Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Genres
وثقافة الأزتيك من حضارة المايا. توجد مدرسة فكرية تنسب نشأة إمبراطورية جوبتا وظهور الهندوسية منذ نحو 1600 سنة إلى تأثير السومريين في بلاد الرافدين ومن بعدهم تأثير اليونانيين، لكن يرى معظم الهنود أن الإمبراطورية الماورية التي تأسست قبل هذا بسبعمائة سنة، ووصلت إلى أوجها تحت عهد أشوكا، تمثل استمرار حضارة نشأت في وادي نهر السند. إن الفكرة التي أريد التعبير عنها أن الثقافات البدائية نشأت مستقلة، بجانب المستعمرات البدائية التي عاشت فيها المجموعة العرقية نفسها، ولم يحدث إلا فيما بعد كثير من الاقتباس والتبادل للأفكار بين مجتمعات لها خلفية عرقية مشابهة.
إذن ليس العرق هو السبب. تعتمد التفسيرات الأخرى لظهور حضارة في جزء من العالم دون الآخر على نوع البيئة؛ وتختلف فقط في كونها مناقضة تماما لبعضها؛ فتقترح الأولى أن البيئات المناسبة؛ الوادي الخصب لنهر النيل في مصر، والمنطقة الخصبة بين نهري دجلة والفرات في بلاد الرافدين، وضفاف النهر الأصفر في الصين، والغذاء الوفير من البحر في كريت؛ هي التي أدت إلى حياة مستقرة وإلى ظهور مجتمعات مستقرة، فانتقل البشر ببساطة إلى حيث بدت الحياة سهلة، واستقروا في هذه الأماكن. لا يمكنني إنكار أن الانتهازية واستغلال موقف موات صفة بشرية محضة، لكنها أيضا، مثل البحث، إحدى الصفات التي تميز جميع الكائنات الحية؛ فتستغل النباتات بيئة مناسبة وكذا الجراثيم؛ فتتكاثر الأخيرة بسرعة داخل إنسان وظيفة جهازه المناعي مختلة. لكن يوجد جانب سلبي لهذا؛ فالبكتيريا التي تتطفل على الحيوانات، مثل البكتيريا المكورة العنقودية والبكتيريا العقدية - التي تسبب كثيرا من الأمراض التي تصيب الإنسان - أصبحت معتمدة كثيرا على عوائلها؛ بحيث فقدت القدرة على النمو في أي مكان آخر؛ فاحتياجها إلى عناصر غذائية معدة من قبل أكبر بكثير من حاجة الإنسان؛ فمن بين عشرين نوعا مختلفا من الأحماض الأمينية المطلوبة لصنع بروتين، نستطيع نحن البشر صنعها جميعا عدا عدد قليل من الجلوكوز والأمونيا عبر عملية الأيض لدينا، وتحتاج البكتيريا المكورة العنقودية والبكتيريا العقدية إلى وجود كل واحد من هذه الأحماض الأمينية العشرين في وجبتها الغذائية.
ستذكرني بأنني قلت في فصل سابق إن بعض الجينات التي نحملها معنا هي باقية لدينا من أسلاف سابقة من وقت بعيد. لماذا إذن لم تحتفظ البكتيريا المكورة العنقودية والبكتيريا العقدية بجينات أسلافها، التي تتمكن من خلالها صنع جميع الأحماض الأمينية العشرين من الجلوكوز والأمونيا بنفسها؟ والإجابة أننا على مدار فترة طويلة بما يكفي من الوقت نفقد بالفعل جينات معينة. وعلى الأرجح، فإن السلف المشترك للنباتات والحيوانات الذي عاش منذ 3 مليارات سنة كان يتمتع بالقدرة على التمثيل الضوئي، فكان يستخدم الطاقة من الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى كربوهيدرات وأكسجين. أما نحن فقد فقدنا الجينات التي تحدد البروتينات الضرورية لتحقيق هذا التفاعل. كيف؟ عبر الانقراض التدريجي لبعض الأنواع القديمة، وتطور أنواع أخرى. تكون هذه العملية أكثر بطئا في الحيوانات منها لدى البكتيريا؛ فالإنسان يلد مرة واحدة تقريبا كل 20 سنة، أما البكتيريا المكورة العنقودية فتلد كل 20 دقيقة، وهو تفاوت يقدر بنحو 500 ألف ضعف. إذن، هل يوجد جانب سلبي لانتهازية الإنسان؟ على مدى النطاق الزمني الذي ظهرت فيه الحضارات - بضعة آلاف من السنوات على أحسن تقدير - يكون التغير الجيني طفيفا للغاية بحيث تصعب ملاحظته. هذا لا يعني أنه لا يحدث، لكن يكون تأثيره ضئيلا. ومن ناحية أخرى، لا يعني التغير في سلوك الإنسان بالضرورة تغيرا جينيا على الإطلاق؛ فالتغيرات في الملابس التي تحدثت عنها في فصل سابق ليس لها أساس جيني، ولا ظهور الثقافة.
5
من جهتي أعتقد في وجود جانب سلبي للانتهازية، تماما مثل جانبها الإيجابي، لدى الإنسان، سواء كان معرفا جينيا أم لا؛ فعلى المدى القصير تكون دون شك مفيدة، لكن على المدى الطويل تؤدي إلى الرضا بالوضع القائم، وهو قرين الخمول. استمع إلى الشاعر الإنجليزي ألفريد تنيسون الذي كتب في القرن التاسع عشر، على غرار ملحمة «الأوديسا» لهوميروس، يصف مجموعة من الصيادين الكادحين، الذين عثروا على جزيرة عليها أناس أصابهم الخمول بسبب أكل زنابق الماء:
اكتفينا من الحركة والإعياء،
وذعر البرية،
نتخبط في البحر المتلاطم
حيث يهيم فرس البحر ذو الأنياب.
هذا أجمل وأحلى،
Page inconnue