Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Genres
15
التي حفظت في شكل نقوش على البرونز والحجارة وبقايا الحيوانات. وكانت عظام كتف الثيران والخراف والغزلان والخنازير - وحتى البشر أحيانا - وسطا مفضلا، وكانت أصداف السلاحف (التي كان يزعم أن لها صفات سحرية) وسطا آخر. تشير هذه الكتابات إلى كثير من جوانب حياة عهد أسرة شانج؛ الزراعة وحياة المدينة، الحملات العسكرية والبعثات الاستكشافية، علم الفلك والتقويم والمناخ، المعتقدات الدينية والقرابين، الشخصيات والعائلة الملكية. كانت عاصمة أسرة شانج على الأرجح في إيرليجانج، بالقرب من مدينة تشنجتشو الحديثة في مقاطعة هينان. وكانت المدينة، التي بلغت مساحتها نحو 25 كيلومترا، محاطة بجدار ترابي يبلغ طوله 7 كيلومترات.
انتهى عهد أسرة شانج بحلول أسرة تشو في عام 1045 قبل الميلاد، لكن حضارتهم ظلت باقية، وفي الواقع تطورت الكتابة الصينية أكثر في عصر أسرة تشو، وسجلت أخيرا كلمات كونفوشيوس. تشهد المدن والقصور والقبور والتماثيل على إنجازات أسرة تشو. حكمت أسرة تشو الغربية، التي امتدت أقاليمها إلى أبعد من مدينة شيان الحالية، حتى عام 771 قبل الميلاد. أعقب حكمهم حكم أسرة تشو الشرقية، التي احتلت المنطقة الساحلية وحكمت حتى عام 221 قبل الميلاد. طوال هذه الفترة كانت ثمة حروب ومنازعات، وانحسرت الاضطرابات - وإن كان لفترة وجيزة - فقط عند توحيد أراضي أسرة تشو على يد أسرة تشين، وكانت هذه أول سلالة في إمبراطورية الصين، وهي إمبراطورية كان مقدرا لها الاستمرار لأكثر من ألفي سنة حتى انتهاء أسرة تشينج
16
في عام 1911 وحلت محلها جمهورية سون يات سين. ويقال إن كلمة الصين بالإنجليزية
China ، اشتقت من كلمة تشين، ومنها جاءت أيضا الصفة «صيني» بالإنجليزية.
17
ومن جانبه كان الشعب الصيني يطلق على مملكته اسم العاصمة التي يعيش فيها الحاكم؛ فكانت تشيا عاصمة أسرة تشيا، وكانت تشانج عاصمة أسرة تشانج، وتشو عاصمة أسرة تشو، وهكذا. وتقع وراء المنطقة المخصصة لعاصمتها أراضي كبار الإقطاعيين، وتوجد وراء هذا أراضي البربر. لم يكن أي منهما يستحق اسم الدولة ؛ ففي هذا الوقت كانت أراضي السكان في الجنوب تسمى هان، الذي له معنى ازدرائي. ومن جانبهم أطلق الهان على جيرانهم الشماليين «البربر الضعفاء» أو «الأوغاد الشعث». وعندما خلفت أسرة هان أسرة شين في عام 206 قبل الميلاد، انعكست عبارات الازدراء هذه. وفي أواخر القرن السابع عشر الميلاد فقط، عندما خلفت سلالة تشينج سلالة مينج، سميت الدولة لفترة وجيزة باسم «عام»: تشونججو، بمعنى المركز الملكي. إذا كان الصينيون اعتبروا الذين يعيشون وراء حدودهم برابرة - بالطبع مثلما فعل تماما الإغريق والرومان وأمم أخرى كثيرة - فقد كان لديهم سبب وجيه لذلك؛ فطوال العصور الوسطى، بينما كانت الحضارة الأوروبية والشرق أوسطية في حالة خمول، ازدهرت ثقافة الصين وتقدمها التكنولوجي؛ فيظهر تاريخها، من ناحية، كيف أن غياب الحراك البشري من شأنه ألا يقلل الأفكار المبتكرة، ولكن من ناحية أخرى كيف تؤدي العزلة عن التأثير الخارجي في النهاية إلى تدهورها. (5) كريت
ترجع الحضارة المينوية إلى نحو 3 آلاف عام قبل الميلاد؛ مما يجعلها الأقدم في أوروبا. وقد كشفت عنها عمليات التنقيب الأثرية لرجل واحد؛ هو السير أرثر إيفانز، الذي بدأ الحفر في عام 1899، واستمر في هذا طول السنوات الست والثلاثين التالية. وهو الذي اخترع كلمة مينوية؛ استنادا إلى الملك الأسطوري مينوس، الذي يقال إنه عاش على جزيرة أطلق عليها إيفانز اسم كريت. ابتكر المينويون أسلوبا مميزا في فن العمارة؛ فكان حكامهم يهتمون بحياتهم الحالية أكثر من حياتهم الآخرة؛ فبنوا قصورا وليس أهرامات. فبنوا قصورا في كنوسوس وماليا وفيستوس وزاكرو؛ فقد احتوت القصور الموجودة في كنوسوس، بالقرب من ميناء هيراكليون الحالي، على نماذج جصية لمناظر طبيعية، والحياة الحيوانية وغيرها من الموضوعات. كانت الحضارة المينوية واحدة من أقدم الثقافات في العصر البرونزي؛ فلم تستخدم المعادن فحسب، بل إنها صنعت أختاما مزخرفة وعددا هائلا من المصنوعات الخزفية. استمرت ثقافتهم بعد قدوم الميسينيون من الأراضي الشمالية في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، رغم أن القصور دمرت في النهاية. وعلى الأرجح تأثير الزلزال الذي تعرض له القصر الموجود في كنوسوس لا يقل كثيرا عن تأثره بغزو الميسينيين. لكن في هذا الوقت كان المعتدون استوعبوا ما يكفي من الثقافة المينوية لإنشاء اليونان، التي انتقلت إليها هذه الثقافة، والتي أصبحت مركزا للحضارة الأوروبية على مدى الألف سنة التالية.
ذكرت من قبل دمار المكتبة العظيمة في الإسكندرية، وفقدان كثير من المعلومات حول الثقافات القديمة، ومنها ثقافة اليونان وروما. لكن ظلت معلومات أخرى؛ فتعتبر المكتبة الموجودة في مدينة هركولانيوم مثالا على مجموعة يعاد حاليا ترميمها. إنها جزء من قصر كانت تنتمي في وقت ما إلى والد زوجة يوليوس قيصر، وتحتوي على آلاف من لفافات البردي. دفن القصر الصغير، وبقية أجزاء المدينة، تحت الحمم البركانية عندما انفجر جبل فيزوف في عام 79 ميلاديا، واحترقت معظم محتوياتها. وفي أثناء عمليات التنقيب الأولى رمي كثير من البرديات ببساطة لكونها مجرد قطع من الفحم، في حين نجت برديات أخرى. يوجد بعض منها في حالة جيدة تكفي لقراءتها؛ فهي تصف حياة الناس في هذا الوقت، وفلسفات الطبقة المثقفة فيها، بما في ذلك الحكيم الإغريقي أبيقور. ومع ذلك، كانت معظم البرديات محترقة على نحو سيئ بحيث يصعب ولو فتحها، فضلا عن قراءتها؛ فيصعب عليك تمييز حروف مكتوبة بالحبر الأسود على خلفية سوداء متفحمة. لكن ابتكرت حاليا طرق جديدة لفصل الطبقات برفق، كما أن التقنيات الطيفية - التي طورتها ناسا من أجل استكشاف النجوم البعيدة - تستخدم في إظهار الحروف حتى الموجودة على خلفية متفحمة. ما زالت آلاف من هذه البرديات مدفونة تحت الأنقاض في انتظار العثور عليها وقراءتها. (6) أمريكا الوسطى
Page inconnue