مقالة المنازع لنا: وأما المنازع فمقاله يدل على زعمه بأن هذا السؤال صحيح تلزم الإجابة عنه بأن يقال له نعم يقدر على ذلك. ورفع إلينا عنه أنه قال من لم يقل ذلك أو من قال انه سؤال محال فهو مشرك. ووجدنا عنه في مسألة ذات جواب ردا خارجا عن وجه الصواب، وهى فإن قال قائل هل يقدر الباري جلت عظمته أن يجمع الأضداد، فكان الجواب: قلنا إن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء ولا يفعل إلا الحكمة، فرد المنازع قلنا نعم إنه قادر على ذلك لا يعجزه شيء في الخصوص ولا في العموم ولو شاء لجعل الأرض سماء والسماء أرضا والبحر برا والبر بحرا، وهذا مطرد في جميع الأضداد كلها. فانظروا معاشر المسلمين إلى هذا الرد المتعارض والترتيب المتناقض الدال أنه صدر عن جهل بالجوهر وحقيقته والشيء ونعته والمحال وصفته. وهكذا من اشتغل [6] بالألفاظ عن المعاني وتعسف المعارضات على جهل بالمثاني. فقد حكى أن شاعرا أشيد الرشيد شعرا في وصف الفرس بين العلماء والفصحاء فقال:
كأن أذنيه إذا تشوفا قادمة أو قلما محرفا
فاشتغل الجماعة بحسن التشبيه عن اللحن فقال الرشيد:
تخال أذنيه عرفها بالذكاء الحاضر
وحكى أيضا أن الرمة امتدح بلال بن أبى أوفى، فأنشده:
رأين الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح (1) انتجعي بلال
تناجى عند خير فتى يمان ... إذا النكباء ناوحت الشمالا
فقال بلال: يا غلام جب لها تبنا وفتا لأنه استماح للناقة لا لنفسه، وهذا جمل باتساع اللغة.
ولو عرف هذا المنازع لنا أن الجوهر في الحقيقة الجزء الواحد الذي لا يتجزأ وعرف الفرق بين الشيء ولا شيء، أن تجرئه ما يتجزأ شيء تجزئة ما لا يتجزأ ليس بشيء، وعرف معنى المحال من الكلام أنه ما لا يعتد به ولا يمكن كونه بحال البتة.
وعرف أن القدرة إنما توقع غلى الشيء لا على شيء تبين له لطه وبأن له خطؤه وسقطه، فإن معنى هذا السؤال راجع إلى أن الله يقدر على لاشيء أم لا؟
Page 13