ، وَأَمَّا الْأُذُنَانِ فَيُمْسَحَانِ مَعًا بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِ ذَلِكَ أَسْهَلَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ وَلَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأُذُنِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْخَدَّيْنِ بِالْأُذُنَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ عُضْوَانِ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ شَرَعَ الْآنَ فِي بَيَانِ مَا يَنْقُضُهُ وَالنَّقْضُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْأَجْسَامِ يُرَادُ بِهِ إبْطَالُ تَأْلِيفِهِمَا وَمَتَى أُضِيفَ إلَى غَيْرِهَا يُرَادُ بِهِ إخْرَاجُهُ عَمَّا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَالْمُتَوَضِّئُ هَا هُنَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ بِالْحَدَثِ انْتَقَضَتْ صِفَتُهُ وَخَرَجَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) وَهُمَا الْفَرْجَانِ وَمِنْ دَأْبِ الشَّيْخِ ﵀ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُتَّفَقِ فِيهِ ثُمَّ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُتَّفَقٌ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَقَدَّمَهُ لِذَلِكَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ خُرُوجُ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْقَيْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ وُضِعَتْ لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَ الْمُعْتَادِ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالدُّرَدِ وَالْحَصَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ إلَّا الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ الذَّكَرِ
1 / 7
وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْفَضَاةُ وَهِيَ الَّتِي مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدٌ فَيَخْرُجُ مِنْهَا رِيحٌ مُنْتِنَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ فَتَنْقُضُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْفَرْجِ فَلَا تَنْقُضُ، وَالْأَصْلُ تَيَقُّنُ الطَّهَارَةِ وَالنَّاقِضُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهَا بِالشَّكِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ فَنَاقِضَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ) وَكَذَلِكَ الصَّدِيدُ وَهُوَ مَاءُ الْجُرْحِ الْمُخْتَلِطِ بِالدَّمِ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ الْمُدَّةُ فَتَكُونُ فِيهِ صَفْوَةٌ وَقَيَّدَ بِالْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبَلَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّجَاوُزُ.
وَقَالَ زُفَرُ الدَّمُ وَالْقَيْحُ يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵁ لَا يَنْقُضَانِ، وَإِنْ تَجَاوَزَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ خَرَجَا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَرَجَا بِالْمُعَالَجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَاخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ النَّقْضُ وَقَيَّدَ بِالدَّمِ وَالْقَيْحِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ خَيْطٌ لَا مَائِعٌ وَأَمَّا الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَنْقُضُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْمَاءُ الصَّافِي إذَا خَرَجَ مِنْ النَّفْلَةِ لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أَنْفِهِ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ إنْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ قَصَبَةِ الْأَنْفِ نُقِضَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهَا لَمْ يُنْقَضْ وَلَوْ عَضَّ شَيْئًا فَوَجَدَ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ أَوْ اسْتَاكَ فَوَجَدَ فِي السِّوَاكِ أَثَرَ الدَّمِ لَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّيَلَانُ وَلَوْ تَخَلَّلَ بِعُودٍ فَخَرَجَ الدَّمُ عَلَى الْعُودِ لَا يُنْقَضُ إلَّا أَنْ يَسِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الرِّيقِ وَلَوْ اسْتَنْثَرَ فَسَقَطَ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَا يُنْقَضُ وَإِنْ قَطَرَتْ قَطْرَةُ دَمٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ.
(قَوْلُهُ: فَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ) حَدُّ التَّجَاوُزِ أَنْ يَنْحَدِرَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ وَأَمَّا إذَا عَلَا وَلَمْ يَنْحَدِرْ لَا يَنْقُضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَصَارَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمَادًا فَتَشَرَّبَ مِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ فَجَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا وَلَوْلَاهُ لَتَجَاوَزَ نَقَضَ وَكَذَا لَوْ كَانَ كُلَّمَا خَرَجَ مَسَحَهُ أَوْ أَخَذَهُ بِقُطْنَةٍ مِرَارًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ لَسَالَ نَقَضَ وَلَوْ سَالَ الدَّمُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَالْأَنْفُ مَسْدُودَةٌ نَقَضَ وَلَوْ رَبَطَ الْجُرْحَ فَابْتَلَّ الرِّبَاطُ إنْ نَفَذَ الْبَلَلُ إلَى الْخَارِجِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ الرِّبَاطُ ذَا طَاقَيْنِ فَنَفَذَ الْبَعْضُ إلَى الْبَعْضِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أُذُنَيْهِ قَيْحٌ أَوْ صَدِيدٌ إنْ تَوَجَّعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ وَاخْتَلَطَ بِالرِّيقِ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ أَوْ كَانَا سَوَاءً نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ الرِّيقُ غَالِبًا لَا يَنْقُضُ وَعَلَى هَذَا إذَا ابْتَلَعَ الصَّائِمُ الرِّيقَ وَفِيهِ الدَّمُ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَصَّ الْقُرَادُ عُضْوَ إنْسَانٍ فَامْتَلَأَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا نَقَضَ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ جُرْحِهِ دُودَةٌ لَا يَنْقُضُ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنْ سَقَطَتْ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ الْجُرْحِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ لَا يَنْقُضُ وَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْجَامِدَاتِ كَالثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَالْحَصِيرِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
(قَوْلُهُ: يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) يَعْنِي يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ نَقَضَ الْوُضُوءَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ حُكْمُ التَّطْهِيرِ عَنْ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَبَاطِنِ الْجُرْحِ وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ دَخَلَ تَحْتَهُ بَاطِنُ الْعَيْنِ وَبَاطِنُ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ تَطْهِيرُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّطْهِيرِ فِيهِ مُمْكِنَةٌ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَدْ رَفَعَهُ الشَّارِعُ لِلضَّرُورَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَيْءُ إذَا مَلَأ الْفَمَ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ مَلَأَ الْفَمَ.
وَقَالَ زُفَرُ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
1 / 8
وَالْقَيْءُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مَاءٌ وَطَعَامٌ وَدَمٌ وَمِرَّةٌ وَبَلْغَمٌ فَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَلَا يَنْقُضُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَغَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ مَلَأَ الْفَمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَالْخِلَافُ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ أَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطٌ وَأَمَّا الدَّمُ إذَا كَانَ غَلِيظًا جَامِدًا غَيْرَ سَائِلٍ لَا يَنْقُضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ فَإِنْ كَانَ ذَائِبًا نَقَضَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْقُضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ، وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْخِلَافُ فِي الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ، وَأَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَنَاقِضٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ شَرِبَ مَاءً فَقَاءَهُ صَافِيًا نُقِضَ وُضُوءُهُ. كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَإِنْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ لَمَلَأَ الْفَمَ فَالْمُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِ السَّبَبِ إذَا قَاءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ فَهُوَ مُتَّحِدٌ، وَإِنْ قَاءَ ثَانِيًا بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ فَهُوَ مُخْتَلِفٌ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مَسْأَلَةٌ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهِيَ إذَا نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ النَّائِمِ ثُمَّ أَعَادَهُ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ النَّوْمَةَ الْأُولَى حَتَّى إنَّهُ لَوْ اسْتَيْقَظَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ فِي أُصْبُعِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهُ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ فِي النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَبَهَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَامَ لَمْ يَبْرَأْ بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى النَّائِمِ وَقَدْ وُجِدَ وَهُنَا لَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مُسْتَيْقِظٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى نَائِمٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظَتُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَرَدَّهُ وَهُوَ نَائِمٌ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَالسَّبَبِ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا) الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ النَّاقِضُ الْحَقِيقِيُّ وَهَذَا النَّاقِضُ الْحُكْمِيُّ وَهَلْ النَّوْمُ حَدَثٌ أَمْ لَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدَثًا اسْتَوَى وُجُودُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ الْحَدَثُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ، وَقَوْلُهُ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ أَيْضًا وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْقُضُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُتَّكِئًا) أَيْ عَلَى أَحَدِ وِرْكَيْهِ فَهُوَ كَالْمُضْطَجِعِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ) الِاسْتِنَادُ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّيْءِ، وَلَوْ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَامَ لَمْ يُنْقَض وُضُوءُهُ إذَا كَانَ مُثْبِتًا مَقْعَدَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يُنْقَضُ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) الْإِغْمَاءُ آفَةٌ تَعْتَرِي الْعَقْلَ وَتَغْلِبُهُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تَعْتَرِي الْعَقْلَ وَتَسْلُبُهُ، وَيُقَالُ الْإِغْمَاءُ آفَةٌ تُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا تُزِيلُ الْحِجَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تُزِيلُ الْحِجَا وَلَا تُزِيلُ الْقُوَى وَهُمَا حَدَثَانِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
وَكَذَا السُّكْرُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَيْضًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَالسَّكْرَانُ هُوَ الَّذِي تَخْتَلُّ مِشْيَتُهُ وَلَا يَعْرِفُ الْمَرْأَةَ مِنْ الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ وَالْجُنُونُ بِالرَّفْعِ وَلَا يَجُوزُ خَفْضُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُهُ وَيَجُوزُ خَفْضُهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) سَوَاءٌ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَمْ تَبْدُ وَسَوَاءٌ قَهْقَهَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا مُتَوَضِّئًا أَوْ مُتَيَمِّمًا وَلَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ الْغُسْلِ وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجَارِهِ وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جَارِهِ وَهُوَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَهُوَ لَا يُفْسِدُهُمَا جَمِيعًا وَقَهْقَهَةُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ وَقَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ إجْمَاعًا وَتُفْسِدُ صَلَاتَهُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَالْبَاقِي فِي الْحَدَثِ إذَا جَاءَ مُتَوَضِّئًا وَقَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَإِذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَصَلَّى وَقَهْقَهَ لَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ، وَقَوْلُهُ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ إذَا قَهْقَهَ فِيهِمَا لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ
1 / 9
وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَسَجْدَتُهُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يَحْنَثُ.
(قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) يَعْنِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵁ سُنَّتَانِ.
(قَوْلُهُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) السَّائِرُ الْبَاقِي وَمِنْهُ السُّؤْرُ الَّذِي يُبْقِيهِ الشَّارِبُ وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْغَدِيرِ الْعَظِيمِ أَوْ الْمَاءِ الْجَارِي انْغِمَاسَةً وَاحِدَةً وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْأَقْلَفُ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهَا خِلْقَةٌ وَلَوْ اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ وَتَحْتَ أَظْفَارِهَا عَجِينٌ قَدْ يَبِسَ وَجَفَّ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى تَحْتُ وَجَبَ عَلَيْهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهَا وَسَخٌ فَإِنَّهُ يُجْزِيهَا مِنْ غَيْرِ إزَالَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ قِشْرُ سَمَكٍ أَوْ خُبْزٍ مَمْضُوغٍ مُتَلَبِّدٍ وَجَبَ إزَالَتُهُ، وَكَذَا الْخِضَابُ الْمُتَجَسِّدُ وَالْحِنَّاءُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْغُسْلَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَهُوَ الْغُسْلُ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَالثَّانِي الْغُسْلُ مِنْ الْإِنْزَالِ عَنْ شَهْوَةٍ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ إتْيَانِ بَهِيمَةٍ أَوْ مُعَالَجَةِ الذَّكَرِ بِالْيَدِ أَوْ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالثَّالِثُ الْغُسْلُ مِنْ الْحَيْضِ وَالرَّابِعُ الْغُسْلُ مِنْ النِّفَاسِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُ سُنَّةٌ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَغُسْلُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامَ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ وَغُسْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَغُسْلَانِ وَاجِبَانِ غُسْلُ الْمَوْتَى وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي الْمُغَلَّظَةِ وَرُبُعِ الثَّوْبِ فِي الْمُخَفَّفَةِ وَغُسْلٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ إذَا أَسْلَمَا وَالصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ إذَا أَدْرَكَا بِالسِّنِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّةُ الْغُسْلِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ) سَمَّاهُ مُغْتَسِلًا؛ لِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الِاغْتِسَالِ كَمَا قُلْنَا إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّيَّةِ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ نَوَيْتُ الْغُسْلَ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ يَسْتَنْجِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ
(قَوْلُهُ: وَيُزِيلُ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ مُعَرَّفًا بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ إلَّا أَنَّ النَّكِرَةَ أَحْسَنُ وَإِنَّمَا قَالَ إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَتْ؛ لِأَنَّ إنْ تَدْخُلُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَإِذَا تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ وَالنَّجَاسَةُ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِسَالَةَ تُعْدِمُ الْمَسْحَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْسَحُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا رِجْلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ قَبْقَابٍ أَوْ حَجَرٍ لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَهُمَا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ أَنْ يُوصِلَ الْمَاءَ إلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَمَعَاطِفِ بَدَنِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَهُوَ عَلَى جَنَابَتِهِ حَتَّى يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ ضَيِّقٌ حَرَّكَهُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ فَالتَّخْلِيلُ فَرْضٌ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ) هَذَا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ غَسَلَهُمَا عَقِيبَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا. وَلَوْ تَقَاطَرَ الْمَاءُ فِي وَقْتِ الْغَسْلِ فِي الْإِنَاءِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْسَدَهُ، وَحَدُّ الْقَلِيلِ مَا لَا يَنْفَرِجُ مَاءُ الْإِنَاءِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَلَا يَسْتَبِينُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَهُوَ قَلِيلٌ وَإِلَّا فَهُوَ
1 / 10
كَثِيرٌ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفَائِرَهَا فِي الْغُسْلِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ) وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ النَّقْضُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ وَفِي تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ النَّقْضُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ أَلْزَقَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا بِالطِّيبِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا إزَالَتُهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى أُصُولِهِ فَإِنْ احْتَاجَتْ الْمَرْأَةُ إلَى شِرَاءِ الْمَاءِ لِلِاغْتِسَالِ مِنْ الْجَنَابَةِ إنْ كَانَتْ غَنِيَّةً فَثَمَنُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَعَلَى الزَّوْجِ، وَقِيلَ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَدَعَهَا تَذْهَبُ إلَى الْمَاءِ أَوْ تَنْقُلَهُ أَنْتَ إلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلشُّرْبِ وَأَمَّا ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَعَلَى الزَّوْجِ إجْمَاعًا وَثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ إنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَعَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا دُونَ الِاغْتِسَالِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُحْتَاجَةَ إلَيْهِ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ.
[مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ]
(قَوْلُهُ: وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ إلَى آخِرِهِ) هَذِهِ الْمَعَانِي مُوجِبَةٌ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْغُسْلِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُضُهُ فَكَيْفَ تُوجِبُهُ وَإِنَّمَا سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَأَمَّا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ فَشُرُوطٌ وَلَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ وَالْمَنِيُّ خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَيُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَرَائِحَتُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ وَعِنْدَ يُبْسِهِ كَرَائِحَةِ الْبَيْضِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ) هَذَا بِإِطْلَاقِهِ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا سَبَبَ الْغُسْلِ خُرُوجَهُ عَنْ شَهْوَةٍ وَلَمْ يَجْعَلَا الدَّفْقَ شَرْطًا حَتَّى إنَّهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ وَجَبَ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ أَيْضًا عِنْدَ خُرُوجِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ أَيْ نَزَلَ مُتَتَابِعًا وَلَوْ احْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَانْفَصَلَ الْمَنِيُّ مِنْهُ بِشَهْوَةٍ فَلَمَّا قَارَبَ الظُّهْرَ شَدَّ عَلَى ذَكَرِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ تَرَكَهُ فَسَالَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَجَبَ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ الْمُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ أَوْ يَنَامَ ثُمَّ خَرَجَ بَاقِي الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ لَا يُعِيدُ إجْمَاعًا، وَلَوْ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ ذَكَرِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ الِاحْتِلَامَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا قَبْلَ النَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إنْ كَانَ مَنِيًّا وَجَبَ الْغُسْلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ وَدْيًا لَا يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَذْيًا وَجَبَ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا تَيَقَّنَ الِاحْتِلَامَ.
(قَوْلُهُ: وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) أَيْ مَعَ تَوَارِي الْحَشَفَةِ فَإِنَّ تَيَقُّنَ مُلَاقَاةِ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ تَوَارٍ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْمُرَادُ بِالْتِقَائِهِمَا مُحَاذَاتُهُمَا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ كُلِّهَا وَفِي قَوْلِهِ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَبِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ، كَمَا قَالَ حَافِظُ الدِّينِ فِي الْكَنْزِ كَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَيْسَ هُنَاكَ خِتَانَانِ يَلْتَقِيَانِ وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّكَرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَا دَامَ بَاقِيَيْنِ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِانْقِطَاعِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَعَامَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ بِالِانْقِطَاعِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفَائِدَتُهُ إذَا انْقَطَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ تَأْثَمُ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لَا تَأْثَمُ وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ وَلَوْ أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْغُسْلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَفَائِدَتُهُ أَنَّهَا إذَا حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ هَذِهِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ بَعْدَ الطُّهْرِ حَنِثَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَحْنَثُ، وَإِنْ
1 / 11
اغْتَسَلَتْ قَبْلَ أَنْ تُطَهِّرَهُ مِنْ الْحَيْضِ حَنِثَتْ إجْمَاعًا.
[الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ]
(قَوْلُهُ: «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ») سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَكَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلْيَوْمِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ لِلْيَوْمِ وَفَائِدَتُهُ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَمْ يُحْدِثْ حَتَّى صَلَّى الْجُمُعَةَ يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ لَا وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَكُونُ آتِيًا بِهَا عِنْدَ الْحَسَنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَنَالُ فَضِيلَةَ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ تَنَالُهَا وَالْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَغَسْلُ الْمَيِّتِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِفَتْحِهَا وَضَابِطُهُ أَنَّك إذَا أَضَفْت إلَى الْمَغْسُولِ فَتَحْتَ وَإِذَا أَضَفْت إلَى غَيْرِهِ ضَمَمْتَ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ غُسْلٌ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ) الْمَذْيُ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْوَدْيُ مَاءٌ أَصْفَرُ غَلِيظٌ يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ وَكِلَاهُمَا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَقَوْلُهُ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُسْتُفِيدَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَلِمَ أَعَادَهُمَا قُلْنَا إنَّمَا دَخَلَا هُنَاكَ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَمِنْ الْأَشْيَاءِ مَا يَدْخُلُ ضِمْنًا وَلَا يَدْخُلُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَإِنْ قُلْت وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْوُضُوءُ مِنْ الْوَدْيِ وَهُوَ قَدْ وَجَبَ بِالْبَوْلِ السَّابِقِ قُلْت يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ إذَا أَوْدَى يَتَوَضَّأُ وَيَكُونُ وُضُوءُهُ مِنْ الْوَدْيِ خَاصَّةً وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ بَالَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَوْدَى فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْوَدْيِ.
(قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ إلَى آخِرِهِ) طَهَارَةُ الْأَحْدَاثِ هِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ) وَلَمْ يَقُلْ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ أَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَضَيَّقْ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَيْسَ هُوَ عَلَى التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُزِيلًا لِلْأَحْدَاثِ كَانَ مُزِيلًا لِلْأَنْجَاسِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَمَاءُ الْبِحَارِ) إنَّمَا قَالَ وَمَاءُ الْبِحَارِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْبِحَارُ رَدًّا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ حَتَّى حَكَى جَابِرٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ قَالَ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالثَّمَرِ) بِالْقَصْرِ عَلَى أَنَّ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ بِمَعْنَى الْمُمَدَّدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ الْمَوْصُولُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالِاعْتِصَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَالَ بِنَفْسِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءُ الشَّجَرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ أَوْ بِالْأَوْصَافِ فَفِي الْهِدَايَةِ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ اللَّوْنَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْأَجْزَاءَ وَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْأَوْصَافِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْمُخَالِطَ إذَا كَانَ مَائِعًا فَمَا دُونَ النِّصْفِ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ النِّصْفَ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْأَوْصَافَ إنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَةَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ غَيَّرَ وَاحِدًا جَازَ وَإِنْ غَيَّرَ اثْنَيْنِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مَائِعًا جِنْسُهُ جِنْسُ الْمَاءِ كَمَا الدُّبَّاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُهُ غَيْرَ جِنْسِ الْمَاءِ كَاللَّبَنِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَوْصَافِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّيْخُ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ فَغَيَّرَ أَحَدَ
1 / 12
أَوْصَافِهِ.
(قَوْلُهُ: فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ) وَطَبْعُهُ الرِّقَّةُ وَالسَّيَلَانُ وَتَسْكِينُ الْعَطَشِ.
(قَوْلُهُ: كَالْأَشْرِبَةِ) أَيْ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الثِّمَارِ كَشَرَابِ الرُّمَّانِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَاعَى فِي هَذَا صُنْعَهُ اللَّفَّ وَالنَّشْرَ، فَقَوْلُهُ اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ لَفٌّ وَكَذَا بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَفٌّ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ كَالْأَشْرِبَةِ تَفْسِيرٌ لِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ، وَقَوْلُهُ كَالْخَلِّ إنْ كَانَ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ فَهُوَ مِمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إنْ كَانَ خَالِصًا فَهُوَ مِمَّا اُعْتُصِرَ مِنْ الثَّمَرِ وَقَوْلُهُ وَالْمَرَقُ تَفْسِيرٌ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣]، فَقَوْلُهُ ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [القصص: ٧٣]، رَاجِعٌ إلَى اللَّيْلِ ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣] رَاجِعٌ إلَى النَّهَارِ.
(قَوْلُهُ: وَمَاءُ الْبَاقِلَاءِ) الْمُرَادُ الْمَطْبُوخُ بِحَيْثُ إذَا بَرَدَ ثَخُنَ، وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ، وَالْبَاقِلَاءُ هُوَ الْفُولُ إذَا شَدَّدْت اللَّامَ قَصَرْت وَإِذَا خَفَّفْتهَا مَدَدْتَ الْوَاحِدَةُ بَاقِلَّاةٌ وَبَاقِلَاةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ
(قَوْلُهُ: وَمَاءُ الزَّرْدَجِ) ذَكَرَهُ مِنْ قَسِيمِ الْمَرَقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِسْمٌ مِنْهُ وَمَاءُ الذَّرْدَجِ هُوَ مَاءُ الْعُصْفُرِ الْمَنْقُوعِ فَيُطْرَحُ وَلَا يُصْبَغُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) الْأَوْصَافُ ثَلَاثَةٌ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ فَإِنْ غَيَّرَ وَصْفَيْنِ فَعَلَى إشَارَةِ الشَّيْخِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ بِوُقُوعِ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ فِيهِ فِي وَقْتِ الْخَرِيفِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الْمَيْدَانِيُّ يَجُوزُ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَغْلُوبًا كَانَ مُقَيَّدًا
(قَوْلُهُ: كَمَاءِ الْمَدِّ) هُوَ السَّيْلُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِغُثَاءٍ وَأَشْجَارٍ وَأَوْرَاقٍ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطُولِ الزَّمَانِ أَوْ بِالطُّحْلُبِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الَّذِي يَخْتَلِطُ بِهِ الْأُشْنَانُ وَالصَّابُونُ وَالزَّعْفَرَانُ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاخْتِلَاطُ الْقَلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ الزَّاجُّ بِالْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ فَهُوَ عَلَى هَذَا.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ) وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْجَارِي أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَالْغَدِيرِ الْعَظِيمِ
(قَوْلُهُ: قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا) أَيْ قَلِيلًا كَالْآبَارِ وَالْأَوَانِي أَوْ كَثِيرًا كَالْغَدِيرِ فَيَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِحِفْظِ الْمَاءِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَقَالَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ») أَيْ الرَّاكِدِ «وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ») إنَّمَا قَالَ أَمَرَ وَهُوَ نَهْيٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْمُسْتَعْمَلَ بِالْبَوْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ كَالْبَوْلِ فِيهِ فَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّ صَاحِبَ الْجَنَابَةِ لَا يَخْلُو بَدَنُهُ
1 / 13
عَنْ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ عَادَةً وَالْعَادَةُ كَالْمُتَيَقَّنِ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ ﵇ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ») يَعْنِي فِي مَكَان طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ) حَدُّ الْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةٍ وَلَوْ جَلَسَ النَّاسُ صُفُوفًا عَلَى شَطِّ نَهْرٍ وَتَوَضَّئُوا مِنْهُ جَازَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ ﵀ عَنْ الْمَاءِ الْجَارِي يَغْتَسِلُ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ جَنَابَةٍ هَلْ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ أَسْفَلَ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ) الْأَثَرُ هُوَ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ دَابَّةً مَيِّتَةً إنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ نِصْفِهَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَقَلِّهَا وَأَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَلِلْمَاءِ قُوَّةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ وَشَرْحُ ابْنِ أَبِي عَوْفٍ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً كَدَابَّةٍ مَيِّتَةً لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِمَّا قَرُبَ مِنْهَا وَيَجُوزُ مِمَّا بَعْدَهُ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ أَسْفَلِهَا أَصْلًا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ الْمَيِّتَةُ شَاغِلَةً لِبَعْضِ النَّهْرِ جَازَ الْوُضُوءُ مِمَّا بَعُدَ وَلَا يَجُوزُ مِمَّا قَرُبَ، وَيُعْرَفُ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ صَبْغٌ فَمَا بَلَغَ الصَّبْغُ مِنْ جِرْيَةِ الْمَاءِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الطَّهَارَةُ وَيَصِحُّ مِمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ شَاغِلَةً لِكُلِّ النَّهْرِ أَوْ لِأَكْثَرِهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِمَّا سَفَلَ مِنْهَا أَصْلًا وَيَصِحُّ مِنْ أَعْلَاهَا، وَإِنْ شَغَلَتْ نِصْفَ النَّهْرِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ
(قَوْلُهُ: وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ إلَى آخِرِهِ) التَّحْرِيكُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ بِالِاغْتِسَالِ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَا بِالتَّوَضُّؤِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْغُدْرَانِ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى التَّوَضُّؤِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ غَالِبًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَدْنَى مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَرَكَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالتَّوَضُّؤِ، وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى التَّوَضُّؤِ أَكْثَرُ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِاغْتِسَالِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ أَوْلَى، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي الْغَدِيرِ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِالْمِسَاحَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ طُولًا فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً فِي الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّينَ وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبْضَاتٍ وَهُوَ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَبْضَةٍ فَإِنْ كَانَ الْغَدِيرُ مُثَلَّثًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جَانِبٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَمِسَاحَتُهُ أَنْ تَضْرِبَ جَوَانِبَهُ فِي نَفْسِهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدًا وَثَلَاثِينَ وَجُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ذِرَاعٍ وَتَأْخُذَ ثُلُثَ ذَلِكَ وَعُشْرَهُ فَهُوَ الْمِسَاحَةُ فَثُلُثُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى التَّقْرِيبِ يَكُونُ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ وَعُشْرُهُ عَلَى
1 / 14
التَّقْرِيبِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَبْلُغُ عُشْرَ ذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا اُعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ قُطْرُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَدَوْرُهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فَمِسَاحَتُهُ أَنْ يُضْرَبَ نِصْفُ الْقُطْرِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعُشْرٌ فِي نِصْفِ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ، وَأَمَّا حَدُّ الْعُمْقِ فَالْأَصَحُّ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ الْأَرْضُ بِالِاغْتِرَافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ، وَقِيلَ مِقْدَارُ شِبْرٍ
(قَوْلُهُ: جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْأُخَرِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَنَجُّسِ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً أَوْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعِرَاقِيِّينَ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْبَلْخِيِّينَ إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً فَكَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْوَجِيزِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ) لِاتِّسَاعِهِ وَتَبَاعُدِ أَطْرَافِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ) أَيْ دَمٌ سَائِلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ يُسَمَّى نَفْسًا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ تَسِيلُ
(قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ) تَقْيِيدُهُ بِالْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَطَّرِدُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّنَجُّسِ فِيهِ لِعَدَمِ الدَّمِ لَا لِلْمَعْدِنِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ خَارِجَ الْمَاءِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِيهِ لَا يُنَجِّسُهُ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقَارِبِ) الْبَقُّ كِبَارُ الْبَعُوضِ، وَقِيلَ الْكَتَّانُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الذُّبَابَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَالزَّنَابِيرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الذُّبَابَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالزَّنَابِيرُ أَجْنَاسٌ شَتَّى وَسُمِّيَ ذُبَابًا؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا ذُبَّ آبَ أَيْ كُلَّمَا طُرِدَ رَجَعَ.
(قَوْلُهُ: وَمَوْتُ) (مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ) إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِوَالِدِهِ وَمَثْوَاهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْجَبَ التَّنَجُّسَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يَعِيشُ فِيهِ عَمَّا يَتَعَيَّشُ فِيهِ وَلَا يَتَنَفَّسُ فِيهِ كَطَيْرِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَاءِ إذْ لَوْ مَاتَ فِي غَيْرِهِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ، وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ: كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ) قَدَّمَ السَّمَكَ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُفْسِدُهُ إلَّا السَّمَكَ وَالسَّرَطَانَ وَعَقْرَبَ الْبَحْرِ وَالسَّرَطَانُ هُوَ الْعِقَامُ وَالضِّفْدَعُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَنَاسٌ يَفْتَحُونَهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) قَيَّدَ بِالْأَحْدَاثِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ وَسَوَاءٌ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ مِنْ جَنَابَةٍ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، حَتَّى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ يَسِيرِهِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بَلْخِي وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِلْأَحْدَاثِ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا فِي كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا
(قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَعْمَلُ كُلُّ مَاءٍ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ
1 / 15
وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَا غَيْرُ، فَقَوْلُهُ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ بِأَنْ تَوَضَّأَ مُتَبَرِّدًا أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا الْوُضُوءَ أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ مِنْ وَسَخٍ أَوْ تُرَابٍ وَهُوَ فِي هَذَا كُلِّهِ مُحْدِثٌ وَقَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ بِأَنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ طَاهِرٌ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَنَوَى الْقُرْبَةَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا وَإِذَا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَلَمْ يَنْوِهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا، وَإِذَا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَنَوَاهَا صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ أَوْ يَرْفَعَ بِهِ الْحَدَثَ وَالرَّابِعَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ وَهِيَ مَا إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَلَمْ يَنْوِهَا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَلَوْ كَانَ جُنُبًا وَاغْتَسَلَ لِلتَّبَرُّدِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُ فِي الْبَدَنِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ غُسَالَةِ الْجَمَادَاتِ كَالْقُدُورِ وَالْقِصَاعِ وَالْحِجَارَةِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا.
وَكَذَا إذَا غَسَلَ ثَوْبًا مِنْ الْوَسَخِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ كَانَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ تَقَرُّبٌ قَالَ ﵇ «الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» يَعْنِي الْجُنُونَ، وَقِيلَ لِلطَّعَامِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَمِنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) الْإِهَابُ الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يُدْبَغْ فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ أَدِيمًا وَكُلُّ جِلْدٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَمَا لَا فَلَا،.
وَفِي الْهِدَايَةِ مَا طَهُرَ بِالدِّبَاغِ طَهُرَ بِالذَّكَاةِ وَكَذَا لَحْمُهُ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا.
وَفِي الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَجِسَ السُّؤْرِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ إذَا وُجِدَتْ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ بِأَنْ كَانَ الْمُذَكِّي مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ بِالتَّسْمِيَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَجُوسِيًّا فَلَا بُدَّ فِي الْجِلْدِ مِنْ الدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ أَمَانَةٌ لَا ذَكَاةٌ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَقَمِيصُ الْحَيَّةِ طَاهِرٌ كَذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَجِلْدُهَا نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا وَقَوْلُهُ دُبِغَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الدَّابِغُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوَ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً وَجِلْدُ الْكَلْبِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَطْهُرُ وَفِي رِوَايَةٍ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَالدِّبَاغُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَحُكْمِيٌّ كَالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ فَإِنْ عَاوَدَ الْمَدْبُوغَ بِالْحُكْمِ الْمَاءُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَعُودُ نَجِسًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَعُودُ نَجِسًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ
(قَوْلُهُ: وَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ) وَكَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَنْ يَلْبَسَهُ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَطْهِيرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَلِمَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا قِيلَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ
(قَوْلُهُ: إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى طَهَارَةِ جِلْدِ الْكَلْبِ بِالدِّبَاغِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَكَمَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ فَكَذَا بِالذَّكَاةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إهَانَةٍ وَفِي مَوْضِعِ الْإِهَانَةِ يُقَدَّمُ الْمُهَانُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ [الحج: ٤٠]، فَقَدَّمَ الصَّوَامِعَ وَالْبِيَعَ عَلَى الْمَسَاجِدِ لِأَجْلِ ذِكْرِ الْهَدْمِ؛ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ الْبِيَعُ جَمْعُ بِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ لِلنَّصَارَى وَالصَّوَامِعُ لِلصَّابِئِينَ وَالصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ صَلَوَاتٍ وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ وَعِظَامُهُ نَجِسَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِهِ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرَانِ) أَرَادَ مَا سِوَى الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ وَرَخَّصَ فِي شَعْرِهِ لِلْخَرَّازِينَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ أَيْضًا لَهُمْ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَالرِّيشُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالْقَرْنُ وَالْخُفُّ وَالظِّلْفُ وَالْحَافِرُ كُلُّ هَذِهِ طَاهِرَةٌ مِنْ الْمَيْتَةِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّعْرُ مَحْلُوقًا أَوْ مَجْزُورًا فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْتُوفًا فَهُوَ نَجِسٌ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَجَاسَةِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَظُفْرِهِ وَعَظْمِهِ رِوَايَتَانِ فَبِنَجَاسَتِهِ أَخَذَ الْمَاتُرِيدِيُّ وَبِطَهَارَتِهِ أَخَذَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا نَجِسٌ، وَعِنْدَ مَالِكٍ عَظْمُهَا نَجِسٌ وَشَعْرُهَا طَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ
1 / 16
الشَّيْخُ بَيْضَ الْمَيْتَةِ وَلَبَنَهَا فَنَقُولُ الدَّجَاجَةُ إذَا مَاتَتْ وَخَرَجَتْ مِنْهَا بَيْضَةٌ بَعْدَ مَوْتِهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ اشْتَدَّ قِشْرُهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ اشْتَدَّ قِشْرُهَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ فَهِيَ نَجِسَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ مَاتَتْ شَاةٌ فَخَرَجَ مِنْ ضَرْعِهَا لَبَنٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ وَلَا يَتَنَجَّسُ الْوِعَاءُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهُ الْمَوْتُ إلَّا أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ الْوِعَاءِ فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ نَجِسٌ فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَإِنْ مَاتَ جَدْيٌ فَمِنْفَحَتُهُ طَاهِرَةٌ يَجُوزُ أَكْلُ مَا فِي جَوْفِهَا سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مَائِعًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا وَغُسِلَ جَازَ أَكْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالْإِنْفَحَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً كَرِشُ الْجَدْيِ مَا لَمْ يَأْكُلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا) (وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ) أَيْ مَائِعَةٌ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ
(قَوْلُهُ: نُزِحَتْ) يَعْنِي الْبِئْرَ وَالْمُرَادُ مَاؤُهَا ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ بِهِ الْحَالَ كَمَا يُقَالُ جَرَى النَّهْرُ وَسَالَ الْمِيزَابُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]
(قَوْلُهُ: وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ الْوَحْلُ وَالْأَحْجَارُ وَالدَّلْوُ وَالرَّشَا وَيَدُ النَّازِحِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ) إنَّمَا يَكُونُ النَّزَحُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ أَمَّا مَا دَامَتْ فِيهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ النَّزَحِ.
(قَوْلُهُ أَوْ سَامٌّ أَبْرَصُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْوَزَغُ الْكَبِيرُ وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَإِنْ شِئْتَ أَعْرَبْتَ الْأَوَّلَ وَأَضَفْتَ إلَى الثَّانِي، وَإِنْ شِئْت بَنَيْت الْأَوَّلَ عَلَى الْفَتْحِ وَأَعْرَبْت الثَّانِيَ بِإِعْرَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ، وَإِنْ شِئْت بَنَيْتهمَا جَمِيعًا عَلَى الْفَتْحِ مِثْلُ خَمْسَةَ عَشَرَ
(قَوْلُهُ: نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ) الْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالْعَشَرَةُ بِطُرُقِ الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْفَأْرَةُ هَارِبَةً مِنْ الْهِرَّةِ وَلَا مَجْرُوحَةً أَمَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ، وَإِنْ خَرَجَتْ حَيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً وَكَذَا الْهِرَّةُ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ الْكَلْبِ أَوْ مَجْرُوحَةً يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالدَّمَ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ وَحُكْمُ الْفَأْرَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ كَالْوَاحِدَةِ وَالْخَمْسِ كَالْهِرَّةِ إلَى التِّسْعِ وَالْعَشْرِ كَالْكَلْبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثُ كَالْهِرَّةِ وَالسِّتُّ كَالْكَلْبِ إلَى التِّسْعِ، وَكَذَلِكَ الْعُصْفُورُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا فَأْرَتَانِ فَكَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْهِرَّتَيْنِ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ إجْمَاعًا وَمَا كَانَ بَيْنَ الْفَأْرَةِ وَالْهِرَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَأْرَةِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْهِرَّةِ وَالْكَلْبِ كَالْهِرَّةِ وَهَكَذَا أَبَدًا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْغَرِ وَلَوْ أَنَّ هِرَّةً أَخَذَتْ فَأْرَةً فَوَقَعَتَا جَمِيعًا فِي الْبِئْرِ إنْ كَانَتْ الْهِرَّةُ حَيَّةً وَالْفَأْرَةُ مَيِّتَةً نُزِحَ عِشْرُونَ، وَإِنْ كَانَتَا مَيِّتَتَيْنِ أَجْزَأَهُمْ نَزْحُ أَرْبَعِينَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَإِنْ كَانَتَا حَيَّتَيْنِ أُخْرِجَتَا وَلَا يُنْزَحُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ مَجْرُوحَةً أَوْ بَالَتْ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ وَهَلْ تَطْهُرُ الْبِئْرُ بِالدَّلْوِ الْأَخِيرِ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْمَاءِ أَوْ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالِانْفِصَالِ عَنْ الْمَاءِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا أَخَذَ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجِسٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ، وَلَوْ نَضَبَ مَاءُ الْبِئْرِ وَجَفَّتْ بَعْدَ وُقُوعِ الْفَأْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ النَّزْحِ ثُمَّ عَادَ لَمْ تَطْهُرْ إلَّا بِالنَّزْحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَجُلٌ فِي قَعْرِهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَضَبَ الْمَاءُ وَلَمْ يَجِفَّ أَسْفَلُهَا حَتَّى عَاوَدَهَا الْمَاءُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّزْحِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَضَبَ الْمَاءُ أَيْ غَارَ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ وَجَبَ فِي الْبِئْرِ نَزْحُ عِشْرِينَ فَنُزِحَ عَشْرٌ وَنَفِدَ الْمَاءُ وَنَبَعَ غَيْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُمْ عَشَرَةٌ أُخْرَى تَتْمِيمًا لِلْوَظِيفَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى نَزْحِ شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَشَدَّ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى
1 / 17
وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْمُتَابَعَةُ فِي النَّزْحِ أَمْ لَا عِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ يُشْتَرَطُ
(قَوْلُهُ: بِحَسَبِ كُبْرِ الْحَيَوَانِ وَصِغَرِهِ إلَى آخِرِهِ) الْكُبْرُ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ لِلْجُثَّةِ وَكَذَا الصِّغَرُ بِضَمِّ الصَّادِ وَتَسْكِينِ الْغَيْنِ وَأَمَّا بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَبِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ فَلِلسِّنِّ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ كَبِيرًا أَوْ الْبِئْرُ كَبِيرَةً فَالْعَشَرَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَالِاسْتِحْبَابُ دُونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرُ كَبِيرًا فَخَمْسٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَخَمْسٌ دُونَهَا فِي الِاسْتِحْبَابِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا حَمَامَةٌ أَوْ دَجَاجَةٌ أَوْ سِنَّوْرٌ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ دَلْوٍ إلَى سِتِّينَ) إضْعَافًا لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فِي الْفَأْرَةِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خَمْسُونَ دَلْوًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ إضْعَافًا لِلْوُجُوبِ دُونَ الِاسْتِحْبَابِ الدَّجَاجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهُوَ شَاذٌّ وَأَمَّا ضَمُّهَا فَخَطَأٌ وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ وَالدَّجَاجَتَيْنِ وَالْحَمَامَتَيْنِ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ آدَمِيٌّ نُزِحَ جَمِيعُ مَائِهَا) مَوْتُ الْكَلْبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ حَيًّا يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ سُؤْرُهُ نَجِسٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَجِبُ نَزْحُ الْكُلِّ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَمَنْ سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ إذَا خَرَجَ حَيًّا فَالْمَاءُ مَكْرُوهٌ يُنْزَحُ مِنْهُ عَشْرُ دِلَاءٍ وَالشَّاةُ إذَا خَرَجَتْ حَيَّةً وَلَمْ تَكُنْ هَارِبَةً مِنْ السَّبُعِ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ هَارِبَةً يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
(قَوْلُهُ: وَعَدَدُ الدِّلَاءِ يُعْتَبَرُ بِالدَّلْوِ الْوَسَطِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلْآبَارِ) وَالْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ بِدَلْوِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا دَلْوٌ يُتَّخَذُ لَهَا دَلْوٌ يَسَعُ صَاعًا
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نُزِحَ مِنْهَا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ قَدْرُ مَا يَسَعُ مِنْ الدَّلْوِ الْوَسَطِ وَاحْتُسِبَ بِهِ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ قِلَّةِ التَّقَاطُرِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَكْرَارِ النَّزْحِ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهَا فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْجَارِي وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِنَزْحِ الدَّلْوِ الْعَظِيمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قُلْنَا مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِدُونِ النَّزْحِ.
(قَوْلُهُ، وَإِنْ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ فِيهَا أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ جَمِيعُ مَائِهَا صَغِيرًا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبِيرًا) وَكَذَا إذَا تَمَعَّطَ شَعْرُهُ الِانْتِفَاخُ أَنْ تَتَلَاشَى أَعْضَاؤُهُ وَالتَّفَسُّخُ أَنْ تَتَفَرَّقَ عُضْوًا عُضْوًا وَلَوْ قُطِعَ ذَنَبُ الْفَأْرَةِ وَأُلْقِيَ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ رُطُوبَةٍ فَإِنْ جُعِلَ عَلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ شَمْعَةٌ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَا فِي الْفَأْرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لَا تُنْزَحُ وَقَدْ وَجَبَ نَزْحُ مَا فِيهَا أَخْرَجُوا مِقْدَارَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ) وَفِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ سِتَّةُ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَحَدُهُمَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْبِئْرِ إذَا قَالُوا بَعْدَ النَّزْحِ مَا كَانَ فِي بِئْرِنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَالثَّانِي يَنْزِلُ الْبِئْرَ رَجُلَانِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ وَيَقُولَانِ بَعْدَ النَّزْحِ مَا كَانَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ قَوْلَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥] وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا يُحْفَرُ حَفِيرَةٌ لِقَدْرِ طُولِ الْمَاءِ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ وَتُجَصَّصُ بِحَيْثُ لَا يَنْشَفُ وَيُصَبُّ فِيهَا مَا يُنْزَحُ مِنْهَا حَتَّى تَمْتَلِئَ، وَالثَّانِي يُجْعَلُ فِيهَا قَصَبَةٌ وَيُجْعَلُ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ فَيُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ فَيُنْزَحُ لِكُلِّ
1 / 18
قَدْرٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا فِي الْمَتْنِ وَالثَّانِي مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَكَأَنَّهُ بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي آبَارِ بَلَدِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِنَزْحِ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ وَلَا يُكْتَفَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا وُجِدَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَى آخِرِهِ) مَيْتَةٌ بِالتَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ بِالتَّشْدِيدِ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيِّ قَالَ اللَّهُ ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ﴾ [الزمر: ٣٠] أَيْ سَتَمُوتُ وَمَا قَدْ مَاتَ يُقَالُ لَهُ مَيْتٌ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَنْ يَكُ ذَا رُوحٍ فَذَلِكَ مَيِّتٌ ... وَمَا الْمَيْتُ إلَّا مَنْ إلَى الْقَبْرِ يُحْمَلُ
(قَوْلُهُ: إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا) أَيْ وَهُمْ مُحْدِثُونَ
(قَوْلُهُ: وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا) أَيْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ نَجَاسَةٍ، أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ ﵀ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَارَّ صَارَ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِذَا كَانُوا مُحْدِثِينَ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ حَدَثُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِذَا كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِي نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِصَابَةِ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ بِمَرْأَى بَصَرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا عَلِمَ أَنَّهَا أَصَابَتْهُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِهِ، وَلَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ) وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَأَى طَائِرًا فِي مِنْقَارِهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَلْقَاهَا فِي بِئْرٍ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَةِ الْبِئْرِ فِيمَا مَضَى وَفِي شَكٍّ مِنْ نَجَاسَتِهَا الْآنَ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ قَدْ زَالَ هَذَا الشَّكُّ بِيَقِينِ النَّجَاسَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَلِأَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ فَيُحَالُ بِالْمَوْتِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ فِي الْمَاءِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقُدِّرَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالِانْتِفَاخُ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَقُدِّرَ بِالثَّلَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَسَّخُ.
(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) السُّؤْرُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ سُؤْرٌ طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسُؤْرٌ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسُؤْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسُؤْرٌ مَكْرُوهٌ وَسُؤْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَمَّا الطَّاهِرُ فَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْكَافِرُ إلَّا سُؤْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَنْ دَمِيَ فَاهُ إذَا شَرِبَ عَلَى فَوْرِهِمَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ فَإِنْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِرَارًا طَهُرَ فَمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَكَذَا سُؤْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ كَلَبَنِهِ إلَّا الْإِبِلَ الْجَلَّالَةَ وَهِيَ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِنَّ سُؤْرَهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ كَانَتْ تُخْلَطُ وَأَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا النَّجِسُ فَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ إلَّا أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ خِلَافُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا عِنْدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ النَّجَاسَةِ
(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) قَدَّمَ الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ لِمُوَافَقَةِ الشَّافِعِيِّ لَنَا فِيهِمَا وَأَخَّرَ السِّبَاعَ لِمُخَالَفَتِهِ لَنَا فِيهَا وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ مَا يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَالسُّؤْرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ سُؤْرُ السِّبَاعِ فَعِنْدَنَا هُوَ نَجِسٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ طَاهِرٌ لَنَا أَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْأَلْبَانِ وَاللَّحْمِ، وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ سُؤْرِهَا فَكَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا كَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ ﵇ حِينَ «سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَوَاتِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ فَقَالَ لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَنَا شَرَابٌ وَطَهُورٌ» فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ أَلَا تَرَاهُ ذَكَرَ الْكِلَابَ وَسُؤْرُهَا نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ خَفِيفَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا
1 / 19
غَلِيظَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَفِيفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَمَّا السُّؤْرُ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ كَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَهِيَ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا كَالصَّقْرِ وَالْبَازِ وَالْعُقَابِ وَالْغُرَابِ الْأَسْوَدِ وَالْحَدَأَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ) أَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهَلْ كَرَاهِيَتُهُ عِنْدَهُمَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيَةٍ.
وَفِي الْهِدَايَةِ كَرَاهِيَتُهُ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهَا عِنْدَهُمَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُكْرَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ بِالطَّوْفِ أَسْقَطَتْ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ﵇ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» فَإِنْ لَحِسَتْ الْهِرَّةُ عُضْوَ إنْسَانٍ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا إذَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ يُكْرَهُ أَكْلُ بَاقِيهِ قَالَ فِي الْكَامِلِ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَدَلِهِ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ فَأْرَةً وَشَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لِغَسْلِ فَمِهَا بِلُعَابِهَا
(قَوْلُهُ: وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ) لِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَاتِ إذْ لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمِهَا لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الطَّهَارَةُ نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا وَلَوْ حُبِسَتْ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ عَادَةً فَأَشْبَهَتْ الدَّجَاجَةَ الْمُخَلَّاةَ فَلَوْ حُبِسَتْ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ لَحْمٌ وَالْعَظْمُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ قِيلَ إنَّهَا تَشْرَبُ بِمَنَاقِيرِهَا وَالسِّبَاعُ بِأَلْسِنَتِهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ بِلُعَابِهَا وَلِأَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الضَّرُورَةُ فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ فَتَشْرَبُ فَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا) وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَسْآرِ وَهَلْ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ أَوْ فِي طَهُورِيَّتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا وَبِهَذَا قَطَعَ الصَّيْرَفِيُّ ﵀ وَتَفْرِيعُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْعِرْقَ وَاللُّعَابَ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ مَا لَمْ يُفْحِشْ لِلضَّرُورَةِ وَأَنَّ لَبَنَهُ نَجِسٌ حَتَّى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ طَاهِرًا وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَفْرِيعُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ لَبَنَهُ وَعِرْقَهُ طَاهِرٌ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْوَجِيزِ وَهَلْ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ النَّجِسَ وَلَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَبَنُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ وَكَذَا عَرَقُهُ طَاهِرٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَمَّا عَرَقُهُ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا لَبَنُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الرِّوَايَةُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ نَجَاسَتُهُ أَوْ تَسْوِيَةُ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فِيهِ وَلَمْ يُرَجِّحْ جَانِبَ الطَّهَارَةِ أَحَدٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَبَنُ الْأَتَانِ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَرَقُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَسُؤْرُ الْبَغْلِ مِثْلُ سُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ الْخَيْلِ وَأَبَاهُ مِنْ الْحَمِيرِ فَكَانَ كَسُؤْرِ فَرَسٍ خُلِطَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا تَوَضَّأَ بِهِمَا وَتَيَمَّمَ وَأَيَّهُمَا قَدَّمَهُ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ وَلَنَا أَنَّ الْمَطَرَ أَحَدُهُمَا فَيُفِيدُ الْجَمْعَ دُونَ التَّرْتِيبِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ يُفِيدُ الْجَمْعَ أَيْ لَا تَخْلُو الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى فِي رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ حِمَارٍ قَالَ
1 / 20