Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Genres
38
وباستثناء ماو تسي تونج والجيش السوفييتي، الذي كان هذا الكتاب كتابا مرجعيا لهما، لم يكن معظم القادة عبر القرون مدركين لقواعده الفعالة مع بساطتها، رغم تطبيقهم فطريا في كثير من الأحيان لخطط عسكرية مشابهة. ونقلا عن صن تزو تمكنت من تلخيص استراتيجيات القادة الناجحين على مدار 2500 سنة مضت:
استعد في السلم للحرب، واستعد في الحرب للسلم ... إن فن الحرب له أهمية بالغة للدولة؛ فهي مسألة حياة أو موت، سبيل إما للسلامة أو الدمار؛ ومن ثم فإنه مجال للتقصي لا يمكن إغفاله نهائيا بأي حال من الأحوال ... الهدف من الحرب هو السلام ... فالغرض من إجراء الحرب هو إخضاع العدو دون قتال ... وتعتمد كل الحروب على الخداع؛ وعليه، فعندما نكون قادرين على الهجوم، علينا أن نبدو عكس ذلك، وعندما نستخدم قواتنا علينا أن نبدو خاملين، وعندما نكون قريبين علينا أن نجعل العدو يظن أننا بعيدون للغاية، وعندما نكون بعيدين علينا أن نجعله يظن أننا قريبون ... قدم طعما لخداع العدو؛ فعليك أن تتظاهر بالاضطراب، وتسحقه ... وإذا كان آمنا من كافة النواحي فكن مستعدا له، وإن كانت قوته تفوق قوتك فعليك بتجنبه ... وإن كان خصمك سريع الغضب، فاسع إلى إثارة غضبه، تظاهر بأنك ضعيف، حتى يغتر بنفسه ... وإن كان ينعم بالراحة، فلا تجعله يهنأ بها، إذا كانت قواته موحدة، فاعمل على فصلها ... انقض عليه عندما يكون غير مستعد، واظهر له في مكان لا يتوقعك فيه ...
يجري القائد الذي يكسب المعركة كثيرا من الحسابات في معقله قبل خوض القتال. أما القائد الذي يخسر المعركة فلا يجري إلا القليل من الحسابات مسبقا؛ ومن ثم تؤدي الحسابات الكثيرة إلى النصر، بينما تؤدي قلة الحسابات إلى الهزيمة.
39
وفي الفن العملي للحرب يكون أفضل شيء على الإطلاق هو الاستيلاء على دولة العدو كاملة سليمة؛ فالتحطيم والتدمير ليس أمرا جيدا؛ ومن ثم يكون من الأفضل أيضا أسر جيش بأكمله بدلا من تدميره، وأسر فوج أو سرية أو فرقة كاملة بدلا من تدميرها، وعليه لا يتمثل التميز والتفوق في القتال والفوز في كل المعارك التي تخوضها؛ وإنما يتمثل التميز والتفوق في تقويض مقاومة العدو من دون قتال ...
وتستمر النصائح على هذا المنوال.
في شرحه لأطروحة صن تزو في عام 1981، وصل الحال بالكاتب الأمريكي جيمس كلافيل إلى أن يقول «أنا أعتقد فعليا أن القادة العسكريين والسياسيين في الفترة الأخيرة إذا كانوا درسوا هذا العمل العبقري، لم تكن حرب فيتنام لتقع على النحو الذي وقعت به، وما كنا خسرنا الحرب في كوريا ... وما كانت حملة خليج الخنازير لتحدث، وما كانت أزمة الرهائن في إيران لتحدث، وما كانت الإمبراطورية البريطانية تعرضت للتفكك، وعلى الأرجح كان من الممكن تجنب وقوع الحرب العالمية الأولى والثانية ...» حسنا، ربما تجد، مثلي، في هذا قدرا من المبالغة، لكن كلمات صن تزو بها قدر من المصداقية.
هل أثرت التكنولوجيا في تعطش الإنسان لتدمير جيرانه؟ لا؛ فكما أكدت من قبل، تكون الطبيعة العدوانية التي تظهر لدى البعض دون البعض الآخر، موجودة في الجينات؛ فلم يكن للتطورات التكنولوجية التي حدثت على مدار آخر 10 آلاف سنة إلا تأثير طفيف على سلوك الإنسان. وماذا عن تأثير التكنولوجيا على أدوات الحرب؟ بالنسبة لي لا يوجد فرق كبير بين أن تقتل بضربة من فأس يدوي أو من سهم أو رمح أو رصاصة، ولا يهم كثيرا إذا مات المرء على الأرض أو في البحر أو في الهواء. فالأمر الذي تغير هو مدى تأثر الأفراد غير المحاربين. فمنذ وقت قريب يرجع إلى عصر نابليون استطاع رجال مثل شخصية تولستوي بيير بيزوكوف مشاهدة معركة بورودينو من الخطوط الجانبية، وفي أثناء معركة ووترلو استمر الحفل الراقص المقام في بروكسل المجاورة دون انقطاع. فلم تكن التكنولوجيا الحديثة هي التي قتلت المواطنين في لندن وكوفنتري، ولا في برلين ودرسدن في الحرب العالمية الثانية (أو، إضافة إلى هذا، الفلاحين في فيتنام ولاوس وكامبوديا منذ بضعة عقود). فلقد حدث هذا بسبب تغير الاستراتيجية؛ فأصبحت تتمثل في الضغط بشدة على المدنيين لدرجة تجعلهم يتوسلون لقادتهم للمطالبة بتحقيق السلام. تمثل تأثير التكنولوجيا على أدوات الحرب في اختراع أسلحة الدمار الشامل. بدأ الأمر منذ 60 عاما؛ فكان استخدام الطاقة الصادرة من التحلل النووي عملية مبتكرة للغاية، لدرجة أنه قبل هذا بنحو 12 سنة أطلق إرنست رذرفورد - أول عالم فيزياء ينجح في شطر الذرة - على مثل هذه التقنية اسم «ضوء القمر». ولم يكن هذا من طبع ألبرت أينشتاين. ففي شهر أغسطس عام 1939 كتب للرئيس روزفلت يحثه على إصدار أمر باختراع قنبلة ذرية دون تأخير؛ فقد كان أينشتاين مدركا أن العلماء الألمان ربما كانوا يسعون وراء الهدف نفسه. اقتنع روزفلت وبدأ مشروع منهاتن. وفي مارس عام 1945 كتب أينشتاين مرة أخرى للرئيس يحثه الآن على التخلي عن المشروع؛ نظرا لهزيمة ألمانيا فعليا، وفي هذه المرة لم يلق التماس أينشتاين آذانا مصغية.
40
Page inconnue